سوريا: خرافة حل الدولتين

كانت المعارضة السورية الرسمية قد روجت لفكرة دولة الساحل التي سيلجأ إليها الرئيس السوري بشار الاسد مضطرا في نهاية المطاف.

تلك الدولة ستكون علوية بالضرورة تبعا لمذهب سكانها الديني.

راقت تلك الفكرة للكثير من وسائل الاعلام العربية والغربية على حد سواء. صار البحث في مسألة حدود تلك الدولة وقدرتها على العيش والتعايش مع جارتها الكبرى سوريا، البلد الاصلي هو ما يشغل أذهان المحللين. كما لو أن قيام الدولة العلوية صار قدراً محتوماً لإنقاذ الرئيس السوري من محنته باعتباره رئيساً فاشلاً.

طبعا مَن روج لتلك الفكرة كان يفترض بقاء سوريا موحدة، يكون الساحل هو الجزء المقتطع الوحيد منها. وهو افتراض لا يخلو من بلاهة مطعمة بالخبث. ذلك لأن أجزاء كبيرة من سوريا سقطت متفرقة بين أقوام وجماعات شتى من غير أن يسقط النظام الحاكم في دمشق تمهيدا لاضطراره إلى إنشاء دولته الطائفية.

ليست الفكرة واقعية بل هي تعبير عن أمنية تبنتها الجهات التي روجت لها.

وإذا ما قرأنا المخفي من تلك الامنية سنجد أنها تؤكد على المنطق الطائفي وحده حلا للأزمة السورية، كما لو أن السوريين قد انزلقوا إلى مستنقع الحرب الدائرة منذ أربع سنوات بسبب القمع الذي يمارسه نظام بشار الأسد في حقهم لأسباب طائفية.

لذلك سيكون الحل من وجهة نظر حاملي تلك الأمنية أن يُعزل العلويون في الساحل ويؤسسوا كيانا سياسيا بهم يتزعمه آل الأسد ليرفعوا ايديهم عن السوريين.

نظرة تبسيطية وساذجة من ذلك النوع لا يمكنها أن تصدر إلا من عقل مريض بطائفتيه، هو العقل الذي توزع من خلاله جماعة الاخوان المجتمع البشر بين معسكرين.

في سياق تلك النظرة لن يكون الأسد من سكان معسكر المؤمنين.

الآن وبعد كل ما شهدته سوريا من مآسٍ وبعد أن توزعت أراضيها بين أقوام، هم خليط من السوريين وهم الاضعف حالا وبين أجانب قادمين من مختلف انحاء الأرض، هم الاكثر تمكنا من الأرض والبشر، لم يعد الحديث عن دولة الاسد ودولة الاخوان ممكنا، لذلك خفت الترويج لدولة الساحل.

ربما كان طرح فكرة دولة الساحل محاولة لإلحاق الهزيمة النفسية بنظام الأسد، بالاسد شخصيا وبمن هم في دائرته من العلويين، ناهيك عما يمكن أن تسببه تلك المحاولة من حالات احباط واهتزاز وقلق لدى المحيطين بالاسد ممن هم ليسوا علويين. لكن تلك المحاولة وقد فشلت لم يعد مخترعوها إلى فكرة التقسيم حلا لأزمة بلد، هو في حالة تقسيم واقعي.

سوريا اليوم ليست لأحد من شعبها.

فهل ستعود في المستقبل القريب بلدا موحدا؟

كان الترويج لدولة الساحل بداية لتهشيم سوريا، حيث مثل محاولة لجس النبض الشعبي من أجل معرفة مدى القبول به حلا، بعد أن تبين للجهات المعارضة للنظام أن إزاحة الاسد من الحكم بات أمرا مستعصيا.

غير أن هناك خطيئة تنطوي عليها تلك المحاولة تكمن في اشاعة مشروع التقسيم حلا بين صفوف الناس البسطاء، وهو أمر ما كانوا أولئك الناس يفكرون فيه حين خرجوا إلى الشوارع في بداية حراكهم السلمي وهم يهتفون “واحد واحد واحد. الشعب السوري واحد”.

أعتقد أن ما انطوت عليه تلك الفكرة من رغبة في القبول بحل الدولتين انما هو جريمة في حق الثورة السورية التي يعرف حاملو راياتها الأولى أنها لم تقم على أساس طائفي وأن جوهرها هو التطلع إلى العدالة التي تسمح للجميع بالتمتع بحق المواطنة. وهو اعتراف بأن النظام لم يكن طائفياً إلا في حدود ضيقة وأنه كان عادلاً في توزيع قمعه على كل مَن لا يواليه.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى