دور السعودية بعد تراجع أميركا (سمير كرم)

 


سمير كرم

السعودية هي أميركا الوطن العربي من وجوه كثيرة. والسعودية، حتى وهي في اوج المخاطر والتحديات الداخلية والخارجية، تعتقد انها تلعب الآن الدور الذي كانت تلعبه حتى وقت قريب الولايات المتحدة في منطقة الشرق الاوسط.
ربما يكون هذا هو السبب او الدافع للسعودية للتقرب والاقتراب من اسرائيل. إما معتبرة ان اسرائيل تقوم بدور بديل لدور أميركا، وهي في لحظة يمكن وصفها بأنها لحظة انسحاب من الشرق الاوسط، وإما لأن السعودية تبدو مقتنعة بأنها تملك الاموال اللازمة لتغطية المنطقة كبديل لأميركا، وإما لأن السعودية تبحث لنفسها عن دور وتجد في الانسحاب التدريجي الاميركي من الشرق الاوسط فرصة لتحل محل أميركا في هذا الوقت. والاقتراب السعودي من اسرائيل يستخدم ايضا لكسب تأييد اميركا للسعودية لكي تلعب الدور الاميركي.
الظروف والاحوال السائدة في الشرق الاوسط في الوقت الحاضر تبدو مناسبة للسعودية للعب هذا الدور. ونعني بهذه «الظروف والاحوال» التي تسيطر الآن على مصر في ظل محاولة الاخوان تحدي الجيش المصري في السيطرة على الحكم. وهي محاولة تجد طريقها الفعلي الى الفشل والتراجع، حتى في ما يحصل عليه «الاخوان» من دعم خارجي مالي وفي صورة أسلحة ومتفجرات. الامر الذي يقترب بـ«الاخوان» كل يوم من هزيمة نهائية. لقد كشف الشعب المصري ان «الاخوان» لا يملكون استقلالا سياسياً. انهم ليسوا اصحاب قرارهم. وهذا كاف لتلحق بهم الهزيمة في مواجهة الجيش المصري الذي يعبر بمواقفه ضدهم عن تبعية قراره للارادة الشعبية المصرية. وأما «الاخوان» فإن محاولتهم الضعيفة للبرهنة على ان لهم دوراً في مصر، تتفتت ازاء تعدد الجهات الاخوانية التي ترابط كلها خارج الوطن العربي، في أميركا وفي تركيا وباكستان وأفغانستان، وفي عدد كبير من البلدان الاوروبية. وهذا فضلا عن دور «الاخوان» الهابط دائما نحو الفشل في بلدان كانت جمهوريات سوفياتية.
وهناك ايضاً الاحوال التي تسيطر على سوريا، حيث بلغ الصراع بين انصار اميركا المتطرفين الدينيين والشعب السوري ذروة بدأت تبدو خلالها بوادر التراجع للتطرف.
ومن المؤكد ان هذين النموذجين من المواجهة يكفيان لتوقع سليم بأن تنهزم المحاولات الاخرى في العراق وتونس وليبيا، بل وفي اي جزء من الوطن العربي مهما كان قدر الرسوخ او الاضطراب الذي يسود فيه. ويبدو ان السعودية تريد ان تظهر اقتناعاً بأن بإمكانها ان تؤدي الدور الاميركي في منطقة الشرق الاوسط. وهذا هو السبب الحقيقي للاختلاف والخلاف اللذين بديا بين السعودية وأميركا في الاشهر الاخيرة. من ناحية أميركا فإنها تبدي عدم اقتناع بأن تتولى السعودية دورها في المنطقة. ولكنها لا تكف للحظة واحدة عن إظهار الاختلاف بينها وبين السعودية. وقد حاول وزير الخارجية كيري اثناء وجوده في الرياض توجيه الشكر للملك السعودي لدعمه جهود السلام، وهذا هو السبب الرئيسي والاول الذي حاول حكام السعودية استغلاله في محاولة القيام بدورهم الجديد، والذي بدا في عدد من الخلافات مع الحكام الاميركيين بشأن احداث مصر وأحداث سوريا بوجه خاص. والملاحظ هنا ان أميركا لم تستطع ان تحسم امرها بشأن تطورات مصر وسوريا. فإن أميركا تبدو في حالة تراجع، لكنها تريد ان تنفي عن نفسها هذا الواقع، وهذا بحد ذاته انعكاس للفشل الاميركي في تحقيق انسحاب اميركي إستراتيجي وسياسي واقتصادي من الشرق الاوسط نحو شرق آسيا من دون أن تفقد كل ما لها من نفوذ في هذه النواحي. وتبدي السعودية اهتماماً غير خفي بأن تقيم علاقات غير رسمية مع اسرائيل، باعتبار ان اسرائيل تمثل اميركا في المنطقة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً. لهذا تبدو السعودية في حالة ارتباك واضحة لا تخفي محاولتها التآزر مع اسرائيل ومحاولتها في الوقت نفسه التقارب مع مصر وإخضاع هذه الاخيرة للمسار السعودي اعتماداً على حالة السلام القائمة بين مصر واسرائيل. وفضلا عن ذلك فإن اسرائيل ـ التي تزهو بديموقراطيتها ـ لم تسمع فيها كلمة بشأن السلوك السعودي الملائم تجاه اسرائيل. وربما يعزى هذا الى حقيقة ان الاسرائيليين ـ رسميين وغير رسميين ـ يريدون ان يظهروا سعادتهم بهذا التحرك السعودي نحو وئام مع اسرائيل عن طريق التزام صمت تام إزاءه.
إن المراقبين السياسيين الاميركيين الذين تابعوا التحرك السعودي صوب اسرائيل اعتقدوا ان هناك ما يشبه هذا التحرك في التقارب الذي ابدت اميركا اهتماماً جماً بأن يقوم بينها وبين ايران. لقد اعتقد المراقبون ان هناك اوجه شبه بين التقارب السعودي – الاسرائيلي والتقارب الاميركي – الايراني، وإن هذين النمطين من التقارب يمكن ان يؤديا الى نوع ثالث من التقارب بين ايران واسرائيل. وأغلب الظن ان هذا لا يعدو ان يكون ضرباً من الاماني. وقد أظهرت مواقف ايران في الفترة الاخيرة ان فكرة التقرب من اسرائيل ليست واردة بخاطر ايران في عهد رئيسها الجديد وحكومتها الجديدة. ظن المراقبون ان التغيير الرئاسي والحكومي في ايران يمكن ان يتيح مثل هذا التغيير السياسي المتطرف. ولكن الشواهد كلها تدل على ان ايران التي ابدت اهتماما بالتفاوض مع الولايات المتحدة بشأن الرغبة الايرانية في إتمام مشروعها النووي السلمي واستطاعت في زمن قصير ان تترك انطباعاً إيجابياً لدى واشنطن عن مشروع ايران النووي، قد نجحت في إقناع الولايات المتحدة بان تفصل بين الرغبة الاميركية في ان لا تتحول ايران الى دولة نووية بالمعنى العسكري، وبين موقف ايران المبدئي والحاسم تجاه اسرائيل. ان هذا الفصل هو الذي حقق ما امكن تحقيقه حتى الآن من نجاح في مؤتمر جنيف. ولو ان اسرائيل استطاعت ان تؤثر على الموقف الاميركي والاوروبي في هذا المؤتمر لما توصل المؤتمر الى النتيجة الايجابية التي انتهى اليها.
والامر المؤكد ان السعودية كانت تتمنى ان تفشل ايران في إحداث هذا التاثير في المؤتمر المذكور. يضاف الى هذا أن إيران بمجرد ان انتهى هذا المؤتمر سارعت الى التأكيد بأن موقفها سيبقى على ما هو عليه في المؤتمر القادم الذي سيضم المشاركين انفسهم. ولا شك ان المحاولات الايرانية للتواصل مع السعودية في الاسابيع الاخيرة انما ترمي الى تأكيد مواقف ايران المبدئية بشأن القوة النووية وبشأن اسرائيل ايضا. وقد تفسر السعودية هذا الامر بأنه محاولة من جانب ايران لثني السعودية عن التقارب مع اسرائيل. الامر الذي لن يضر بإيران من اي جانب، انما الارجح انه سيفيدها عربياً وإقليمياً وإسلامياً. أما كيف سيكون موقف السعودية عندئذ فهذا ما لا يمكن حسابه داخل اعتبارات العلاقات الايرانية -السعودية. فهنا تلعب أميركا دوراً بارزاً ولا يتوقع احد ان يغيب هذا الدور حتى، حينما تتم خطة أميركا لنقل اهتمامها ونفوذها من الشرق الاوسط الى وسط آسيا.
إن الدور البارز الذي يلعبه الامير بندر بن سلطان ينبئ باستمرار اهتمامه بالتقارب الخفي بين السعودية وإسرائيل. وهذا يعني ان السعودية عازمة على القيام بدور كبير في تأزيم المنطقة. يزيد من اهتمام السعودية بهذا الدور انها ترى من وجهة نظرها الخاصة ان احداث مصر وسوريا بوجه خاص، انما تميل الى إضعاف مركزي مصر وسوريا في المنطقة. وهو امر تحبذه السعودية الى أقصى حد.
الأمر الذي يمكن توقعه من السعودية من الآن هو ان تلعب دوراً بارزاً وبالتالي خطيراً في المنطقة المحيطة بسوريا، وبالأخص في لبنان، في محاولة الإضرار بـ«حزب الله»، باعتبار الدور البارز الذي لعبه في الاشهر الاخيرة في سوريا والذي جعل الانتصار اقرب الى قوات السلطة.
لقد تراجع دور اميركا وسيتراجع اكثر، لكن السعودية غير مرشحة لدور بديل.


صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى