سياسات السعودية بين العالم العربي ومصر (سمير كرم)

 
سمير كرم 

من المؤكد ان أحدا لن يخطئ في ادراك حقيقة الموقف الذي تمثل في رسالة الملك عبد الله بن عبد العزيز «خادم الحرمين الشريفين» الى مصر. فالسعودية جديرة بالشكر على هذا الموقف الذي يبدو صحيحا مئة في المئة. فقد اتخذت هذا الموقف في توقيت سليم ودقيق. كما انه جاء تلبية لحاجة مصرية اكيدة في الظروف الراهنة التي وضعت فيها مصر تحت هجوم اميركي واوروبي وحتى لاتيني من أكثر الدول «تقدمية».
وواضح للجميع ان سلطة مصر الرسمية لم تتردد لحظة واحدة في التعامل مع رسالة ملك العربية السعودية باعتبارها موقفا جديرا بالترحيب في مضمونه وفي توقيته. ذلك لان الرسالة السعودية تتخطى في اهميتها نوع رد الفعل الذي تحدثه على مصر من ناحية وعلى اميركا والدول التي حذت حذوها من ناحية اخرى، انما يمتد تأثيرها الى ما يمكن ان تحدثه من أثر على قوى عالمية مختلفة لا تزال تحاول ان تتفهم بالقدر الكافي ما يحدث داخل مصر وحولها.
موقف المملكة السعودية بحد ذاته ازاء الازمة المصرية سليم. ولكن هل يبقى هذا الوصف صحيحا اذا ما وضعنا رسالة الملك الى الدولة المصرية قبل ايام في اطار السياسة الســـــعودية العربية والخارجية بوجه عام؟ الا نجد انفسنا امام تفسيرات مغــــايرة للموقف السعودي اذا قارناه بدقة بمواقف السعوديـــة العربية الاخرى والسياسات التي تعبر عنها؟
ان الموقف السعودي الى جانب مصر موقف سليم بحد ذاته. ولكن هل يمكن الوقوف عند هذا الحد؟ هل يمكن التصفيق لمواقف السعودية الاخرى ازاء الوطن العربي ودوله وسياساتها؟ يمكننا بالتأكيد ان نقول ان الموقف الجديد تجاه مصر موقف سليم ولكنه يرمي الى هدف لا يمكن اعتباره ايضا هدفا سليما. كيف؟
اذا كانت السعودية قد هدفت بموقفها الجديد تجاه مصر الى ان تقوّي موقف مصر ازاء العدو الداخلي المتمثل في «الاخوان المسلمين» فانها نجحت بالفعل في تحقيق هذا الهدف. ولا يمكن لاحد في الظروف الحالية ان يقلل من قيمة هذا الهدف. ولكن ماذا عن العلاقات السعودية ـ الاميركية؟
نحن نعرف جيدا حتى الآن ان واشنطن الرسمية والاعلامية قد وقفت في صف «الاخوان المسلمين» وتغافلت عن افعالهم الاجرامية. بل ونعرف ان واشنطن، وبريطانيا وعدداً من الدول الاوروبية وراء واشنطن، وجهت انتقادات حادة وبالغة التطرف في عدم موضوعيتها الى الجيش المصري في تصديه لتصرفات «الاخوان» منذ إخراج محمد مرسي من الرئاسة المصرية وحتى الآن. فلا بد من التساؤل عن الكيفية التي تعاملت بها الرياض مع واشنطن وتابعيها حينما قررت ان تتخذ موقفها الاخير من أحداث مصر. لا بد من التساؤل هنا اذا كانت الرياض قد نسّقت موقفـــــها ازاء أحداث مصر مع واشنطن او تجاهلتها لتجد الاخيرة نفسها امـــــام مفاجأة لا يتوقعها أحد. فهي اذا كانت قد نسقت موقفها مع واشنطن تفرض تساؤلا آخر عما اذا كان هذا ينبئ بتغيّر وشيك في الموقف الامـــــيركي يجعله يســــير باتجاه الموقــــف السعودي. هذا احتـــــمال لا نظن ان يصدق لعيــــون من يعرف طبيعة العلاقات السعودية ـ الاميركية.
عدا ذلك لا بد من التساؤل عما اذا كان للموقف السعودي انعكاسات محددة على المناطق التي ينشط فيها المال السعودي والدعم العسكري السعودي. اننا نعرف كما يعرف غيرنا ان هذا الموقف يضر ضررا بالغا بـ«الاخوان» ليس في مصر وحدها انما في كل بلد يوجد فيه للاخوان فريق مسلح وفريق غير مسلح كما هو حال افغانستان وباكستان وتركيا والشيشان… لكننا لا نعرف على وجه الدقة ترتيب الاولويات السعودية في البلدان التي تدعم المملكة فيها الدور الاخواني. فالمملكة تدعم تنظيم «الاخوان» ونشاطه المسلح في افغانستان كما انها تسهم بدور بالغ الخطورة في دعم «الاخوان» وحلفائهم (وهنا لا نقصد الاميركيين فحسب) في سوريا. وقد استمر هذا الدور ـ او بالاحرى الدوران الاثنان ـــ في سوريا منذ آذار 2011.
ليس من الممكن قبول التناقض بين الدور الذي تقوم به السعودية بأموالها وأسلحتها جنبا الى جنب مع الولايات المتحدة في سوريا والدور الجديد الذي يتضح بجلاء ان المملكة تريد القيام به في مصر في مواجهة الخطر ذاته الذي تدعمه السعودية وأميركا واوروبا. ويصح هذا تماما بالنظر الى الخطة العامة الاميركية الغربية التي يجري تنفيذها في المنطقة العربية. وهي خطة لا يمكن ان تستبعد مصر من تأثيراتها وانعكاساتها. هل تكون السعودية قد اشترت التأييد المصري لسياسات المملكة ـ وسياسات واشنطن ـ بهذا الدعم السياسي والمالي لسياسات مصر الداخلية ضد «الاخوان»؟ ردا على هذا السؤال لا بد من القول ان السعودية بدت في الاشهر الاخيرة بشكل خاص احوج ما تكون الى ما يدعم سياستها ضد سوريا. ولا شك ان تحول الموقف المصري نحو تأييد النظام الحاكم في سوريا كان خطوة منطقية متوقعة بعد التطورات التي اطاحت حكم «الاخوان المسلمين» في مصر والتي تطيح في الظروف الراهنة تنظيم «الاخوان» في مصر كلية. وليس من المنطقي ابدا استبعاد هذا الاحتمال بأن تحاول المملكة السعودية ـ تحاول فقط وليس هناك ضمان أكيد بان تنجح ـ دفع السلطة الحاكمة في مــــصر باتجاه مضاد. والمعنى المقصود هنا هو الدفع باتجاه تأييد مصري رسمي للســـــياسة السعودية المتبعة في سوريا تأييدا «للاخوان المسلمين» وحلفائهم. وهي السياسة التي ثبت بالقطع انها سياسة اميركا ضد سوريا.
إننا نعتقد بانه لو كان باستطاعة السعودية ان تنفذ في مصر السيناريو الذي تنفذه في سوريا لما ترددت يوما واحدا. ولان السعودية تعرف جيدا المدى الذي يمكن ان يذهب اليه تأثير مصر في الاحداث في سوريا فانه لا يمكن تصور ان تتردد المملكة لاي فترة من الوقت امام فرصة ثمينة كالتي لاحت لها لادخال مصر في التيار الاميركي المضاد لسوريا الذي ينفذه اساسا «الاخوان» وحلفاؤهم.
ولمن يبدو لهم ان هذه الذرائع تشكل تأييدا للنظام السوري لا بد من التأكيد بان ما نقوله ليس دفاعا عن النظام السوري. انما نقوله دفاعا عن حق الشعب السوري وحده في تغيير النظام الذي يحكمه اذا شاء ذلك وحين يشاؤه، وليس من خلال وجود فرق مسلحة من عدة جماعـــــات مسلحة خارجــــية أجنبـــية تتـــــلقى اموالا ومساعدات لا تكاد تحصى او تقدر من الولايات المتحدة وبلدان الخليج النفطية الغنية.
هل ابتعدنا كثيرا عن موضوعنا الاصلي وهو دعم السعودية لموقف مصر الراهن ازاء ما يقوم به «الاخوان» من محاولات التخريب داخل مصر مستعينين بحلفاء لهم من خارج مصر، تماما كما بدأ السيناريو السوري؟
ان الموقفين في كل من مصر وسوريا لا يختلفان. والاختلاف الى حد التناقض بين الموقف السعودي ازاء مصر من ناحية وازاء سوريا من ناحية أخرى هو الذي يحتاج الى تفسير اذا لم نقل انه يحتاج الى تبرير. وسوريا ليست مصدر الخطر الوحيد الذي تغذيه السياسة السعودية والمجال لا يتسع لشرح أكثر تفصيلا. ومصر ليست قابلة للبيع او الشراء تحت اي ظرف داخليا كان او خارجيا. ولا بد ان تعي المملكة السعودية هذه الحقيقة.
وسيأتي الوقت الذي تستطيع فيه السعودية ان تدرك هذه الحقيقة كما ادركتها في مواقف سابقة كثيرة.
وحتى يأتي ذلك الوقت سيكون على مصر ان تؤكد ان استقلال قرارها امر ينبغي ان لا يعتريه الشك، وان تبذل مصر اقصى جهدها لبلورة الموقف السعودي عند الحدود التي يبدو فيها الآن، فلا تسمح له بان يستغل حـــــاجة مصر الى التأييد المادي او المعنوي لتوجيه سياسة مصر العربـــــية ـــ بوجـــــه خاص ـ في اتجاه قامت ثورة «25 يناير» 2011 لدعمه وتقويــــته، ومن أجل هذا الاتجاه تمت إطاحة حكم «الاخوان» في مصر، الامر الذي ينــــبئ يقــــينا بانه سيطيحهم خارج مصر في انـــحاء الوطن العربي اولا.
ان مصر، التي تُقْبِل نحونا ونُقْبِل نحوها الآن، قادرة بمكانتها وامكانياتها على ان تعيد ترتيب اوضاعها الداخلية واوضاع المنطقة العربية على نحو يتفق مع التوجهات التي تبدو من احاديث قادتها المدنيين والعسكريين في الآونة الاخيرة.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى