سوريا وسنة اخرى من الصراع (فاروق يوسف)

فاروق يوسف

 

السوريون مقتنعون اليوم أكثر من أي وقت آخر انهم قد وقعوا في البئر التي يمكن أن تكون مهجورة في أي وقت. يمكن أن يتركوا وحدهم ضحايا صراع دموي لن ينتصر فيه طرف من الاطراف.

بعد مضي حوالي عامين على بدء الحرب الشرسة في سوريا، لا يزال النظام الحاكم يمثل الطرف الاقوى، لا في الحرب وحدها بل وأيضا في اي حوار متوقع من اجل النظر في مستقبل الحكم في سوريا. هذا لايعني ان المعارضة باتت هي الطرف الاضعف، غير انها يمكن ان تكون كذلك في ظل اية صفقة تجريها الاطراف الاقليمية والدولية التي كانت ولا تزال تدير الصراع الدموي في سوريا، من خلال التمويل أو الدعم اللوجستي المباشر أو توفير الغطاء الاعلامي الدولي.
هذا يعني ان المعادلة على الارض يمكن ان تتغير في اية لحظة.
هناك من لا يزال يعتقد ان النظام مطمئن الى بقائه، لا بسبب الدعم الروسي والصيني الذي أوقف اية نزعة محتملة للتدخل العسكري الغربي، بل لانه يثق بان الوقت يسير لصالحه. في المقابل فان قوى المعارضة صارت مع الوقت محكومة أكثر بارادة القوى الاقليمية والدولية الداعمة، وهذا ما كان واضحا في آخر المؤتمرات التي شهدتها الدوحة، حيث تم سحب البساط من تحت قدمي المجلس الوطني السوري الذي كان الى وقت قريب يعتبر دوليا الممثل الشرعي الوحيد للثورة السورية.
المقاربة التي ذهب اليها الاخضر الابراهيمي في تصريحه المدوي الذي ادلى به خلال زيارته الاخيرة الى سوريا انما تكشف عن نوع المعادلة التي صارت تتحكم بالصراع. قال الموفد العربي والدولي بالحرف الواحد: "اما الحوار السياسي أو الصوملة". حين قال الصوملة تفادى ذكر الحالة العراقية التي هي أكثر قربا الى الحالة السورية من الحالة الصومالية. لم يشأ الابراهيمي احراج الوليات المتحدة، كونها الجهة المسؤولة عما انتهى اليه العراق من تشرذم وضعف وفشل.
تصريح الابراهيمي يؤكد ان هناك تغيرا كبيرا قد طرأ على المزاج الدولي. بالنسبة لذلك المزاج فان نظام الحكم في سوريا، المعزول والمحاصر دوليا، لا يزال يشكل طرفا مقبولا في اي حوار سياسي، من شأنه أن يقرر مصير سوريا ومستقبل النظام اسياسي فيها.
يجري ذلك في ظل تجاذبات سرية، يمكن أن تكون غاية في الخطورة، ذلك لان هناك في الدوائر الغربية جهات صارت مقتنعة بلا جدوى الاستمرار المضني في ادارة صراع، تبدو الياته ميتة على الارض بالرغم من كلفتها المادية العالية.
السوريون مقتنعون اليوم أكثر من أي وقت آخر انهم قد وقعوا في البئر التي يمكن أن تكون مهجورة في أي وقت. يمكن أن يتركوا وحدهم ضحايا صراع دموي لن ينتصر فيه طرف من الاطراف. فالمعادلة المتوازنة من شأنها أن تجعل الخراب يمتد ليشمل كل نواحي الحياة، بدءا من المظاهر المدنية وانتهاء بالقيم الانسانية.
ما يقوله السوريون عما يحدث في بلادهم شيء وما تقوله الصور وما تنقله الاخبار شيء آخر. كل شيء في سوريا اصابه التغير السلبي. لم يعد السوري قادرا على التعرف على بلاده وشعبه بيسر. سوريا القديمة التي يعرفها السوريون مغمضي العيون صارت شيئا من الماضي. فالجزء الذي يسيطر عليه الجيش الحر وسواه من المليشيات يعيش شروط حياة مختلفة تماما عن تلك الشروط التي كانت جزءا من تاريخه المدني والديني، اما الجزء الذي لا يزال تحت سيطرة الحكومة فانه هو الآخر يحصي أنفاسه. يعيش ذلك الجزء كمن يحتضر، لكن ببطء شديد.
صورة سوريا الحالية لا تكشف عن سوريا واحدة. هناك اليوم سوريا النظام وسوريا الجيش الحر وسوريا الجماعات الاسلامية المتشددة وسوريا النزوح والمخيمات وسوريا اللجوء الى البلدان المجاورة ودول الغرب. سوريا اليوم تظهر في صورة مستقبلها بلدا تتقاسمه أشكال مختلفة ومتعددة من مستقبل غامض ومجهول.
قد يكون تصريح الابراهيمي نوعا من التلويح بجرس الخطر. فالابراهيمي نفسه يعرف ان الحوار قد تأخر كثيرا. بل ان الوقائع التي شهدتها سوريا خلال السنتين الماضيتين قد نسفت امكانية اجراء اي حوار بين اطراف لا تزال مقتنعة بان لغة الدم هي اللغة الوحيدة المناسبة للحوار.
في ظل شيوع وانتشار تلك اللغة لم يعد مهما من هو الطرف الاقوى. فذلك الطرف لن يكون قادرا في ظل التدخلات الدولية على حسم الصراع لصالحه. فهل تقف سوريا اليوم في انتظار سنة اخرى من الصراع الدموي؟

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى