سألتك حبيبي.. لوين رايحين؟ (حلمي الأسمر)

 

حلمي الأسمر

 

 
تجد نفسك تردد بلا وعي مع فيروز، سألتك حبيبي لوين رايحين، كلما سألك أحدهم: وآخرتها؟ ويدندن رايحين؟ إلى أين؟ ويزداد السؤال إلحاحا كلما سخنت الأجواء، وازدادت كمية «الأكشن» في الأحداث العربية العاصفة التي تتسابق شبكات التواصل الإجتماعي ووكالات الأنباء على تناقلها!
كانت تمر الأشهر دون أن يتحرك ماء في بركة السياسات العربية، وكان الصحافيون يتثاءبون وهم ملزمون بنقل رسائل إخبارية لمحطاتهم وصحفهم، أما الآن فهم في لهاث دائم لملاحقة الأحداث، ولا يكادون يلحقون بما يجري بشكل متسارع في غير مكان من دنيا العرب، وهذا شأن المواطن العادي الذي ينتظر من الكاتب الذي يتابعه أن يقدم له رؤية تحليلية نقدية لما يجري، وكي لا نذهب بعيدا، وكي لا نضيع في التفاصيل، نعود إلى أبجديات القصة من أولها، وسأحصر حديثي هنا بنقاط محددة، وسريعة، لعل فيها ما يفيد في الإجابة عن سؤال المرحلة: لوين رايحين؟
أولا/ لا يوجد أي بلد عربي في منأى من التغيير، ولكن الفرق هنا أن على قيادات هذا البلد أو ذاك أن تختار طريقة التغيير، وفق ظروفها وما أنجزت أصلا قبل موسم الربيع، أما أن تضرب صفحا عن هذا الملف باعتباره غير موجود، فهذا لم يعد ممكنا، ومن الأفضل لها أن تبدأ شق طريق التغيير بعقل بارد، بدلا من العمل على وقع هدير الجماهير، حين تبدأ لعبة التنازلات في الوقت الضائع، وحيث لا يستمع إليها أحد، حتى ولو استمرت عملية الستربتيز السياسي إلى مرحلة الزلْط أو الملط الكامل!
ثانيا/ النظام الذي يقتل شعبه، والجيش أو الجهاز الأمني الذي يبيح دم أهله، يوقع على شهادة وفاته فورا، مع تسجيل اسم أول شهيد، لأن الصلحة ممكنة في حال القتل الخطأ، أو حتى العمد بين فردين، أو أسرتين ، ولكن حينما يعمد ولي الأمر إلى إصدار أوامر القتل لأحد أفراد رعيته، فلا مكان للصلح أو التفاهم، فما بالك إذا أهدر دم مدينة أو شعب كامل؟ مع من سيتصالح؟ مع عصابته الحاكمة، أم زبانيته؟ كيف سيحكم –من بعد- شعبا يتَّم أطفاله، ورمَّل نساءه؟ كان يمكن هذا في الماضي، قبل ثورة اليوتيوب والفيسبوك والتويتر، وكاميرات الأجهزة المحمولة، أما الآن، فكل ما يفعله الناس هو برسم البث المباشر، والـ (share) والغريب هنا أن بعض المسؤولين العرب من الأنالوج لم تصل لهم مستجدات الحياة الديجيتال ولم يزالوا يكتبون بقلم كوبيا، في حين أن الأقلام كلها تحولت إلى متحف التاريخ الفلكلوري، لصالح هيمنة الكي بورد وتقنية اللمس!
ثالثا/ الاحتماء بالشبيحة والبلطجية والزعران وأصحاب السوابق والمرتزقة، ومن لف لفهم، واستعمالهم قفازات لقمع الشرفاء وعموم الشعب، ثبت بالدليل القطعي أنه أسلوب فاشل في استئصال الثورات، بل إن هؤلاء بغبائهم وخشونتهم وقسوتهم، كانوا كالبنزين الذي يٌصب على النار لإطفائها، فكلما أسرف هؤلاء في بشاعاتهم، وفروا مادة فيلمية مثيرة لمزيد من الثورة، إنهم ملح يرشه المسؤولون المذعورون على جراح الجماهير، فيزيد هياجها!
رابعا/ وسابعا وعاشرا .. بدأ الشخص الطبيعي يعرف قيمته المادية والمعنوية، ولن يكون بإمكان أحد أن يصدق مقولة (وأنا مالي) أو (لا استطيع أن أفعل شيئا) بعد أن ثبت بالقطع قدرة الفرد داخل جماعته على صنع المعجزة، وسيترسخ أسلوب العمل الجماعي، وسنرى في أماكن العمل خاصة تكتلات الأفراد وتضامناتهم مع بعضهم البعض، على العكس من زمن مضى حينما كان المنادي بالتضامن الجمعي مع حالة فردية يبدو شاذا، بل سيشذ من ينأى بنفسه عن المجموع..
– في أي تغيير على مستوى الدولة، يتعين على فلسفة الأمن إعادة النظر في آليات عملها، لاستيعاب وإعادة إنتاج الحركات الشعبية، والتعاطي معها بالحوار لا بالتغييب، باعتبارها حركة تمرد على الشرعية!
– لم يعد ثمة من مكان للنظام الشمولي، الذي يعيش خلف ستار حديدي، فوسائل الاتصال الحديث قضت على أي خصوصية قطرية، وأي حدث يقع في أي بقعة من العالم أصبح عرضة للنشر، بعد تزايد وانتشار ظاهرة المواطن الصحفي، كل مواطن هو الآن مراسل صحفي، أو شاهد عيان، وبوسعه فضح ما يجري ونشره فورا، وبوسائل متاحة وغير مكلفة!

صحيفة الدستور الأردنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى