جملة اعتراضية| ملاحظات على العرس الديموقراطي (علاء الأسواني)

 

علاء الأسواني

أولا: هل المشير السيسي مرشح الجيش؟

في مقاله الأسبوعي حكى الأستاذ شارل المصري مدير تحرير جريدة «المصري اليوم» أنه تلقى اتصالا تليفونياً من رقم لا يعرفه، قال محدثه ان اسمه «الرائد أحمد شعبان» من مكتب المتحدث العسكري العقيد أحمد علي. دعا الرائد أحمد شعبان الاستاذ شارل الى لقاء المشير السيسي في اطار لقاءاته مع الصحافيين والكتاب، وحدد له موعد اللقاء بعد يومين في فندق ألماسة (التابع للجيش). استجاب الأستاذ شارل للدعوة ووعد بالحضور، لكنه تلقى في اليوم التالي رسالة على تلفونه تفيد تأجيل اللقاء، ثم اكتشف الأستاذ شارل بعد ذلك أن لقاء المشير بالصحافيين قد تم في موعده، وأن الأستاذ شارل هو الوحيد الذي تم استبعاده من اللقاء.
هذه القصة تدل على أن المشير السيسي بالرغم من تقاعده، ماا زال يستعمل إمكانات القوات المسلحة في حملته الانتخابية كمرشح رئاسي. العقيد أحمد علي، المتحدث العسكري، والضباط العاملون في مكتبه، يعملون في القوات المسلحة، وليس من مهام عملهم أن ينظموا لقاءات انتخابية لمرشح رئاسي هو الآن ضابط متقاعد. هنا تختلط الأمور ويتحول المشير السيسي من مرشح مستقل الى مرشح الجيش، ما يقحم الجيش في المعركة الانتخابية ويقضي على تكافؤ الفرص بين المرشحين، اذ لا يمكن لحمدين صباحي أن يتمتع بميزة أن ينظم له الجيش لقاءاته الانتخابية.
واقعة أخرى مهمة نشرتها جريدة «صوت الأمة» التي يرأس تحريرها الدكتور عبد الحليم قنديل، المعروف بتأييده الكامل للمشير السيسي. ملخص الواقعة أن المشير قد أدلى بحديث لجريدة قومية فنشرت عناوين الحديث في الصفحة الأولى، لكن خطأ مطبعياً قد حدث فتغير معنى كلمة واحدة قالها السيسي. هنا تدخلت جهة سيادية وأمرت الصحيفة بإعدام عشرة آلاف نسخة من الجريدة، ما سبب خسارة قدرها ربع مليون جنيه، تحملتها الجريدة من أموال الشعب بسبب خطأ مطبعي واحد.
هاتان الواقعتان تؤكدان أن السيد عبد الفتاح السيسي ليس مرشحاً مستقلا، وإنما هو مرشح الدولة، وهي تسخر إمكاناتها الضخمة لإنجاحه في الانتخابات الرئاسية، ما ينسف مبدأ تكافؤ الفرص الأمر الذي يجعل الانتخابات غير نزيهة.

ثانياً: هل تتوفر شفافية التمويل؟

رجل الأعمال طارق نور هو المنسق العام لحملة السيسي (وكان أيضا المنسق العام لحملة أحمد شفيق الانتخابية، وهو صاحب قناة فضائية أخذت على عاتقها تشويه ثورة يناير وكل من اشترك فيها).. السيد نور صرح مؤخراً ان حملة السيسي الانتخابية قد أنفقت حتى الآن 12 مليون جنيه بواقع 6 ملايين جنيه على المؤتمرات و6 ملايين على الدعاية، وبالطبع نحن لا نعلم من دفع هذه الملايين. اذا كان المشير السيسي قد دفعها من ماله الخاص، فكم تبلغ مدّخراته وكم كان مرتبه في القوات المسلحة؟ هذه المعلومات يتوجب عرضها على الرأي العام حتى تتحقق شفافية التمويل، وهو مبدأ أساسي في أية انتخابات ديموقراطية. وقد جاء قانون الانتخابات الحالي ليقضي على شفافية التمويل تماماً، اذ يحاسب المرشح على الدعم المالي الذي يتلقاه من أنصاره ويتجاهل الدعم العيني، وبالتالي من الممكن أن تنهمر على المرشح لافتات الدعاية التي تتكلف الملايين، ثم ينكر المرشح صلته بها، فلا تدخل في حساب تكاليف الدعاية. إن شفافية التمويل ومعرفة ثروة كل مرشح وكيف حصل عليها قاعدة ديموقراطية، اذا غابت، كما يحدث الآن، تكون الانتخابات غير ديموقراطية.

ثالثاً: هل هذه الانتخابات دستورية؟

وضعت لجنة الخمسين دستوراً جديداً هو بلا شك الأفضل في تاريخ الدساتير المصرية (باستثناء المادة التي تجيز محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية) ثم وافق المصريون في الاستفتاء على الدستور بأغلبية كبيرة لكن السلطة الانتقالية لم تحترم الدستور وانتهكته المرة تلو الأخرى. انتهكته عندما تمسكت بقانون التظاهر المخالف للدستور، الذي تستعمله الحكومة من أجل منع التظاهرات المعارضة لها، وحبس آلاف المتظاهرين السلميين مدداً تصل الى خمسة أعوام لمجرد أنهم اشتركوا في تظاهرة أو تصادف مرورهم بجوارها. تم انتهاك الدستور، مرة أخرى عندما قررت السلطة اجراء الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية على عكس ما حدد الدستور، ثم تم انتهاك الدستور مرة ثالثة عندما استمر الاعتقال العشوائي للمواطنين وحبسهم شهوراً طويلة من دون تحويلهم للمحاكمة، ثم تم انتهاك الدستور مرة رابعة عندما عاد تعذيب المعتقلين وكهربتهم وضربهم والتحرش بالمعتقلات وفقاً لتقارير عديدة موثقة، ثم تم انتهاك الدستور مرة خامسة عندما سمحت الدولة بالتشهير بالمواطنين وانتهاك حياتهم الخاصة وذلك بأن يبث التلفزيون تسريبات لمحادثات تليفونية تم تسجيلها أو تركيبها بمعرفة أجهزة الأمن، من أجل تشويه سمعة كل من اشترك في «ثورة يناير». انتهاك آخر ارتكبته الحكومة عندما قامت بتحصين قرارات اللجنة العليا للانتخابات، وهذه مخالفة صريحة للدستور، الذي يمنع تحصين أية قرارات ادارية. الغريب أن تحصين قرارات اللجنة العليا للانتخابات هو الذي أدى لاتهامها بالتزوير في الانتخابات الرئاسية السابقة, الواضح ان ثمة إرادة سياسية عليا سيتم تنفيذها حتى لو أدى ذلك الى دهس الدستور. كل ذلك يجعل الانتخابات الرئاسية الحالية غير دستورية.

رابعاً: هل يختلف خطاب السيسي
عن خطاب مبارك؟

نحترم الدور الوطني الذي قام به المشير السيسي عندما انحاز لإرادة الشعب وأنهى حكم عصابة «الاخوان». لكن هذا الاحترام لن يمنعنا من توجيه النقد للسيسي، لأنه الآن مرشح رئاسي، يجب أن يتحمل النقد ويتقبله. الحق أن خطاب المشير السيسي حتى الآن لا يختلف عن خطاب مبارك في شيء.. السيسي مثل مبارك يلوم المصريين على كسلهم، ويعتبر أنهم لا يعملون بالقدر الكافي، ويدعوهم للاستيقاظ مبكراً، والى العمل، وكأن المصريين شعب أفسده الفراغ والترف، مع أن الحقيقة عكس ذلك، لأن ملايين المصريين يعملون في وظيفتين، وأحياناً في ثلاث، من أجل إطعام أسرهم وتربية أولادهم. السيسي مثل مبارك لا يعتبر مكافحة الفساد أولوية للدولة ويتجاهل وجود صناديق خاصة في الوزارات والهيئات، تضم مليارات الجنيهات المحجوبة عن أصحابها الشرعيين، من أفراد الشعب.. السيسي مثل مبارك يؤكد أن موارد الدولة لا تكفي لزيادة الأجور، ولا يتحدث أبداً عن وضع نسبة عادلة بين الحد الأدنى والحد الأقصى للأجور. فهو يقبل ان يحصل مسؤولون في الدولة على مليون جنيه كل شهر بينما يقبض ملايين العمال والموظفين مرتبات لا تفي باحتياجاتهم الأساسية. وهو لا يتحدث أبداً عن زيادة الضرائب على الأغنياء الذين يدفعون في مصر أقل ضرائب في العالم، واذا استعانوا بمحاسب ماهر قد لا يدفعون ضرائب أساساً. السيسي تماماً مثل مبارك يرى ان المصريين غير مؤهلين لممارسة الديموقراطية وهو يقول إن مصر ستكون جاهزة للديموقراطية بعد ربع قرن. السيسي مثل مبارك لا يعتبر حرية التعبير من أولوياته ويعتبر أن معارضيه يثيرون الشغب ويعطلون الإنتاج ويقبل بإلقاء معارضيه في السجون وتعذيبهم وانتهاك آدميتهم، ويؤكد أن هذا القمع يتم في اطار القانون. السيسي مثل مبارك يرى علاقتنا بالولايات المتحدة وثيقة وراسخة حتى شبهها وزير الخارجية بأنها علاقة زواج وليست نزوة، وقد سمع السيسي هذا التصريح المهين لكل مصري فلم يستنكره بكلمة واحدة. في ظل تطابق الرؤية بين مبارك والسيسي لم يكن مستغرباً أن يعلن مبارك دعمه الكامل للسيسي كخلف له في رئاسة الجمهورية، ولم يكن مستغرباً أن يعقد اعضاء «الحزب الوطني» المؤتمرات الانتخابية للسيسي، ولم يكن مستغرباً أن ينفق فلول نظام مبارك ملايين الجنيهات من أجل الدعاية للسيسي، سواء في قنواتهم الفضائية او في المؤتمرات الانتخابية.
في النهاية نجد أنفسنا أمام عدة حقائق أولها أن هذه الانتخابات حتى لو لم يتم تزويرها تفتقر الى المعايير الديموقراطية الحقيقية، وثانياً ان نظام مبارك كمؤسسات وجماعات مصالح لا زال سليماً كما هو. نظام مبارك يعود بقوة الآن وهو يعتبر أن الموجة الثورية في «30 يونيو» لم تقض فقط على حكم «الاخوان» الفاشي، وإنما قضت أيضا على «ثورة يناير» التي شكلت تهديداً لمصالحهم. بسبب الانتخابات غير الديموقراطية وعودة الدولة القمعية والتشويه الاعلامي المستمر لشباب الثورة واتهامهم بالخيانة وإلقائهم في السجون قرر كثيرون منهم أن يقاطعوا الانتخابات أو يبطلوا أصواتهم. مع احترامي لهذا الموقف فأنا اختلف معه لأسباب ثلاثة: اولا لأن إقبالنا على التصويت في هذه الانتخابات، بغض النظر عن مدى ديموقراطيتها، سيكون رسالة واضحة بأن ما حدث في «30 يونيو» موجة ثورية تمثل ارادة الشعب، وليس انقلاباً عسكرياً كما يروج «الاخوان». هنا تتحول المشاركة في الانتخابات من موقف سياسي الى واجب وطني ملزم لا يجوز أن نتخلف عنه مهما تكن خلافاتنا السياسية والفكرية. وثانياً، لأننا تعلمنا من تجارب عديدة مؤلمة أن مقاطعة الانتخابات، إن لم تكن منظمة وشاملة انما تتحول الى سلاح يؤذي المقاطعين أنفسهم. اذ يخرجهم من المعادلة السياسية مجاناً فلا يكون لوجودهم أثر، لأنهم امتنعوا بأنفسهم عن تسجيل مواقفهم، أما الأمر الثالث والأهم، فهو أن الانتخابات الرئاسية، برغم افتقارها الى المعايير الديموقراطية الا انها معركة سياسية شرسة وحاسمة تحاول فيها الثورة المضادة توجيه ضربة نهائية ساحقة للثورة بسعيها لأن تكون نتيجة الانتخابات خالية من أصوات الثوريين كدليل على ان قوى الثورة لم يعد لها وجود على الخريطة.. أرجو أن يغير المقاطعون موقفهم ويشتركوا في الانتخابات، بغض النظر عن المرشح الذي سيختارونه.. أنا سأمنح صوتي لحمدين صباحي.
الديموقراطية هي الحل

صحيفة المصري اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى