رهان أردوغان في سورية

تشكل التهديدات التركية، أخيراً، بالتوغل داخل الأراضي السورية تعقيداً إضافياً لأزمةٍ، باتت أصلاً في غاية التعقيد. فالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، توعد بمواجهة المخاطر التي تهدد بلاده من الجنوب، وحذر الأكراد السوريين من الإقدام على أي خطوةٍ، تهدف إلى إقامة دولة خاصة بهم في سورية. ولقد أثار تقدم الوحدات الكردية على الجبهة الشمالية في سورية المخاوف التركية من إمكانية إقامة دولة كردية مستقلة، لا سيما بعد فرض سيطرتها على مدينة تل أبيض، والاتهامات التي وجهت إلى المقاتلين الأكراد بممارسة التطهير العرقي في المناطق السورية الخاضعة لسيطرتهم. كما تخشى أنقرة من تمدد الأكراد غرباً، سعياً إلى فتح ممر لنقل النفط من شمال العراق إلى البحر الأبيض المتوسط. وبحسب صحيفة نيويورك تايمز، يعزز هذه المخاوف الدعم الأميركي المتزايد للوحدات الكردية في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، فالتعاون الأميركي الكردي الحثيث أثار حفيظة تركيا، وخشيتها من أن يكون هذا التنسيق على حسابها.

وبحسب أردوغان، تهدف الحملة العسكرية المحتملة في سورية إلى تحقيق أمرين: منع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي من السيطرة بشكل كامل على الحدود التركية السورية، وإبعاد خطر تنظيم داعش. ويبدو أن الرئيس التركي لا يهوّل فقط بشن الحرب، بل قد يقدم عليها بالفعل. فهو صدّق، الأسبوع الجاري، على الخطط العسكرية التي قدمتها له قيادة أركان الجيش، والقاضية بتوغل القوات التركية من جرابلس شرقاً وحتى مارع وعفرين غرباً، بمشاركة نحو 18 ألف جندي، وتفيد الأخبار بأن تركيا بدأت بالفعل بحشد أعداد كبيرة من الجنود على حدودها مع سورية.

وبالإضافة إلى الأهداف الخارجية، قد تكون لخطوة أردوغان حسابات داخلية، فبعد الانتخابات التشريعية التركية التي عقدت الشهر الماضي، وأسفرت عن خسارة حزب العدالة والتنمية الأغلبية المطلقة في البرلمان، بات أردوغان مجبراً على تشكيل حكومة ائتلافية، تضم حزب الشعب الجمهوري العلماني، وهو أمر يبدو أنه لا يرغب به. فمن المرجح أن تكون أي حكومة ائتلافية ضعيفة غير قادرة على اتخاذ قرارات حاسمة، وبالتالي، قد تقيّد حزب العدالة والتنمية في تطبيق كامل أجندته. لذا، قد يتوجه أردوغان إلى إفشال عملية تشكيل حكومة جديدة والدعوة إلى عقد انتخابات مبكرة. لكن، كيف سيستفيد من الأزمة التي ستنشأ من جراء التوغل داخل سورية؟

ترى مقالة صادرة عن معهد بروكينغز للدراسات أن مثل هذه الخطوة، وما سيترتب عليها من تداعيات اقتصادية وأمنية، ستدفع الناخب التركي إلى التصويت لحزب العدالة والتنمية وإعطاء أردوغان تفويضاً كاملاً لإدارة الأزمة، من خلال تأمين الأغلبية المطلقة له، لتخوله تشكيل حكومة من لون واحد قوية، وقادرة على مواجهة التحديات أمام تركيا.

ألمحت إلى هذا التفسير، أخيراً، بعض الأصوات التركية أيضاً، فبحسب محللين سياسيين في صحيفة حريات التركية القريبة من المعارضة، ليس أردوغان مهتماً بالمشاركة في حكومة ائتلافية، وهو يسعى إلى “خلق أزمة” تعرقل تشكيلها. وبالتالي، تؤدي إلى الدعوة إلى انتخابات مبكرة. وبالإضافة إلى ذلك، يكشف تردد القادة العسكريين، والذين تربطهم علاقة غير ودية مع حزب العدالة والتنمية الإسلامي، عن أن أردوغان يسعى إلى توظيف هذه العملية لغايات سياسية. فبحسب صحيفة مليات التركية المقربة من المؤسسة العسكرية، فإن قائد أركان الجيش التركي أعرب عن استعداده لتنفيذ أوامر السلطة التنفيذية، لكنه حذر من التداعيات الدبلوماسية لهذه الخطوة.

لكن، يبدو أن أردوغان لا يأخذ في الحسبان تداعيات العملية العسكرية على العلاقة بين أنقرة والأكراد الأتراك الذين حصلوا على 13% من الأصوات في الانتخابات الأخيرة، فهذه الخطوة قد تطلق شرارة العنف في الأقاليم الكردية داخل تركيا، وتقضي على التقدم الذي تم إحرازه في تحسين العلاقات بين الطرفين في السنوات الأخيرة. أضف إلى ذلك، احتمال استهداف تنظيم الدولة الإسلامية تركيا التي بقيت في منأى عن هجماته، إذ قد تؤدي مثل هذه العملية العسكرية إلى موجة من الهجمات الإرهابية، تسفر عن فقدان حزب العدالة والتنمية شعبيته.

على الصعيد الخارجي، سيصب التوغل العسكري في مصلحة النظام السوري الذي يسعى أردوغان إلى إسقاطه، فقد ظهرت، أخيراً، أنباء صحافية تتحدث عن لقاء وزير الدفاع السوري، فهد الفريج، مع قيادات من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في زيارته القامشلي. وبغض النظر عن صحة هذه التقارير، قد يدفع التهديد التركي الأكراد في شمال سورية إلى الارتماء في أحضان النظام السوري. كما أن على أردوغان أخذ موقف إيران وروسيا على محمل الجد، إذ قد تلجأان إلى الرد بشكل عنيف على أي توغل تركي في سورية، لا سيما في غياب الغطاء الأميركي لمثل هذه العملية.

قد يكون أردوغان جاداً في شن حملة عسكرية داخل الأراضي السورية، وقد يكون يروجها لتحقيق مكاسب سياسية داخلية. في الحالتين، قد تؤدي مواقفه التصعيدية هذه إلى انعكاسات سلبية، أولاً على تركيا قبل سورية، تبدأ من العلاقة مع الأكراد، وصولاً إلى أمن البلاد واستقرارها، فهذه المغامرة العسكرية قد تفضي، في نهاية المطاف، إلى دفع تركيا نحو مستنقعٍ، دخوله أسهل من الخروج منه.

صحيفة العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى