رمضان سوريا والمنطقة «كريم».. بالنار والمفاجآت!

هل بدأت ترتسم «الخنادق الحمراء» في الميدان السوري أم أن الأسابيع المقبلة ستشهد المزيد من الاحتدام؟

معظم التقديرات تشي بأن شهر رمضان سيكون شهراً مشهوداً في ميادين المنطقة، وخصوصا في سوريا. غرف العمليات لا تهدأ على مدار الساعة، في كل من دمشق و «الموك» (الأردن) وغازي عينتاب (تركيا) وبغداد وطهران والرياض، كما في ضاحية بيروت الجنوبية.

صحيح أن جبهات كثيرة مشتعلة من حدود لبنان الشرقية إلى اليمن مروراً بالعراق، لكن ما يجري على أرض سوريا ستكون له تداعيات مستقبلية على مجمل خريطة الشرق الأوسط، ولذلك، تتخذ المعركة هناك طابعاً غير مسبوق منذ أكثر من أربع سنوات.

كل حديث عن تسويات أو مؤتمرات في جنيف أو موسكو أو القاهرة لا علاقة له بالواقع أو بالنيات الفعلية للاعبين الأساسيين على أرض المعركة.

نجحت تركيا قبل انتخاباتها البرلمانية الأخيرة بإعادة تنظيم صفوف المجموعات المسلحة المنضوية في إطار «جيش الفتح» في الشمال السوري. ضاعفت عدد الخبراء العسكريين على الأرض. فتحت حنفية السلاح والذخائر، وبعضه لم يستخدم قبل الآن في المعركة. ضخّت أعداداً جديدة من المقاتلين، وبينهم «جهاديون» يأتون من كل جهات الأرض، في تحد واضح لأقرب جيرانها من الأوروبيين الذين حذروها مؤخرا من ارتداد هذه اللعبة عليها، كما حصل سابقا مع النظام السوري، الذي كان يفتح خطوطاً عسكرية للمقاتلين «الجهاديين» الراغبين بالموت على أرض العراق في مواجهة الأميركيين، قبل أن يرتدوا عليه لاحقا!

قرر السعوديون مضاعفة ضغطهم على النظام السوري، على مسافة أسابيع من احتمال التوصل إلى تفاهم نووي بين الإيرانيين والغرب. يحمل القرار السعودي المنسق بالكامل مع الأردنيين، في طياته، محاولة للتعويض عن «الإخفاق اليمني»، فالحوثيون، لم يقدموا أي تنازل بعد مضي 75 يوما على الحرب السعودية عليهم، لا بل بدأوا يكشفون منظومات صاروخية لم تكن في حسبان أحد، وها هو مؤتمر جنيف يسقط قبل أن ينعقد، وبالتالي، يتعاظم المأزق السعودي، في ظل تعاظم المأساة الإنسانية في اليمن.

بهذا المعنى، نجح السعوديون والأردنيون، بتسهيل إسرائيلي، في إعادة تنظيم صفوف المجموعات المسلحة في جنوب سوريا وصولا الى عتبة السويداء. كل المعطيات تشير الى ان غرفتي تركيا والأردن تعملان بتناغم واضح من أجل الضغط على دمشق من جهة وحلب وحمص من جهة ثانية، ناهيك عن التطورات المتسارعة في ادلب وبعض مناطق التماس الاستراتيجية مع الساحل السوري الشمالي.

في المقابل، لا يخفى على أحد أن الجيش السوري قد تعب، ولولا الدور النوعي الذي تلعبه «قوات الدفاع الوطني»، بالتنسيق مع «حزب الله» وخبراء «الحرس الثوري الايراني» وضباطه، لما أمكن صد هجمات وتحقيق إنجازات كتلك التي تحصل يومياً في منطقة القلمون وجرود عرسال، وهذا واقع موضوعي لا ينكره أحد، وهو استوجب ملاحقة العسكريين الفارين من الخدمة الإلزامية، وفي الوقت نفسه، جعل الروس يضاعفون عمليات التسليح بحيث يمكن لأي شاهد عيان رصد البواخر وهي تفرغ حمولات من الصواريخ والذخائر والأسلحة في مرافئ طرطوس واللاذقية وبانياس بشكل شبه يومي.

في الوقت نفسه، ضاعف «الحرس الثوري» أعداد الضباط والخبراء على الأرض، وباتت خريطة انتشار «حزب الله» على أرض سوريا مفتوحة من الجنوب الى الشمال مع أولوية قصوى لحماية دمشق، وثمة سقف سياسي حدده السيد علي الخامنئي وجدد التأكيد عليه مستشاره الدكتور علي أكبر ولايتي بأن سقوط النظام في سوريا «خط أحمر»، وأن هذا الموقف سيُترجم على الأرض، وكل عواصم المنطقة تدرك تداعيات أية محاولة لتغيير الاستراتيجيات وموازين القوى الكبرى في سوريا.

وبين هذا وذاك من العناصر الإقليمية، يتضاعف القلق الأميركي، وثمة سؤال طرحه خبراء أميركيون على أكثر من جهة إقليمية ودولية: من منكم يملك تصوراً لما بعد سقوط النظام في سوريا، هل تملكون بديلا حاليا غير «داعش»، وهل يمكن فعلياً الفصل بين الرئيس بشار الأسد والنظام السوري (ردا على من ينادون بالحفاظ على النظام وتنحية الأسد)؟

اللافت للانتباه هو تبلور نبرة أوروبية غير مألوفة منذ أربع سنوات ونيف تقريبا، وخصوصا فرنسية ـ ألمانية، جوهرها الدعوة الى التعامل مع الوضع السوري بـ «براغماتية» وعدم المغامرة في قضية إطاحة النظام في ظل تعذر البديل.

يتقاطع ذلك مع نقاشات تجري في موسكو، حول إمكانية خلق أرضية صالحة للحوار بين النظام والمعارضة الداخلية. وهنا، يتردد أن الروس وجهوا لوماً للنظام مفاده أنه في لحظات الضعف والقوة يرفض تقديم تنازلات، فماذا ينتظر حتى يقدم على مبادرات سياسية ما دام الجميع متفقاً على انسداد أفق الصراع العسكري وبالتالي حتمية الحل السياسي؟

ويقول أحد العائدين من واشنطن إن الاجتماعات الأميركية ـ الروسية الأخيرة، ناقشت للمرة الأولى خيارات سورية عدة، على قاعدة حفظ النظام والبحث عن بدائل من داخله، على أن يكون الرئيس الأسد جزءاً لا يتجزأ من مرحلة انتقالية لم يتفاهم الجانبان على سقفها (بين سنة وأربع سنوات).

من الواضح أن تركيا ستتواضع في ضوء نتائج الانتخابات التركية التي كانت تحمل في طياتها رسالة مزدوجة، من الخارج والداخل، بأنه ليس مسموحا إعادة إنتاج الديكتاتوريات في المنطقة، واذا كان حلم رجب طيب أردوغان بأن يكون ديكتاتورا قد سقط، صار لزاما عليه أن يبحث عن ائتلاف حكومي للحفاظ على المكتسبات التي راكمها منذ 12 سنة حتى الآن، فإذا أحسن قراءة هذه الرسالة، يمكن أن يكون رئيسا قويا وأن يحصل على بعض الصلاحيات (لا كلها) التي كان يطمح اليها.

هذا «التواضع التركي» يعني أولا طي فكرة منطقة الحظر الجوي التي كان بعض قادة الجيش التركي يتعاملون معها على أساس أنها قائمة فور انتهاء الانتخابات التركية وفوز «حزب العدالة والتنمية» بأغلبية برلمانية مريحة. «التواضع التركي» يفترض أن ينسحب أيضا على الميدان السوري، لكن ليس في المدى القريب، حسب تقديرات خبراء متابعين للشأن التركي.. أو أقله ليس قبل إنجاز التفاهم النووي.

في الوقت نفسه، لن يهدأ بال السعوديين، وهم قرروا تأجيل المؤتمر الذي كانوا يزمعون عقده للمعارضة السورية في مطلع تموز المقبل، وذلك الى موعد يحدد بعد انتهاء شهر رمضان، سعيا الى بلورة أوضح سياسيا وميدانيا، لمحاولة دمج الفصائل العسكرية (نصرة وجيش فتح وجيش إسلام وغيرهم) في إطار عسكري وسياسي موحد، بحيث يكون قادرا على التحدث باسم المعارضة.

ووفق مسؤول لبناني كبير التقى بالديبلوماسي الأميركي السابق فريدريك هوف (أدار لسنوات ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل)، فإن الأخير، قدم الى الأوروبيين والسعوديين والأتراك والقطريين وبعض مكوّنات المعارضة السورية في الخارج، اقتراحاً بإنشاء قوة سورية مقاتلة مؤلفة من خمسين ألف مقاتل، تساهم الادارة الأميركية في تمويلها وتدريبها وتنظيمها وإدارتها، على أن تصاغ عقيدتها القتالية، على أساس مزدوج وهو محاربة «داعش» والنظام السوري.

الخطط كثيرة والمشاورات لا تتوقف، وثمة زيارات رسمية سورية قبيل شهر رمضان الى العاصمة الروسية. المشاورات الايرانية ـ الروسية في الشأن السوري صارت دورية. الأميركيون يتواصلون مع الروس. الموفد الدولي ستيفان دي ميستورا سيكثف حركته في الأسابيع المقبلة.

الرسائل كثيرة في سماء المنطقة. الايرانيون يبلغون السعوديين رسائل عراقية وسورية ولبنانية، والعكس صحيح. محاولات لي الأذرع لن تتوقف قبل توقيع التفاهم النووي وربما بعده. موعد الثلاثين من حزيران ليس موعداً مقدساً في حسابات الايرانيين والأميركيين. إرادة الطرفين تشي بحتمية التوصل الى اتفاق، لكن النقاط الغامضة التي تضمنها الاتفاق الإطار من جهة، والضغط الاسرائيلي السعودي من جهة ثانية، قد يؤدي الى إطالة أمد المفاوضات.

حتى تحين تلك اللحظة ويتعرف العالم على «ايران الجديدة» وكيف ستتصرف عندما تصبح قوة اقليمية مسؤولة عن أمن المنطقة كلها، كغيرها من القوى الاقليمية (تركيا واسرائيل خصوصا)، ستسقط دماء كثيرة، وهذا موسم المفاجآت.. ولكن ثمة إشارات الى أن لحظة ارتسام الخطوط الحمر في سوريا وعلى أرض المنطقة كلها.. لم تعد بعيدة.

ماذا عن لبنان؟

مظلة الاستقرار راسخة حتى الآن، وما يسري من تمديد على قوى الأمن الداخلي سيسري على قيادة الجيش.. أما عرسال، فقصتها ستكون طويلة، على عكس جرودها التي باتت مسألة تحرير آخر الأجزاء المحتلة فيها مسألة وقت ليس إلا..

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى