طبخة من أجل سوريا أم ضدها (فاروق يوسف)

 
فاروق يوسف

 

لا يوجد ما يدعو للاعتقاد بأن لا يتحول ميشيل كيلو، الذي يتداول اسمه كثيرا هذه الأيام لوظيفة زعيم إتلاف المعارضة السورية، إلى ضحية جديدة من ضحايا النزاع الدولي على النفوذ في سوريا. سيرة غليون وسيدا وصبرا والخطيب تكفي لتعزيز الاعتقاد.

لم يعد معاذ الخطيب رئيس الائتلاف الوطني السوري يخفي يأسه من الوظيفة التي أوكلت إليه. لقد جيء بالرجل إلى الدوحة ليتزعم تجمعا بديلا للمجلس الوطني السوري الذي تتالى على رئاسته ثلاثة هم: برهان غليون، عبدالباسط سيدا، جورج صبرا. الثلاثة تم استبعادهم من المشهد واحدا بعد الآخر. كان حظ الأول هو الأسوأ بينهم. فالاستاذ الجامعي والمفكر الذي أصدر العديد من الكتب وكان في كل ما يكتب ويقول علماني الفكر والتوجه بدا متحمسا للظهور بمظهر الرئيس السوري المقبل، بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد. لا ننسى طلته في القنوات التلفزيونية وهو يلقي خطابا فيما كان العلم السوري (المقترح) يحتل جزءا من الصورة. بعدها ظهر في فلم وثائقي وهو يتجول خفية في المناطق (المحررة) من التراب السوري. لقد انتقل غليون من قاعة الدرس إلى النضال المباشر، بالرغم من أنه ظل حريصا على نسق حياة لا يغادر الفنادق الى الخنادق.
لم يكن مفاجئا أن يطاح بغليون. ميزان القوى العالمية الداعمة للحراك المضاد لنظام البعث في سوريا يشير الى الولايات المتحدة وليس إلى فرنسا. كان غياب غليون ضروريا من أجل أن تشدد الولايات المتحدة قبضتها على المعارضة السورية. يكفي أن تكون قطر لاعبا رئيسا في التمويل، فيما كانت تركيا تلعب دورا لوجستيا على الارض لكي تكون الغلبة للارادة الاميركية. استبعد غليون ومن خلاله استبعدت فرنسا من الحلبة بالرغم من ان السياسة الفرنسية لم تخفض صوتها المناويء لاستمرار بشار الاسد في الحكم. ذلك أمر آخر. بعد عبدالباسط سيدا، وهو الآخر أكاديمي مقيم في السويد، جيء بجورج صبرا الذي لم يكن قد غادر سوريا منذ وقت بعيد، غير أن الرجل فوجيء بانه قد سُلم عربة قيادة لقطار لم يعد موجودا. يومها أعلنت الادارة الاميركية بلسان وزيرة خارجيتها وبالحرف الواحد أنها غير راضية عن مسيرة المجلس الوطني وقد آن الأوان لاستبداله بتجمع يضم (أطيافا أخرى من المعارضة).
لم يكن التنبؤ بنوع تلك الأطياف عسيرا.
في تلك اللحظة كشفت الولايات المتحدة عن قناعاتها الحقيقية. فإذا ما كانت في الماضي قد حذرت من سيطرة جهات أصولية متشددة على المجلس الذي تأسس برعاية تركية، فانها هذه المرة أظهرت ميلا واضحا إلى أن يتسلم الاسلاميون (المعتدلون) زمام المبادرة المعارضة. وقد تم اختيار معاذ الخطيب بناء على هذه القناعة. فالرجل كما يشاع عنه يمتلك صلات طيبة بعدد من المعارضين العلمانيين، بالرغم من أنه أبدى استياءه من قرار الادارة الاميركية اعتبار جبهة نصرة الشام منظمة ارهابية. وكما يقال فان تلك الحركة على صلة بتنظيم القاعدة، وقد تكون اختراعا اميركيا.
الآن يبدو الخطيب محبطا. ويشاع أنه ينوي الاستقالة ليتسلم المعارض السوري العتيد ميشيل كيلو رئاسة التجمع. وقد لا يبدو هذا التحول غريبا، في ظل الوقائع على الأرض، حيث يبدو الطرفان المتحاربان عاجزين عن حسم النزاع. وصار الكثيرون اليوم على قناعة من أن الاستمرار في النزاع العسكري لا يمكن أن يؤدي إلا إلى مزيد من القتل والدمار والتهجير والخراب وتحطيم البنية التحتية لبلد، صار يعاني سكانه من مشكلات انسانية واقتصادية ليس في مقدور شعبه أن يواجهها.
على مبعدة من المعارك هناك كما يبدو طبخة دولية، يراد لها أن تنضج في ظل مزاج دولي، صار يفضل تقارب رؤى الاطراف الدولية المتنازعة على الاستمرار في خلاف هو أشبه بحوار الطرشان.
ربما يكون ميشيل كيلو، وهو معارض سلمي، له تاريخ مشرف هو الأكثر قدرة على أن ينضج مفهوما جديدا للحوار، لا يكون فيه النظام الحاكم هو الطرف الأقوى. غير أن المزاج الدولي هو الآخر لا يشكل جهة مضمونة يمكن الاستناد عليها بإطمئنان، فقد يتغير ذلك المزاج في أية لحظة، فيكون كيلو حينها ضحية جديدة من ضحايا النزاع الدولي على النفوذ في سوريا.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى