حزيران 2012 ـ 2013: سيناريو سوري أســوأ بعد السيئ! (نقولا ناصيف)

 
نقولا ناصيف


لم تشأ واشنطن اتخاذ قرار تزويد المعارضة السورية السلاح الا بعدما بدأ الرئيس بشار الاسد يقضم ما انتزعته منه. الى ان يحين اوان تسوية لا تزال مبكرة، تتغير الارض هناك بسرعة. بعد القصير وحمص، دور حلب التي يعتزم النظام استعادتها. هكذا يصبح السيناريو السيئ اسوأ
منذ اعلن في 5 حزيران سقوط مدينة القصير في يد الجيش السوري وحزب الله، اصغى مسؤولون رسميون لبنانيون الى سفراء غربيين يسألون، مذ ذاك وبلا توقف، عن المرحلة التالية والدور الذي يحضّر حزب الله نفسه له في خضم الحرب السورية. عبّر السفراء الغربيون امام محدثيهم عن أسف، وفي الوقت نفسه عن تخوّف من الأسوأ. اثنان من هؤلاء قالا انهما توقعا مذ جهر حزب الله بانخراطه في الحرب هناك ان تفضي احداث القصير الى تعزيز حظوظ التفاوض بين نظام الرئيس بشار الاسد ومعارضيه، آخذين في الاعتبار موازين القوى العسكرية التي يمكن ان تنشأ عن المعركة تلك. فاذا الطرفين تصلبا وضاعفا شروطهما وامتنعا عن التفاوض وتعذر انعقاد مؤتمر جنيف ـ 2.
سأل السفراء اياهم ايضاً، بعدما شاع ان الساحة التالية للمواجهة هي حمص ثم حلب، عن احتمال انضمام حزب الله الى المعركة الجديدة او توقفه عند نتائج القصير المتاخمة للحدود الشرقية للبنان مع سوريا، وقد اضحت آمنة للحزب على الاقل.
لم تقتصر الحيرة على اسئلة السفراء فحسب، بل شملت ايضا مسؤولين رسميين تلقوا في الايام الاخيرة بضعة تقارير ديبلوماسية اجرت تقويما للموقف الاميركي في ضوء ما حدث في القصير واعلان الادارة انها تعتزم تسليح المعارضة السورية ردا على هذا التطور، من غير ان تحتمل التقارير تلك معطيات جازمة بهذا الموقف، وقد اوردت بضع ملاحظات منها:
1 ـ تسبب سقوط القصير بذعر في اوساط الادارة الاميركية حتم اولا اجتماع ممثلي اعضاء مجلس الامن القومي، تلاه اجتماع اعضاء المجلس برئاسة الرئيس باراك اوباما افضى الى طرح تسليح المعارضة السورية. خلص الاجتماعان الى الاعتقاد بأن انهيار الحال المعنوية للمعارضة السورية من شأنه افقادها حمص وحلب في وقت قصير ما لم يجر تدارك هذا الخلل في موازين القوى العسكرية على الارض.
ووفق ما نسب الى مسؤول اميركي كبير فان تدفق السلاح الايراني على سوريا بكميات ضخمة في الاسابيع الاخيرة وحض طهران الشيعة العراقيين على الانخراط في الحرب السورية، الى التدخل المباشر لحزب الله، قلب موازن القوى العسكرية، ومن ثم نتائجها السياسية، رأسا على عقب. قال ان السيناريو السيئ الذي كان يتوقعه الاميركيون في مسار الحرب السورية ـ وهو تحولها حربا اهلية ـ تغير في حصيلة ما انتهت اليه معركة القصير بانتصار الرئيس السوري وشركائه فيها واصبح اسوأ.
2 ـ تعتقد الادارة بان دخول حزب الله الحرب السورية احدث الفرق الذي افتقر اليه الاسد ورجح كفته. ورغم اهمية اعلان واشنطن قرار تسليح المعارضة السورية، الا انه اتى متأخرا جداً بمفاعيل قليلة، من وفرة اللوم الذي وُجّه الى الرئيس الاميركي لعدم مساعدته المعارضة في الوقت المناسب، وتغاضيه عن استجابة ما طلبه منه السعوديون والقطريون، وكذلك الفرنسيون والبريطانيون. وبحسب ما يرويه المسؤول الاميركي يؤخذ على ادارته اهمالها المعارضة السورية والتعامل معها باستخفاف وثقة مفقودة بكفايتها في اطاحة نظام الاسد.
3 ـ يكتفي الحديث عن دعم المعارضة بمدّها بسلاح خفيف، والبعض يتحدث عن سلاح لم يفصح عن طرازه وفاعليته وكمياته ومدى تأثيره في تغيير جديد لموازين القوى العسكرية وسط تساؤلات في اوساط الادارة مقرونة بآراء خبراء سابقين في شؤون الشرق الاوسط لسنوات خلت، تساءلوا بدورهم عن الاهداف المتوخاة من التدخل في سوريا ونتائجه على المصالح الاميركية، وهل يتعين على الادارة ان تصدق انها لا تستبدل نظاما ديكتاتوريا بآخر ديموقراطي، بل بنظام متطرف دينيا.
ويتحدث المسؤول الاميركي نفسه، في الملاحظات التي اوردتها التقارير الديبلوماسية، عن مرحلة بلورة قرار التسليح لا عن قرار التسليح في ذاته الذي يتطلب خريطة طريق في سبل التعاطي معه لم تبت بعد.
4 ـ ليس من قبيل المصادفة مراجعة التحوّل الجوهري الذي اصاب مسار الحرب السورية بين حزيران 2012 وحزيران 2013. عامذاك كانت المعارضة المسلحة تدق ابواب دمشق ايذانا بمعركة اسقاطها والسيطرة عليها وتنجح في الوصول الى قلبها وتنفيذ عمليات عسكرية وامنية مؤلمة وقصفها، والتوغل في ريفها على نحو اقلق الرئيس السوري لاول مرة منذ اندلاع الحرب حيال مصير نظامه. نجحت كذلك في الشهر التالي، تموز، في توجيه ضربة أمنية موجعة الى اربعة ضباط كبار من اركان النظام قضوا في انفجار استهدف مبنى مجلس الامن القومي، وكان هؤلاء يمثلون الى حد العقل الامني للنظام. كان الانشقاق في الجيش في احسن احواله اتسعت معه دائرة العصيان والاستيلاء على المواقع العسكرية وتمكنت المعارضة من الوصول الى حلب ومدت سيطرتها على معظم المحافظات، واخذت تصر على الحسم العسكري. في حزيران 2013 بدا ذلك كله يوشك على الانهيار مع فقدان المعارضة مكاسبها تدريجا. انكفأت صورتها وتصدرتها جبهة النصرة والتيارات السلفية وممارساتها التي اقلقت الغرب متأخرة. لم يعد الحديث عن معارضة مدنية تخلف نظام الاسد، بل عن سبل تخليصها من التيارات السلفية من صفوفها، بالتزامن مع خشيتها من تزويدها سلاحا يذهب الى جبهة النصرة.
على صورة التداعيات العسكرية والامنية تلك خلال سنة، كانت التداعيات السياسية. لم يعد احد، الا عابرا، يطالب برحيل الاسد وتقويض نظامه واخراجه من معادلة النزاع، وبات هو ـ ونظامه ـ في صلب مشاركته في تسوية سياسية يؤمل ان يحققها مؤتمر جنيف – 2. لم تعد ثمة شروط مسبقة في وجهه، رغم الاصرار الاميركي على استثنائه من نتائج التسوية المقبلة. الا انه اضحى احد الجالسين الى طاولة حوار وتفاوض تريد ان تناقشه في سبل تجريده من الحكم.

صحيفة الأخبار اللبنانية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى