رجل ايران الأميركي في العراق (فاروق يوسف)

 

فاروق يوسف

ألا يزال العراق بلداً محتلاً؟ هناك من يقول إن الاجابة على سؤال من هذا النوع تعتمد على المعنى الذي يعتمده المرء لمفهوم الاحتلال.
ولأن كثيراً من المفاهيم التي كانت إلى وقت قريب ثابتة وراسخة قد تعرضت للازاحة عن معانيها الصلبة، فقد صار علينا أن نتوقع أن تُسمى الأشياء بغير مسمياتها، وهو ما حدث منذ اليوم الأول الذي احتلت فيه القوات الاميركية عاصمة الرشيد.
كان هناك من يتحدث عن تحرير العراق، بل أن بعضاً من سياسيي الاحتلال قد دعوا إلى اعتبار اليوم الاسود الذي سقطت فيه بغداد في أيدي الغزاة يوماً وطنياً وعطلة رسمية.
ولأن العراق الجديد هو بلد ديمقراطي فقد صار على المرء أن ينصت إلى افكار خيانية من هذا النوع ويصمت، بل عليه أن يعتبرها مجرد وجهات نظر.
فهل يُعقل أن هناك سياسيين ومثقفين عراقيين لم ينطقوا ولا مرة واحدة بكلمة احتلال، في حين أن الادارة الاميركية نفسها ذهبت إلى مجلس الامن ليصدر قراره الذي كان ينص على أن العراق هو بلد محتل من قبل الولايات المتحدة ومَن تحالف معها؟
نعم حدث ذلك بقوة انكار لا ترى ولا تسمع ولا تتخيل ولا يهمها أن تكون موضع سخرية من قبل العقلاء.
منذ ثماني سنوات والعراقيون لديهم حكومة منتخبة. اما كيف اُقرت نزاهة الانتخابات التي انتجت تلك الحكومة في ظل الاحتلال فذلك سؤال لا يحب عراقيو تمرير الواقع الانصات إليه.
قالوا إن هناك أصابع بنفسجية هي التي سلمت المالكي وحزب الدعوة السلطة وعلينا أن نصدق تلك المسرحية التي روج لها الاعلام الغربي كثيراً.
كان جنود قوات التحالف ومعهم المرتزقة من مقاولي الشركات الأمنية يقتلون العراقيين علناً في الشوارع في ظل وجود حكومة منتخبة. وحين نشبت الحرب الاهلية لم يحرك اولئك الجنود ساكنا، بل اختفوا فجأة ليتركوا لفرق الموت القادمة من ايران ولاتباعها من الطائفيين من العراقيين ولتنظيم القاعدة الذي جلب إلى العراق حرية الفتك بالعراقيين.
يومها صمت العالم. لم يقل مجلس الأمن كلمة واحدة للولايات المتحدة يحملها جزءا من مسؤولية ما كان العراق يشهده، وبما ينص عليه القانون الدولي كون قواتها كانت لا تزال تحتل العراق رسميا وعليها تقع مسؤولية حماية آمن وسلامة سكانه وثرواته وقوانين دولته.
لقد مرت فصول الحرب الاهلية لتنتج مجتمعا ممزقا طائفيا.
وهو بالضبط مضمون المجتمع الذي رسم الاحتلال شكله منذ يومه الأول.
حين أعلن الرئيس الأميركي اوباما عن سحب القوات الاميركية فلم يكن ذلك الحدث إلا استعراضاً شكلياً. لقد ذابت قوات الاحتلال في العراق وتم توزيعها على قواعد تقع خارج المدن العراقية. كان القصد من مسألة انهاء الاحتلال أن تقيم قواته خارج المدن العراقية وأن لا تُرى في الاوقات العادية. وهنا لا يعني مفهوم (الاوقات العادية) أن القتل لن يكون متاحاً، بل المقصود هو العكس تماماً، فكلما زاد القتل في العراق كلما بدا الواقع طبيعياً.
لقد سمعت أحد السياسيين المقربين من المالكي وهو يقول "إن العراق الآن هو الأكثر استقراراً مقارنة بالدول المحيطة به" ولم تكن تلك الجملة زلة لسان فالرجل استدرك وقال "سقوط عشرات القتلى يوميا لن يؤثر على ذلك الاستقرار".
بعد ذلك اوضح الرجل مفهومه وقال "المهم ان تستمر العملية السياسية" وهو ما يعني استمرارهم في الحكم الذي هو فرصة تاريخية لنهب ثروات البلد ولقتل أكبر عدد ممكن من سكانه في محاولة للتعجيل في ظهور المهدي المنتظر.
الولايات المتحدة هي الأخرى تنتظر ظهور الامام الغائب في العراق، بالرغم من أن بعض الفقهاء قد ذكروا انه حين يظهر لن يمر بأرض السواد. فذلك الأمر من شأنه أن ينسي العراقيين مسألة العلاقة اللتبسة بين العراق والولايات المتحدة. بشكل محدد يمكننا القول إنه يضع التفكير بالاحتلال كونه الداء العضال الذي يعاني منه العراق على الرف.
اما حين تستدعي الادارة الاميركية المالكي، وهو الرجل الذي ستنتهي ولايته الثانية بفشل غير مسبوق عالميا، فانها قد لا تفكر إلا في الثناء على عبقريته الاستثنائية التي استطاع من خلالها أن يعطل عملية نهوض العراق، من غير أن تكون هناك اشارة ولو هامسة إلى أن العراق لا يزال محتلاً وأن مصيره لا يزال مرتبطاً بالمخطط الذي وضع المحتل رسومه الأولية.
سيكون على الولايات المتحدة أن تشكر المالكي قبل أن تأمره بالتخلي عن أحلامه في ولاية ثالثة.

ميدل ايست أونلاين

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى