حلف الضرورة والخوف جناحان لمصر: الجزائر والسعودية! (صقر أبو فخر)

 

صقر أبو فخر

لا ثمار يمكن قطافها في سوريا في المدى المنظور، فقد فشلت جميع أطراف الحرب، ما عدا إسرائيل، في تحقيق أي أهداف ذات طابع استراتيجي. ومعظم «الانتصارات» التكتيكية، لهذا الطرف أو ذاك، عرضة للتغير المعاكس بين لحظة وأخرى. لم يسقط النظام في سوريا كما تمنى كثيرون، بل عزز موقعه العسكري والسياسي، ووسع رقعة سيطرته، وعادت روسيا من البوابة السورية لتصبح قطباً عالمياً من جديد وتبتلع شبه جزيرة القرم من دون أن تتمكن الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها والحلف الأطلسي من حماية أوكرانيا. وها هو الحلف السعودي ـ التركي ـ الخليجي يتفكك بطريقة عجيبة: تركيا مخلخلة، والسعودية وقطر متطاحنتان، وصراعات في داخل العائلة الحاكمة السعودية، التي عادت إلى تشديد القمع التقليدي في أرجاء نجد والحجاز وتهامة والأحساء.
السعودية هي خائفة من كل صوب: خائفة من الحوثيين عند حدودها الشرقية مع اليمن، ومن الإسماعيليين الذين يتحينون الفرصة لكسر اليد الثقيلة الجاثمة فوق صدورهم منذ نحو قرن، ومن الجماعات الشيعية المسيسة في الأحساء والبحرين والكويت، ومن النفوذ الإيراني المتزايد في العراق، ومن الحياد السياسي العُماني في اشتباكها مع قطر، ومن إمكان قيام تحالف، ولو موقت، بين قطر وإيران، ومن فقدانها منزلة «الأخ الأكبر» في مجلس التعاون لدول الخليج العربي، ومن الانصراف الأميركي الجزئي عن إسباغ الدلال على الحكم السعودي.
مصر بدورها خائفة: خائفة من الارهاب الآتي من سيناء ومن ليبيا، ومن تراجع مكانتها الاستراتيجية في افريقيا، ومن السدود الجديدة على النيل مثل سد النهضة، ومن تحول بعض عتاة الاخوان المسلمين إلى العنف. إنها شبه محاصرة من الغرب بإرهاب الجماعات التكفيرية الليبية، ومن الجنوب بالوضع الخطير في السودان وفي جنوب السودان ودول حوض النيل، ومحاصرة من الشرق بإسرائيل.
[[[
إن صانعي الخطط الاستراتيجية لمصر (الأركان والخارجية والمخابرات بالدرجة الأولى)، أي صانعي القرار القومي، يتجهون اليوم بحسب بعض التسريبات، إلى وضع استراتيجية حديثة مؤسسة على إعادة الاعتبار إلى الثوابت القومية التقليدية التي أطاحها الرئيس أنور السادات منذ زيارته القدس في 19/10/1977، وإلى صوغ قواعد جديدة للسياسة الخارجية تقوم على جناحين: جناح غربي قوامه التحالف مع الجزائر، وجناح شرقي قوامه التحالف مع السعودية وحلفائها في الخليج العربي. وهذا التحالف من شأنه أن يخرج تركيا وإسرائيل، ولو جزئياً، من التأثير الفوري في السياسات الخليجية، ويبعد الخليج عن الحاجة المكشوفة إلى إسرائيل. وفي هذا الميدان، فإن التحالف المصري ـ الجزائري المرتقب سيكون في أولوياته امتلاك قدرة سياسية وأمنية من شأنها خنق الجماعات الارهابية في ليبيا، وتحطيم إمكاناتها في إرسال السلاح والأفراد إلى الجزائر ومصر، بما في ذلك سيناء، وإلى السودان وسوريا أيضاً. وسيكون في إمكان هذا التحالف ان يمنع تحول ليبيا إلى دولة منقسمة يسرح الارهاب فيها ويمرح، وربما يساهم في تأسيس دولة جديدة وملتحمة في هذا البلد الذي مزقه «الحلف الأطلسي».
تحتاج السعودية، في مواجهة إيران، إلى حليف يمنحها وزناً إضافياً، أي وزنا استراتيجيا وليس مجرد وزن مالي إضافي، ويبعد عنها علقم التنسيق مع إسرائيل. فقد كانت الولايات المتحدة، وما زالت على ما يبدو، تريد تأسيس منظومة أمن جديدة في المنطقة العربية تكون إسرائيل وتركيا جزءاً منها، والهدف مواجهة ايران وروسيا، وإنهاء العداء وحال الحرب مع اسرائيل. وتبين لبعض العرب، وفي مقدمهم السعودية، أن التحالف مع «الاخوان المسلمين» لا يأتي إلا بالخسران، فـ«الاخوان المسلمون» في مصر غادروا الحكم ولن يعودوا أبداً، وليس أمامهم إلا التحول إلى قوة معارضة، أو الاتجاه نحو العنف وهو ما يحدث بالفعل. و«الاخوان» في تركيا في أسوأ حالاتهم ويوشكون على مغادرة حلبة السلطة. وهؤلاء اندثروا في ليبيا، وباتوا جماعة بلا حول في سوريا بعدما «أكلتهم» الجماعات السلفية الارهابية. وفي دول الخليج العربي لا مكان لهم، وفي قطاع غزة لا أحد يهتم بهم إلا من المنظار الأمني. واكتشف السعوديون، متأخرين، أن التنسيق مع إسرائيل لمواجهة ايران (بندر بن سلطان وتصريحات سعود الفيصل والوليد بن طلال) مغامرة شديدة الخطر، وأن مصر هي الوحيدة التي يمكنها أن تؤدي دور السند الاستراتيجي لدول الخليج العربي.
[[[
إن عودة مصر إلى التحالف مع دول الخليج العربي تعني، في العمق، خروج إسرائيل وتركيا، ولو جزئياً، من تأثيراتها الفورية التي شهدنا بعض تجلياتها الكارثية في سوريا. ومن المتوقع أن تدعو السعودية مصر إلى الانضمام إلى مجلس التعاون لدول الخليج العربي. وربما ينحسر الاشتباك السعودي ـ الإيراني الذي يتخذ شكل صراع سني ـ شيعي في العراق ولبنان وباكستان والبحرين. فاستراتيجية مصر الجديدة في مواجهة المشروع النووي الإيراني، على سبيل المثال، تقوم على قاعدة نزع السلاح النووي من الجميع في الشرق الأوسط، أي من إسرائيل أولاً. وهذه نقطة تصادم مع إسرائيل، ونقطة لا ترفضها إيران في الجوهر.
أما مطالبة السعودية دولة قطر بتغيير سياستها الخارجية فوراً بموجب حقوق «الأخ الأكبر»، علاوة على إغلاق «قناة الجزيرة» و«معهد بروكينغز» و«أكاديمية التغيير» وغيرها، فهي كيدية وغير ممكنة واقعياً. فالسياسات الخارجية لا يمكن تغييرها بانعطافة فورية، لأنها تعكس المصالح العليا للبلد بحسب رؤية المؤسسة الحاكمة، وهي مثل القطار ذي العربات المتصلة، وأي انعطافة فورية او مفاجئة تقلب القطار. فالتغيير يحتاج إلى فترة طويلة نسبياً (في المدى المتوسط وليس في المدى القصير)، ويكون في العادة متدرجاً. وفي هذا السياق، فإن التحالف العتيد بين مصر والمملكة السعودية وحلفائها في الخليج العربي سيفرض على قطر إما أن تعدل سياستها الخارجية بتمهل نحو الانسجام مع سياسات «الأخ الأكبر» أو تتجه إلى التحالف المدروس مع إيران. وفي هذا الخيار الأخير مصاعب جمة.
إن منابع الإرهاب تتركز اليوم في ليبيا واليمن وباكستان وأفغانستان وبعض دول الصحراء الافريقية مثل مالي، ومصادره موجودة في السعودية وتركيا وإسرائيل. أما ممراته فقائمة في السودان والأردن ولبنان وتركيا. والولايات المتحدة الأميركية لن تتحفظ عن هذا الحلف الجديد في حال قيامه، لأن مكافحة الارهاب باتت من أولويات السياسة الخارجية لأميركا وأوروبا معاً. وهذه الخيوط المتشابكة وشديدة التعقيد سيكون لها، على الراجح، أثر إيجابي في فلسطين وفي سوريا في ما لو تم الشروع في حلحلة هذه الخيوط بعضها عن بعض.
لكن هل يصنع الخوفان المصري والسعودي اطمئناناً حقيقياً؟ وهل يؤدي الخوف إلى تأسيس حلف متين أم إلى تحالف موقت؟ لنتذكر أن الخوف السعودي الراهن هو وليد السياسة السعودية نفسها، والأجدى أن تتغير هذه السياسة في العمق حتى يصبح في الإمكان حقاً قيام حلف مصري ـ سعودي، فالخوف وحده لا يأتي إلا بالكوارث.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى