دولة المؤسسات أم دولة الإمتيازات (نضال سعد الدين قوشحة)

نضال سعد الدين قوشحة 

 

المشكلة الأكبر التي يعاني منها المواطن على إمتداد مساحة الوطن العربي هي علاقته بحاكمه  ،  هذه العلاقة تعاني الكثير من الغموض والتعالي  والتاريخ يبثت ذلك جليا ، هذه العلاقة تصل لمراحل تختلط فيها الأمور لتصل لمفاهيم تتعلق بالعبودية ، بحيث تتبدل حتى تصير بين مالك وعبد . في ضوء تاريخنا العربي المعاصر نرى بوضوح أن الثقة معدومة بين المواطن وبين السلطة الحاكمة مهما كان لونها أو شكلها، ملكية، جمهورية، أميرية أو غير ذلك . الحاكم في الوطن العربي ، لم يعتد أبدا على فهم أن المعادلة مبنية أساسا على كونه موظفا لدى هؤلاء لكي يقوم على خدمتهم ورعاية مصالهم الفردية والوطنية . وأن هذا الشعب هو الذي يفترض أنه جاء به إلى هذا المكان بموجب إنتخابات هذا طبعا في الشكل الجمهوري للحكم ، وعليه بالتالي أن يكون على قدر المسؤولية ويتم العمل الذي طلب منه على أتم قدر وبما يحقق الأهداف التي وعدهم بتحقيقها أثناء مرحلة الإنتخابات. وربما أن الأهم من هذا وذاك ، أن كلا الطرفين ، الحاكم والمحكوم ، عليه أن يعي تماما أن عملية الرقابة على أعمال الحاكم متاحة ، بل ضرورية . وكل نظريات علم الإدارة الحديثة تقر بهذا الأمر وتدرسه في كل جامعاتها تحت مسمى الرقابة على أعمال الإدارة. ولكن للأسف نعود لنتعرف على حقيقة الأمر ، أن الحكام أيا كان شكل حكمهم  في الوطن العربي يضعون أنفسهم في بروج عصية عن المحاسبة ، ويكونون لأنفسهم قداسات تضعهم في أمكنة ينازعون بها قداسة الأنبياء, ويحيطون أنفسهم بالكثير من العوائق القانونية التي تحول دون ذلك، من أهمها أجهزة أمنية متغولة ، تكون الذراع غير القانوني له في حكمه، وبعضهم يحاول ما فوق هذا وذلك بالتعدي على قدسية الله عز وجل .
نظرية العقد الإجتماعي التي تحدث بها جان جاك روسو ، دمرت تماما تحت رغبة هؤلاء الحكام في السيطرة والتسلط. لذلك فإن الثقة بين الحاكم والمحكوم في الوطن العربي تقترب من الصفر، فالمواطن لا يعدو كونه رقما أو مشروعا ما بنظر السلطة ، والسلطة بنظر المحكوم هي  تكية لجمع الإمتيازات القانونية وغير القانونية، ويحاول جزء كبير من الناس نهبها بداعي أنها تقوم على سرقة جهود الأفراد وحقوقهم، وإن ما يفعله هو إسترداد لحقه.
إن نظرة متفحصة لحال الدول المتقدمة ، سيضع بالتأكيد عنوانا واضحا لبناء دولة صحيحة تقوم فيها المؤسسات لا الأشخاص بلعب الدور الأساس في النهوض بمهام الدولة. فلا يمكن لشخص مهما علا شأنه وأمتلك من مدارك العلم والموهبة أن يقوم بأعباء دولة، مهما صغر حجمها، خاصة في ظل الثورة العلمية الحديثة وإنفتاح الفضاء الكوني على الدول ، وتشعب دور عمل الدولة ودخوله في تفاصيل بالغة الدقة،  ووجود حالة من الهيمنة الاستعمارية والمعلوماتية على الدول في العالم.
إن الدولة الحقيقية تقوم على أطر التعاون بين الفرد كفرد والدولة كتجمع كبير لمنظومة مؤسسات، تمكن الفرد من ممارسة دوره في بناء دولته. وعندما تختزل هذه الدولة بشخص، تكون الكارثة، لأن مفهوم دولة المؤسسات سينهار، وتحل محله دولة الامتيازات، لأن هذا الحاكم ( الشخص ) سيضع ثقته في شخصيات يعينها دون وجود حالة مؤسساتية ، وهذه الطريقة في الحكم ستوصل لسدة صنع القرار بالضرورة أناسا غير أكفاء فيما يقومون به من عمل. وسوف تكثر الأخطاء وتكبر، وتخلق جوا ضاغطا من الرفض، الذي سيتحول مع مرور الأيام لحالة من الحقد، الذي سينتظر شرارة ما، ليغضب في ثورة عارمة تطيح بالجميع، فيخسر الحاكمون مرة  السلطة التي بين أيديهم ويخسر المحكومون مرتين، قمعهم على مدار سنوات أولا ، وثانيا فوضى و اضطراب سيمتد سنوات ريثما تهدأ الأمور مجددا .
علاقة الحاكم بالمحكوم في الوطن العربي في كل الحالات ليست شاذة عن مثيلاتها في العديد من بقع العالم التي عانت مثل ما عانى المواطن العربي . شهوة التسلط التي تعاني منها بعض النفوس البشرية على اختلاف ألوانها وأعراقها. ولكن على ما يبدو أن الكثير من أمم الأرض قد أوجدت الحلول المناسبة لهذا الأزمة الكبيرة بين السلطة و المواطن، بينما ما زال الوطن العربي يعاني من وجود هذه الأزمة التي عرقلت نموه لفترة طويلة من الزمن وما تزال تقوده إلى دركات سحيقة في عالم الجهل والتخلف والبعد عن صناعة دولة متقدمة عصرية تحقق لمواطنيها مفاهيم الدولة الحديثة . وهذا ما سوف يعيق عجلة النمو الإنساني التي يفترض أن كل دول العالم تسعى إليها ومنها دول العالم العربي ، التي لم تستطع للأسف ومع وجود الوفرة المالية الطاغية تحقيق نموذج الدولة العصرية الحقيقية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى