رسالة من مواطن سوري إلى شعبه العزيز (د. إياد العرفي)

د. إياد العرفي

أذكر أن العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني كان يبدأ كل خطاب له موجه إلى الشعب المغربي بعبارة "شعبي العزيز"، وكنت من أشد المعجبين بهذا الرجل كخطيب مفوه، ومعجب بهذه العبارة التي كانت جزء لا يتجزأ من خطاباته.
اليوم أستذكر هذه العبارة، وأنا المواطن السوري العادي، الذي يود أن يتوجه إلى شعبه السوري العظيم برسالة “مواطن عادي” وليس “ملك” … رسالة “مواطن حزين” إلى "شعبه الحبيب" وليس "العزيز"  فقط.
الشعب، أحبائي السوريين، هو الوطن، والوطن هو الشعب … والشعب هو الإنسان … الوطن هو الإنسان … لا الحجر ولا الشجر. الإنسان الذي وصفه خالقه بأنه "كان أكثر شيء جدلا"، لذا لا أشك للحظة واحدة أن مهمة إيصال هذه الرسالة لن تكون سهلة …  كوننا أكثر شيء "جدلا" خلقه الله سبحانه وتعالى … وكون الإنسان السوري يعيش هذه الأيام أصعب أيام حياته. لكن الألم الذي يعتصر قلبي … الحزن الذي يملأ حياتي … وحالة اليأس التي بدأت تتغلغل إلى عقلي وروحي، تدفعني إلى توجيه هذه الرسالة إلى "شعبي الحبيب" … صرخة استغاثة … نداء إلى إخوتي في وطني … رجاء، لا بل توسل، إلى كل إنسان سوري مهما كان دينه أو طائفته أو انتماءه السياسي … دعوة إلى النظام ومناصريه وإلى الشعب المعارض الثائر، إلى كل إنسان ينتمي إلى وطني سورية : كفانا قتلا فما نفعله ببعضنا لم نفعله حتى بعدونا.
لن أتكلم في السياسة فالموضوع بالنسبة لي لم يعد سياسيا… السياسة، "شعبي الحبيب"، تخرب ولا تعمر … أنا كفرت بالسياسة بعد أن عرفت دهاليزها و"بلاويها" … السياسة لا تعرف الأخلاق، ولا تعترف بالإنسان ولا الإنسانية … السياسة لا تعترف إلا بالمصالح، فلا تمشوا وراءها ولا وراء رجالاتها… وطننا وصل إلى مرحلة الخطر القاتل ولن تنقذه السياسة … لن ينقذه إلا الإنسان المؤمن بهذا الوطن وبأخيه في المواطنة … لن تنقذه إلا الحكمة والمحبة … وأفكار رجال عظماء من أمثال غاندي ومانديلا ولوثر كينغ، علينا أن نستذكرها ونعمل بها.
رسالتي، "شعبي الحبيب"، موجهة إلى الجميع … إلى الطيار الذي يقصف إخوته … وإلى بعض الثوار الذين فقدوا البوصلة الوطنية والإنسانية … إلى النظام وإلى المعارضة … رسالتي بسيطة: لا أحد يستطيع أن "يحرق البلد"، ولا أحد يستطيع إقصاء الآخر ويرسله في "توابيت" لا أدري إلى أين.
 النظام قوي بآلته العسكرية، والثوار أقوياء بدعم الشعب لهم … الطرفين قويين نظريا، لكنهما في الوقت نفسه ضعيفين عمليا، لا يمكن لمرء أن يكون قويا، مهما امتلك من أسباب القوة إن افتقر إلى العقل والحكمة، وللأسف ما أراه أن الحكمة غائبة عن الطرفين.
لشعبي العزيز في الطرف الثائر أذكرهم بقول المناضل العظيم غاندي وأدعوهم للاقتداء به: "إن تطبيق مبدأ العين بالعين يؤدي إلى عالم أعمى".
ولشعبي العزيز في الطرف الطرف الآخر اذكرهم بقول صانع السلام الكبير نيلسون مانديلا وأدعوهم للاقتداء به "إذا كنت تريد أن تصنع سلاما مع عدوك فعليك العمل معه، حينها سيصبح شريكك".
سورية تحتضر يا "شعبي العزيز" ولن ينقذها إلا أنتم، فهل تكونوا على قدر المسؤولية؟ هل ستتوقف طائرتكم عن قتل إخوتكم؟ هل ستعيدون الدبابات وراجمات الصواريخ إلى المكان الذي يفترض أن تكون به؟ هل ستلقون بالسلاح وتلعنون الساعة التي حملتموه فيها؟… هل ستقبلون بالحوار مع إخوتكم السوريين؟ أسئلة مطروحة على طرفي الصراع، والإجابة عليهما ستحدد مستقبل سورية … فهل من مجيب ؟
"إذا غاب السلام عنا، فالسبب يعود إلى أننا نسينا أننا ننتمي إلى بعضنا" … خذ أيها الإنسان السوري هذه الحكمة من الأم تيريزا … واعمل بها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى