رومني الأول محافظ جداً.. رومني الثاني يشبه أوباما (جيمس زغبي)

 

جيمس زغبي

 

خلال الأسابيع القليلة الماضية من الحملة الانتخابية كنت أشعر بالحيرة التامة وأنا أستمع إلى المرشح الجمهوري ميت ورمني وهو يتناول مختلف تحديات السياسة الخارجية الأميركية.
وفي الحقيقة أنني كنت أتابع كل كلمة نقط بها رومني في هذا المجال خلال العامين الماضيين. وما أستطيع قوله ببساطة هو أنني لم أتمكن من معرفة، هل الشخص الذي ألقى كلمة في معهد فرجينيا العسكري في الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر هو الشخص نفسه الذي ظهر في المناظرة الرئاسية الثالثة والأخيرة مع الرئيس باراك أوباما الأسبوع الماضي، أم أنه كان شخصاً آخر؟
منذ بداية الحملة الانتخابية الرئاسية الحالية، ألقى رومني عشرة خطابات في مجال السياسة الخارجية. وفي كل منعطف من منعطفات تلك الحملة كان يضع نفسه في موضع المنتقد الشرس للإدارة الحالية حيث إنه كان يلوم أوباما على أنه الرجل الذي كان سبباً في «تقليص القيادة الأميركية للعالم»، والذي «خان الثقة التي وضعها الحلفاء في الولايات المتحدة».
ولم يكتف رومني بذلك بل خضع تماماً لتوجيهات وإشارات تلك الزمرة من المستشارين المنتمين لتيار «المحافظين الجدد»، وبدا كأنه يعتنق مبادئهم، ويعزز تركيزهم على فكرة الاستثنائية الأميركية من خلال رفدها بعناصر من عقيدته المرمونية.
وكانت الفكرة الأساسية التي يعبر عنها رومني في سياق ذلك كله هي أن «أميركا يجب أن تقود عن طريق القوة… وتستخدم قوتها العظمى لصياغة التاريخ».
وعلى ضوء ذلك كله كان من المحير للغاية بالنسبة لي أن أشهد التحول الذي طرأ على موقف رومني بشأن العديد من قضايا السياسة الخارجية إلى الدرجة التي جعلت تلك المواقف والرؤى تكاد تكون متماثلة مع تلك الخاصة بالرئيس، حتى وإن حاول رومني أن يتبنى موقف النقد اللفظي الحاد بشأن عدد من تلك القضايا.
ومن أمثلة ذلك أنه عندما نعى على الإدارة أنها لم تفعل شيئاً لإحياء مفاوضات السلام العربية الإسرائيلية التي توقفت (على رغم أنه وصف تلك المفاوضات مؤخراً بأنها كانت عبارة عن جهد يائس ولا جدوى منه منذ البداية)، إلا أنه لم يتردد أيضاً في الإدلاء ببعض التصريحات الحميدة مثل «لا يمكن أن نحاول الخروج من هذا المأزق عن طريق الحرب والقتال»؛ أو «نحن لا نريد عراقاً آخر، ولا نريد أفغانستان أخرى» وهو ما خلق عندي نوعاً من التشوش في الحقيقة.
وعندما استمعت إلى ما قاله رومني الذي بدا «أكثر تهذيباً ورقة» طرأ على ذهني سؤالان: هل كان ما يقوم به من تراجع عن تصريحات أو مواقف مجرد حيلة لاجتذاب أصوات الناخبين الذين لم يحزموا أمرهم بعد خصوصاً في هذا التوقيت البالغ الحرج للحملة الانتخابية؟ أم أن تصريحاته الأخيرة والآراء التي عبر عنها خلال المناظرة مثلت إعلاناً من جانبه عن استقلاله التام عن مستشاريه من المحافظين الجدد (الذين عمل ثلاثة أرباعهم ضمن إدارة جورج بوش)؟
نظراً لأن رومني قد انحرف على نحو انتقائي بعيداً عن العديد من الآراء المفرطة في نزعتها المحافظة خلال الأسابيع القليلة الأخيرة من الحملة، فإنني أميل إلى الاعتقاد بأن ما يقوم به هو خطوة تكتيكية كبرى أكثر من كونه تأكيداً على استقلاليته.
وهنا أبدي اختلافي عن الوصف الذي أطلقه أوباما على مواقف رومني المتغيرة مؤخراً وتصريحاته المتناقضة عن سابقتها حيث وصف رومني بأنه قد أصيب بداء النسيان على ما يبدو، فالحقيقة هي أن المرشح الجمهوري يحاول أن يخلق لنفسه مساحة للمناورة لكسب الناخبين الذين لم يحزموا أمرهم بعد، في الوقت الذي يعرف فيه أنه لن يخسر دعم قاعدته الانتخابية التي تعرف مواقفه الحقيقية.
ومع ذلك لا يخامرني أدنى شك في أن تبني المواقف المعتدلة الجديدة التي عبر عنها كان أمراً مزعجاً بالنسبة للمرشح رومني نفسه. فالنقاد المتشككون يقولون أحياناً «إن الممثل الأفضل والأكثر قدرة هو عادة الذي يكسب الانتخابات». ومن هنا فإنني أرى أن تغيير رومني لدوره وتقمصه لدور آخر، ومحاولة إتقان ذلك التقمص إلى درجة تقنع الآخرين بأن ما يقوم به حقيقي وليس تمثيلًا، قد أضاف إلى كاهله جهداً شاقاً أرهقه للغاية.
وبالنسبة لطريقتي في التفكير، أرى أن أداء رومني كان بارعاً للغاية. فلقد سمعت عن مرشحين يغيرون مواقفهم بشأن القضايا المختلفة على مدى عدة سنوات، ويقدمون دفاعاً جيداً عن تغيرهم هذا من خلال القول على سبيل المثال إنه قد تم في سياق عملية تطور طبيعي بشأن حزمة من القضايا الخلافية مثل زواج المثليين، أو الإجهاض، أو الاحتباس الحراري.
ووجه الاستغراب هو أن يتم التغير في المواقف بين عشية وضحاها أو على مدى عدة أسابيع ومن دون تقديم أي تفسير.
ولذلك السبب أعتقد أن درجة تركيز الرئيس قد تغيرت إلى حد ما، لأنه دخل المناظرة متوقعاً أن يقابل المرشح الجمهوري الذي عرفه وعرف أفكاره خلال السنوات القليلة الماضية، فإذا به يواجه شخصاً آخر.
نعم كان ميت رومني الذي ظهر في المناظرة الرئاسية الأخيرة شخصاً مختلفاً عن الذي عرفه الرئيس والذي عرفناه نحن. وهو ما يطرح السؤال التالي على الناخبين: لأي رومني من الاثنين سوف يصوتون؟ وإذا ما فاز في الانتخابات فأي رومني – من الاثنين – هو الذي سيمارس عمله كرئيس؟

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى