حصاد التصعيد التركي ضد سوريا: أنقرة «وحيدة» وداود أوغلو «كارثة»! (محمد نور الدين)

محمد نور الدين

لا يبدو أن رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان قد بلغ أهدافه من وراء التصعيد العسكري ضد سوريا. فصورة الرجل الذاهب إلى الحرب والنافخ في نار التوتير والمورّط تركيا في المستنقع السوري، طغت على ما عداها في الداخل.
ولقد كان استنجاد اردوغان برئيس الأركان الجنرال نجدت أوزيل ليصد عنه الانتقادات المتزايدة واضحا، عندما هدّد اوزيل سوريا برد أعنف إذا استمرت انتهاكاتها. وقال «رددنا (على إطلاق النار السوري). اذا ما استمروا فسنرد بشكل اقوى»، مضيفا ان الردود التركية سببت «خسائر مهمة» في سوريا من دون ان يضيف اي تفاصيل.
ومن الواضح أن اوزيل كان يتحدث باسم اردوغان الذي كان له الفضل في تعيينه رئيسا للأركان قبل سنة، بعدما خرج اوزيل على إجماع القيادة العسكرية ورفض الاستقالة معها فكانت المكافأة تعيينه رئيسا للأركان. وقد حاول اوزيل دعم خطوات اردوغان التصعيدية الأخيرة بعدما بان أنها لم تجد القبول لدى الرأي العام التركي فصبّ اردوغان جام غضبه على المعارضة، التي لا تزال تنجح في التشويش وفي عرقلة خطط اردوغان الذهاب إلى حرب مع سوريا.
لكن لا يمكن أيضا عدم إدراج تصريح اوزيل في سياق توفير دعم اكبر للمعارضة السورية المسلحة، لإحداث تغيير ميداني على امتداد الحدود التركية ـ السورية وخلق مناطق عازلة بحكم الأمر الواقع. وبقدر ما تصعّد أنقرة على الجبهة تعتقد أنها ستصل إلى هذه الأهداف مع استبعاد لانفجار كبير، في ظل تأكيد قادة حلف شمال الأطلسي عدم التدخل العسكري في سوريا.
وإذا كانت ردة فعل حزب الشعب الجمهوري ورئيسه كمال كيليتشدار اوغلو «طبيعية» في انتقاد السياسية التركية تجاه سوريا، فإن ردة فعل الأكراد جاءت مخيبة لأردوغان، الذي مدّ لهم غصن زيتون أثناء المؤتمر الرابع لحزب العدالة والتنمية قبل عشرة أيام، فإذ بهم يتهمونه بأنه يريد احتلال المنطقة الشمالية الكردية في سوريا. وسرعان ما انكشف غصن الزيتون التركي رفضا قاطعا من جانب اردوغان للتعلم باللغة الكردية في المناطق الكردية، وهو أحد المطالب الرئيسية الكردية، فاتهمته النائبة الكردية صباحات تونجلي بأنه يرفض بذلك وجود عشرين مليون كردي في تركيا.
أما صلاح الدين ديميرطاش، رئيس حزب الديموقراطية والسلام الكردي والممثل في البرلمان بـ35 نائبا، فانتقد اردوغان قائلا إن عليه أن يشرح لماذا يريد الحرب مع سوريا وعليه أن يشكل جملة مفيدة واحدة حول ضرورة السلام. وأوضح أن «اردوغان مسكون بهاجس المنطقة الكردية في سوريا، وهو يستعد للحرب منذ سنة». وقال إن المحرضين على الحرب ضد سوريا يتحركون اليوم في تركيا براحة اكبر. وخاطب اردوغان قائلا «لو افترضنا أن تركيا دخلت سوريا فمن ستواجه هناك؟ أليس هناك أقرباؤك؟ وماذا ستفعل أنت هناك؟ هل ستحتل دمشق؟».
وتناوب الكتّاب الأتراك القريبون والمعارضون سياسة اردوغان على انتقاد التصعيد التركي ضد سوريا. فكتب محلل الشؤون الخارجية سامي كوهين في «ميللييت» قائلا إن «تركيا هي البلد الأكثر انشغالا بسوريا منذ بدء مشكلتها. لكن نداءاتها لحل المشكلة لم تلق دعما فعليا من الأمم المتحدة ولا حلف شمال الأطلسي. والاستراتيجية التركية في المنطقة لم تجد بعد ذلك الدعم الكافي من حلفائها، عندما بدأت المشكلات تظهر في وجهها وباتت تتحمل وحدها أعباء الأزمة السورية. حتى في الأحداث الحدودية الأخيرة اكتفى الأطلسي بدعوة سوريا وتركيا معا إلى الاعتدال. ومن الواضح أن الغرب والمجتمع الدولي لا يريدان حربا بين تركيا وسوريا. وانه لواقع أن تركيا تُركت وحيدة. وهذا يعني أن تركيا، وهي تخطط لخطواتها تجاه سوريا لم تحسب جيدا ردود الفعل الدولية. والوقت لم يفت لتعيد تركيا النظر في حساباتها وفقا لما تتطلبه هذه الحقائق».
وتركز انتقاد الكتّاب كذلك على وزير الخارجية احمد داود اوغلو شخصيا الذي كان مثار نقد لاذع من كمال كيليتشدار اوغلو، الذي وصفه بعدم الاتزان وانعدام الذكاء والذي يريد توريط تركيا في سوريا. فتساءل محمد علي بيراند في صحيفة «بوسطه» عما إذا كان داود اوغلو نجما أم كارثة على تركيا، قائلا إن «الرأي العام التركي يشهد نقاشا مثيرا حول وزير الخارجية أحمد داود اوغلو. المعارضة وصحافتها تريان انه وزير الخارجية الأسوأ في تاريخ الجمهورية. لقد خرج علينا بصفر مشكلات، فإذا كل المحيط معاد لنا. وهو الشخص الذي سعى إلى تطبيق نظريات كتابه العمق الاستراتيجي فأغرق تركيا في مستنقع الشرق الأوسط، ليس فقط لدى المعارضة إذ ان أوساطا كثيرة داخل حزب العدالة والتنمية تشعر بالقلق».
وأضاف «كان المديح يُغدق عليه، لكن مع الربيع العربي الذي تحول شتاء أسود هبّت العواصف وبدأت النظرة إلى داود اوغلو تتغير. لقد خسرت تركيا أرمينيا وإسرائيل وإيران والعراق وسوريا. لكن في المحصلة يجب ألا ننسى أن داود اوغلو لم يقم بهذه السياسة الخارجية بمفرده، ومن دون استشارة احد. لقد قادها مع رئيس الحكومة».
ولم تقتصر المخاوف على الشق العسكري والسياسي من التصعيد التركي، بل إن مجرد استمرار الأزمة انعكس خسائر على الصعيد الاقتصادي وأولاها تصفير التجارة التركية مع سوريا.
وقد نشرت صحيفة «راديكال» تقريرا عن ذلك قائلة انه «ليس واضحا ما اذا كانت تركيا ستدخل في حرب مع سوريا، لكن استمرار الأزمة سيضاعف من التأثيرات السلبية على الصادرات التي تشكل الشريان الحيوي للاقتصاد التركي. وبعدما كانت صادرات تركيا الى سوريا عام 2010 تلامس الملياري دولار هي تقارب الآن نقطة الصفر. كذلك فإن إشارات بدأت تعكس اتجاه العراق لاستخدام التجارة الخارجية ورقة في خلافه مع تركيا، وهو ما سيلحق ضررا جديا بصادراتنا. وإذا استمرت الأزمة السورية فيجب عدم التقليل من احتمالات تعرض المسيرة الاقتصادية للتوقف».

صحيفة السفير اللبنانية

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى