دمشق مرتاحة لـ «فيينا 2» .. لكنه «لا يخلو من تعقيدات»

على عكس ما كانت الحال عليه في جنيف 1 و2، بدت السلطات السورية مرتاحة لما خلصت إليه اجتماعات فيينا، والتي اختتمت أمس الأول بالاتفاق على آلية عمل لتطبيق تسوية سياسية على المدى الطويل، تبدأ بحكومة «وطنية» وتنتهي بعد عامين تقريباً بانتخابات عامة.

وتعاطت وسائل الإعلام الرسمية السورية ايجابياً مع الأنباء التي تتحدث عن اتفاق، لا سيما أن روسيا وإيران حاضرتان بالنيابة عن الجانب السوري، ونجحتا في استبعاد النقاط التي تثير حساسية السوريين، والمرتبطة بمصير الرئيس السوري بشار الأسد، وموضوع المرحلة الانتقالية التي تتولى قيادتها هيئة كاملة الصلاحيات.

ويقدم بيان فيينا الأخير تصوراً لقطار زمن يبدأ بالحوار بداية العام المقبل، مروراً بحكومة بعد ستة أشهر وصولاً لانتخابات بعد 18 شهراً بما يجمع عامين من جهود العمل السياسي، والتي بدورها تتضمن تفاصيل معقدة كثيرة.

ومن بين أهم تلك التفاصيل، تلك التي لم تغب عن كل محاولات التسوية السياسية في سوريا، منذ أربعة أعوام، تلك المتمثلة بإمكانية جمع المعارضات المختلفة الخلفيات، والولاءات، في كيان واحد يقتسم مقاعد التسوية.

واستفادت دمشق كما بات واضحاً، من هذه النقطة، التي ستبقى حجة قوية لدفع المسؤولية نحو الأطراف الأخرى. وكانت آخر مرة أعربت فيها سوريا عن استعدادها لـ «المضي قدما والتعاون» مع جهود التسوية، خلال زيارة المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا إلى دمشق مؤخراً، حيث جدد المسؤولون السوريون «إعلان جاهزيتهم» اتجاه جهود التسوية التي يبذلها، ولا سيما عمل اللجان الخاصة بمهمته، والتي بدورها رفضت بعض فصائل المعارضة التعاطي معها، كما فشلت في التوحد حولها.

ووفقاً لمسؤولين سوريين ما زال الموقف السوري قبل فيينا كما هو بعده متمثلاً بالرغبة بالتعاون، من دون أن يكون ثمة آمال كبيرة معقودة على نجاح الطرف الآخر في تحقيق عوامل النجاح.

ويعرف السوريون جيداً مدى صعوبة قبول قوى «الائتلاف الوطني» المعارض بوجود طرف ثان وثالث يشاركه «التاج» الذي حصل عليه قبل ثلاث سنوات من الغرب، باعتباره «ممثلاً وحيداً» للمعارضة السورية. كما يدركون جيداً صعوبة الأمر المتمثل برضوخه لما يتجاوز قدرته، ولا سيما نتيجة حاجته للارتباط «شرعياً» بالفصائل المسلحة ذات الخلفية الإسلامية في سوريا، الأمر الذي يهدد كيانه ككل.

وبالطبع تلقّى «الائتلاف» ضربة قاسية أمس الأول، بنفي كل قيمة عملية لـ«الحكومة المؤقتة» التي شكلها منذ أعوام، برعاية قطرية ـ تركية، ولم يفلح أعضاؤها حتى في الدخول إلى سوريا. كما يفرض عليه التوافق الدولي الأخير أن يساهم في الجهود لتوحيد المعارضة السورية، بحيث تتمكن في بداية العام المقبل من خوض مفاوضات مع النظام لتشكيل حكومة وحدة وطنية، تسمح بتغييرات دستورية.

ولا رهان على توفر مرونة من هذا النوع لدى «الائتلاف»، المهدد بالتفكك في حال أقدم على تنازلات لا بد منها للخوض في جهود التسوية.

كما شكلت فيينا، بما يريح دمشق، تقدماً في تقليل قدرة كل من تركيا والسعودية وقطر على إدارة دفة الأزمة السورية، وهو أمر ربطه البعض في دمشق، باعتداء باريس الذي لم يترك مجالاً للجدل حول إلى «أي جانب تميل في الحرب».

ودفع الهجوم بعنصر «مكافحة الإرهاب باعتباره أولوية» كما ترغب دمشق، وإن لم يكن ذلك صريحاً. ويعتقد مسؤولون أنه ربما يساهم في تقدم العنصر الميداني أيضاً، ولا سيما أن الجيش السوري لا يزال عنصر الارتكاز الرئيسي في المواجهة العسكرية في المنطقة مع تنظيم «داعش» إلى جانب الأكراد والجيش العراقي.

وتصادف مع جريمة باريس الجمعة، وجود وفد برلماني فرنسي في دمشق، اجتمع الصباح التالي للهجوم مع الرئيس السوري بشار الأسد، الأمر الذي سمح للرئيس السوري «بتوجيه رسائل لفرنسا وقيادتها» علناً و «للغرب والعالم» ضمناً، حول من «يتحمل فعلياً (من وجهة نظر دمشق) مسؤولية الهجوم. وخاطب الأسد، في وقفة صحافية لاحقاً مع القناة الأولى الفرنسية، في قصره، نظيره الفرنسي فرانسوا هولاند، داعياً إياه لاتخاذ سياسات «لمصلحة الشعب الفرنسي».

وربط الأسد، كما هو الموقف السوري منذ أعوام، بين أي تعاون لمكافحة الإرهاب، والعلاقات السياسية بين سوريا وفرنسا. واعتبر أن الحكومة الفرنسية «غير جادة في موضوع مكافحة الإرهاب». وقال، أمام مجموعة من البرلمانيين والمثقفين والإعلاميين الفرنسيين برئاسة عضو الجمعية الوطنية الفرنسية النائب تييري مارياني، إن الاعتداءات الإرهابية التي استهدفت باريس الجمعة لا يمكن فصلها عما وقع في بيروت مؤخراً وما يحدث في سوريا منذ خمس سنوات وفي مناطق أخرى، موضحاً أن «الإرهاب هو ساحة واحدة في العالم، وأن التنظيمات الإرهابية لا تعترف بحدود».

وأضاف الأسد «كنا قد حذرنا قبل ثلاث سنوات مما سيحدث في أوروبا، وقلنا لا تعبثوا بهذا الفالق الزلزالي في سوريا، لأن تداعيات ذلك ستتردد في جميع أنحاء العالم، وللأسف لم يهتم المسؤولون الأوروبيون بما كنا نقوله، بل زعموا بأننا نهدد، كما أنهم لم يتعلموا مما حدث مطلع هذا العام في حادثة شارلي إيبدو».

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى