حارس «الخط الأحمر» (غسان شربل)

 

غسان شربل

تتصرف روسيا كمن لا يستطيع أن يخسر في سورية. قبل عام عاد فلاديمير بوتين إلى الكرملين حاملاً مشروع حركة تصحيحية. يريد ترميم موقع بلاده داخل إطار العلاقات الأميركية – الروسية. يريد الخروج من علاقة تحمل آثار تلك الحقبة التي تميزت بسقوط جدار برلين وانتحار الاتحاد السوفياتي. وبين مستشاريه من يعتقد أن التوقيت ملائم لتقليم أظافر القوة العظمى الوحيدة. وأن أميركا تخرج مثخنة من حربين باهظتين في العراق وأفغانستان ومن أزمة مالية حادة.
كانت رسائل بوتين واضحة. يطالب باحترام روسيا ومصالحها وصورتها وسلاحها. لا يريد أن يرى ليبيا أخرى على أرض سورية. لا يقبل أن تتقدم أميركا لتحقيق انتصارات لابسة عباءة الأمم المتحدة. لا يريد أن يرى الشرق الأوسط إسلامياً. لديه من المتاعب ما يكفي مع إسلاميي الاتحاد الروسي وجواره. لا يريد تكرار مشاهد «الربيع العربي». يسقط ديكتاتور فتفتح صناديق الاقتراع ليخرج منها الإسلاميون بشرعية تساعدهم على تناسي تعهداتهم ووعودهم. لا يريد أن تودع موسكو حليفاً آخر. لا يريد أن يرى السلاح الروسي يتعرض لمهانة جديدة.
لهذا سارعت موسكو إلى رسم أول خط أحمر على الملعب السوري. التدخل العسكري الأجنبي خط أحمر. التذرع بأسلحة الدمار الشامل أو التدخل الإنساني ممنوع. هكذا رفعت موسكو سيف الفيتو وكررت استخدام هذا السلاح. موقفها شجع بكين على إشهار السيف نفسه. أقصى ما قبلت روسيا بتقديمه كان بيان جنيف. حاول الأخضر الإبراهيمي السباحة استناداً إليه لكن الالتباسات سرعان ما أغرقت مهمته. سيرغي لافروف حارس أمين للخط الأحمر الذي رسمه رئيسه.
موقف إيران لم يكن غامضاً. تعاملت مع الثورة السورية بوصفها مؤامرة وعلى الأقل انقلاباً على محور الممانعة. تصرفت وكأن الدفاع عن دمشق لا ينفصل عن الدفاع عن طهران. نزع الحلقة السورية من محور الممانعة يعني دفع إيران إلى العراق وتحجيم دور «حزب الله» وتطويقه. إيران بكرت هي الأخرى في رسم الخط الأحمر. نقل عن مرشدها أن سورية تكون ما كانت عليه أو لا تكون لأحد. في هذا السياق يمكن فهم الإطلالة الأخيرة للسيد حسن نصرالله والتي كرست الانتقال من التعاطف والمشاركة الخجولة إلى الانخراط العلني. رسم نصرالله دوراً واضحاً لـ «الأصدقاء الحقيقيين» لسورية وهو منع سقوطها في يد أميركا أو إسرائيل أو المجموعات التكفيرية.
راقبت إسرائيل ما يجري قرب حدودها. انقسم المحللون والمراقبون. ثمة من قال إن شيطاناً تعرفه خير من شيطان تتعرف عليه. وقال آخرون إن سقوط نظام الأسد سيعتبر خسارة استراتيجية لطهران وإن «الجهاديين» سيكونون على المدى البعيد خياراً أقل خطورة. انطلقت إسرائيل مما تسميه حسابات الأمن القومي. الأسلحة الكيماوية وانتقال أسلحة نوعية إلى أسلحة «حزب الله». بغاراتها أكدت أنها لا تحتاج إلى استئذان أحد حين يتعلق الأمر بأمنها القومي. رسمت إسرائيل بدورها خطها الأحمر على الملعب السوري.
ثلاثة تطورات سبقت رحلة جون كيري اليوم إلى موسكو. حديث أوباما عن استخدام الأسلحة الكيماوية على الأرض السورية وموقف السيد حسن نصرالله والغارات الإسرائيلية على أهداف في دمشق. والتطورات الثلاثة حافلة بالرسائل والتهديدات.
أغلب الظن أن كيري سيحاول الإفادة من ملف السلاح الكيماوي لمطالبة روسيا بالسير في عملية لانتقال السلطة في سورية. إذا امتنعت موسكو عن التجاوب لن يكون أمام أوباما غير تسليح المعارضة السورية المعتدلة. وهذا يعني ترشيح الأزمة السورية لجولة أشد من الاشتعال.
واضح أننا نتجه إلى أزمة إقليمية – دولية كبرى على الملعب السوري المفتوح. ولدى المراقب من الأسئلة أكثر بكثير مما لديه من الإجابات. هل تستطيع سورية الرد على الغارات الإسرائيلية وأين وبواسطة من؟ هل تذهب إيران أبعد في الانخراط العلني في النزاع فتتحول سورية ساحة لحروب كثيرة من أجل ملفات كثيرة؟ هل يجازف «حزب الله» بخوض مواجهة على جبهات متعددة؟ وماذا تفعل روسيا إذا بدا الشرق الأوسط متجهاً إلى حريق كبير؟ واضح أن أوباما يتعرض لضغوط كبيرة للقيام بتحرك جدي. وواضح أيضاً أن بوتين لا يستطيع أن يخسر. إنه مأزق كل الأطراف على الملعب الساخن. ولكل خط أحمر حارس أمين.

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى