حرب أنقرة تنال «الشرعية»… ولا سلام مع الأكراد

اكتسبت أنقرة تأييداً «دولياً» لحربها على «الإرهاب»، بالتزامن مع نيلها مباركة سعودية ـ قطرية لعملياتها الراهنة. ورغم حضّ بعض حلفائها الغربيين على التمييز بين «داعش» و«العمال الكردستاني» الذي أعلن رجب طيب أردوغان انفراط عقد «عملية السلام» معه نهائياً، يبدو أن تركيا تحاول تثبيت موقعها من جديد داخل المنظومة الغربية

أكملت تركيا يوم أمس، انتزاع الشرعية الدولية لحربها المعلنة على «الإرهاب». بعد تأييد واشنطن حقها في «الدفاع عن النفس»، نالت أنقرة أمس، دعم «حلف شمال الأطلسي» لعملياتها ضد «الإرهاب»، رغم تجاهله استهداف تركيا مواقع حزب «العمال الكردستاني»، فيما كان لافتاً ظهور تناقضات بين مواقف الدول الأعضاء إزاء مسألة الأكراد، حيث أثار الاتحاد الأوروبي مسألة «تكافؤ» العمليات التركية، في إشارةٍ إلى ضرورة التمييز بين «داعش» و«العمال الكردستاني».

وتغتنم أنقرة الفرصة اليوم لتبرهن قدرتها على تثبيت موقعها داخل المنظومة الغربية من جديد بعد تصدّع علاقتها بحلفائها الغربيين، خلال السنوات الأربع الماضية، على خلفية تركيز الحكومة التركية على القضايا الإقليمية وتورّطها في أحيان عديدة في مشاكل داخلية لدول الجوار، ثم تمايزها عن الموقف الأميركي في الحرب على تنظيم «الدولة الإسلامية». وتنطلق تركيا مجدداً من موقعها ضمن هذه المنظومة، كأحد أبرز أعضاء «الأطلسي»، مسبغةً على تدخلها الجديد في سوريا، دعماً دولياً.

على خط موازٍ، سجّل أمس، مواقف إقليمية مؤيدة للحملة العسكرية التي تخوضها تركيا، أهمها إعلان السعودية وقطر دعمهما لأنقرة في مواجهة «التنظيمات الإرهابية»، ما يكرّس الوضعية الجديدة بين الرياض وأنقرة، خصوصاً إزاء الملف السوري الذي كان موضع صراع في السابق.

وشهدت أنقرة اجتماعاً لأعضاء «حلف شمال الاطلسي»، بناءً على طلب الحكومة عقده بموجب المادة الرابعة من ميثاق «الأطلسي» التي تسمح للدول الأعضاء بطلب التشاور إن كان هناك تهديد لأمنه. واستخدمت المادة الرابعة سابقاً، أربع مرات فقط، ثلاثة منها من قبل تركيا (مرة خلال غزو العراق عام 2003، ومرتين خلال الأزمة السورية عام 2012)، أما المرة الرابعة فكانت من قبل بولندا التي طلبت التشاور، بعد ضم موسكو لشبه جزيرة القرم. وقال الأمين العام لحلف شمال الاطلسي، ينس ستولتنبرغ، بعد الاجتماع أمس، إن الحلف «يتضامن بقوة مع حليفتنا تركيا»، مضيفاً أن هذا الاجتماع مستحق وهو ينعقد في توقيت مناسب بغية بحث انعدام الاستقرار على أعتاب تركيا وعلى حدود الحلف. وفيما قال ستولتنبرغ إن «الارهاب بكل اشكاله لا يمكن تبريره أو التسامح معه»، أكد أن تركيا «لم تطلب أي وجود عسكري إضافي لحلف شمال الأطلسي على أراضيها».

وتضمن الاجتماع المغلق دعوات من دول عدة، إلى استخدام أنقرة قوتها العسكرية «بصورة تتناسب مع الوضع»، في إشارةٍ إلى مواجهتها حزب «العمال الكردستاني». وكانت ألمانيا قد طلبت سابقاً من الحكومة التركية «الرد المتكافئ» على هجمات الاكراد، وذلك لتأكيد الفصل بين وضع «داعش» ووضع «الكردستاني» حليف الغرب في مناطق شمال سوريا.

في هذا الوقت، ندد الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، بالهجمات الاخيرة في تركيا وأعرب عن تأييده لـ«حق تركيا في الدفاع عن نفسها وحماية مواطنيها من الأعمال الارهابية». وبحسب وكالة الأنباء السعودية الرسمية، اتصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بالملك سلمان لإطلاعه على مجريات العمليات العسكرية التي تخوضها تركيا، وأشارت الوكالة إلى أن الزعيمين شددا على «العلاقات الوثيقة بين البلدين»، ما يعطي «شرعية» إضافية لحرب أنقرة من قبل حلفائها الاقليميين.

كذلك، أطلع أردوغان الدوحة وباريس على سير العمليات العسكرية، إذ أجرى اتصالات منفصلة بأمير قطر تميم بن حمد، وبالرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند. وأكد أردوغان في مباحثاته أمس، أن الفوضى في سوريا تمثل تهديداً للأمن القومي لتركيا، مؤكداً أن بلاده «ستستمر في محاربة جميع اشكال الارهاب والتنظيمات الارهابية».

ومن جهتها، أعلنت الدوحة تأييدها الكامل لكافة الإجراءات الأمنية، والتدابير التي تتخذها تركيا من أجل حماية حدودها، وحفظ أمنها، واستقرارها. وقالت وزارة الخارجية القطرية، في بيان أمس، إن مشاركة ووقوف دولة قطر إلى جانب تركيا، يأتي انطلاقاً من موقفها الثابت ضد العنف والإرهاب بكافة صوره وأشكاله، مهما كانت دوافعه ومسبباته». في المقابل، أعربت وزارة الخارجية العراقية عن قلقها إزاء العمليات العسكرية التركية المتواصلة ضد مواقع «العمال الكردستاني» في جبال قنديل شمال العراق، داعيةً أنقرة إلى التنسيق مع بغداد حول تلك العمليات.

من جهةٍ أخرى، أعلن أردوغان أمس أن تطهير مناطق في شمال سوريا وإقامة منطقة امنية سيسمح بعودة اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا (عددهم يقارب 1,8 مليون نسمة) إلى بلادهم. وتعهد أردوغان بعدم تراجع بلاده عن محاربة الإرهاب، إذ قال في مؤتمر صحفي قبل سفره لبدء زيارة رسمية للصين أمس، إن العملية ستستمر بالعزيمة نفسها. وفي تأكيد لوصول عملية السلام بين الحكومة التركية والأكراد إلى نقطة اللاعودة، أكد الرئيس التركي أن «من المستحيل الاستمرار (في عملية السلام) مع الذين يهددون الوحدة الوطنية». وكان أردوغان قد حث البرلمان على تجريد الساسة الذين لهم صلة «بجماعات إرهابية» من الحصانة من مقاضاتهم.

في هذا السياق، اعتقدت بعض التحليلات الصحفية أن أردوغان يهدف من حملته العسكرية التي تركّز على «العمال الكردستاني» إلى إحراج حزب «الشعوب الديموقراطي»، خصمه الذي أثبت حضوره في الانتخابات البرلمانية الاخيرة، إذ يريد الرجل أن يضع الحزب الكردي بين خيارين، إما التنديد بهجمات «الكردستاني» وبالتالي يلقى ردود فعل غاضبة من قاعدته الكردية، أو يتبنى خطاباً أكثر تأييداً للأكراد ليجازف بإغضاب الجماهير التركية، ويمكن أردوغان اختبار نتيجة هذه الخطوة إذا ما توجه إلى انتخابات برلمانية مبكرة.

وعلى الصعيد الداخلي أيضاً، عقد وفدا حزبي «العدالة والتنمية» و«الشعب الجمهوري» التركيين، اللقاء الثاني بينهما في إطار المفاوضات بخصوص تشكيل حكومة ائتلافية، في العاصمة التركية أنقرة. ورغم كلام أردوغان عن استحالة استئناف «عملية السلام»، قال المتحدث باسم «العدالة والتنمية» بشير أطالاي، إن عملية السلام بين تركيا والمتشددين الأكراد قد تستمر «إذا ألقى العناصر الإرهابيون أسلحتهم وتركوا البلاد».

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى