عامل الخـوف في الثورات العربية (توماس فريدمان)

 

توماس فريدمان

 
 
إذا كان هناك إطار يلخص مواطن القوة والضعف فى الصحوات العربية فهو ذلك الذى قدمه دانييل برومبرج، المدير المساعد لبرنامج دراسات الديمقراطية والحوكمة بجامعة جورجتاون، عندما لاحظ أن الصحوات العربية حدثت لأن الشعوب العربية لم تعد تخشى قادتها ــ لكنها تعثرت لأن الشعوب لم تتخلص من الخوف من بعضها البعض.
لا تعد هذه الثنائية مفاجأة. وثقافة الخوف تلك هى ما سعى الديكتاتوريون تحديدا إلى غرسها ورعايتها. فمعظمهم كانوا يديرون بلادهم مثلما تدير المافيا «الحماية بالابتزاز». كانوا يريدون لشعوبهم أن تخاف من بعضها بعضا أكثر من خوفها زعمائهم، بحيث يتمكن كل ديكتاتور أو عاهل من الجلوس على قمة المجتمع كله، يمنح الرعاية والحماية، بينما يحكم بيد من حديد. لكن التخلص من هذا الميراث سيحتاج إلى ما هو أكثر من الإطاحة برءوس هذه الأنظمة. سيحتاج إلى ثقافة التعددية والمواطنة. وحتى يتحقق هذا، ستظل القبيلة تخشى غيرها من القبائل فى ليبيا، والطائفة تخشى غيرها من الطوائف فى سوريا والبحرين، وسيظل العلمانيون والمسيحيون على خوفهم من الإسلاميين فى مصر وتونس، وستبقى فلسفة «الحكم أو الموت» منافسا شرسا لمبدأ «رجل واحد، صوت واحد».
ومن السذاجة البالغة الاعتقاد بأن الانتقال من هوياتنا الأصلية إلى «مواطنين» سيكون سهلا، أو حتى محتمل الحدوث. فقد احتاجت أمريكا إلى قرنين من النضال والحلول الوسط كى تصل إلى مرحلة يمكن فيها اختيار رجل أسود واسمه الأوسط حسين إلى الرئاسة ثم التفكير فى استبداله بشخص من طائفة المورمون! وهذا فى بلد من المهاجرين.
 لكنك ستكون أعمى وأصما أيضا إذا لم تستمع إلى الأصوات والتطلعات العميقة والأصيلة التى جعلت هذه الصحوات العربية لا تدرك أن هناك، فى كل هذه البلاد، شوق ــ خصوصا بين الشباب العرب ــ إلى المواطنة الحقة والمحاسبة والمشاركة فى الحكم. وما زالت هذه الطاقة موجودة، وسيكون على الإخوان المسلمين، أو غيرهم ممن قدر لهم حكم مصر، التجاوب معها.
مصر تحديدا لأنها نقيض لاس فيجاس ــ ما يحدث هناك لا يبقى كما هو ــ فإن الطريقة التى سيتعامل بها الرئيس الإخواني محمد مرسى مع العناصر العلمانية والليبرالية والسلفية والمسيحية فى المجتمع المصرى سيكون لها أثرها الكبير على بلاد الصحوات العربية الأخرى. فإذا توصل المصريون إلى عقد اجتماعى سليم لحكم أنفسهم، سيضربون المثل لكل المنطقة. وقد رعت أمريكا كتابة العقد الاجتماعى فى العراق، لكن مصر ستكون بحاجة إلى نلسون مانديلا.
فهل يمكن لمرسى القيام بدور مانديلا؟ هل يخفي مفاجأة ما؟ المؤشرات الأولية مختلطة فى أفضل الأحوال. وقد كتب برومبرج فى النسخة الإلكترونية من فورين بوليسى يقول: «مع استعداد محمد مرسى لأن يصبح أول رئيس مصرى منتخب ديمقراطيا، عليه أن يحسم من هو بحق السياسى المؤمن بالوحدة الذى يريد «مصر لكل المصريين»، كما صرح فور إعلانه رئيسا، أم أنه المناضل الإسلامى المخلص لشعاره الذى كان يردده أثناء الجولة الأولى من الحملة الرئاسية، «القرآن دستورنا».
وأضاف برومبرج: «ليس هذا خيارا ثقافيا بقدر ما هو خيار سياسى وعملى. والتحدى الأكبر أمام مرسى هو توحيد المعارضة السياسية التى عانت من الانقسامات بين إسلاميين وغير إسلاميين، وكذلك فى داخل كل معسكر. وإذا كانت دعوته إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية ليس سوى وسيلة قصيرة الأجل لمواجهة الجيش- وليست تعهدا استراتيجيا بالتعددية كطريقة للحياة السياسيةـ-  فإن فرص الانتقال، الذى دخل غرفة الإنعاش قبل أيام قليلة، ستتضاءل بحق».
ومن الضرورى أن يصل الإخوان المسلمون الآن بشكل حقيقى إلى الـ50% من المصريين ــ العلمانيين والليبراليين والمسيحيين ــ وطمأنتهم إلى أنهم لن يرفعوا عنهم الأذى فحسب، بل سيراعوا تحقيق التوازن بين آرائهم وتطلعاتهم وتلك التى يتبناها الإخوان. ويتطلب هذا، بمرور الوقت، ثورة فى تفكير قيادة الإخوان وبين صفوفهم حتى يمكنهم تبنى التعددية الدينية والسياسية وهم ينتقلون من المعارضة إلى الحكم. ولن يحدث هذا بين عشية وضحاها، لكن إذا لم يحدث هذا على الإطلاق فستفشل التجربة الديمقراطية المصرية وستكون سابقة رهيبة بالنسبة للمنطقة.
وتتمتع أمريكا بقدر من النفوذ بفضل المساعدات الأجنبية والعسكرية والاستثمارات الأجنبية ــ وعلينا أن نستخدمها مع توضيح أننا نحترم صوت الشعب المصرى، وأننا نريد الاستمرار فى مساعدة مصر فى تحقيق الازدهار، لكن دعمنا يجب أن يكون مشروطا بمبادئ معينة.. أية مبادئ؟ مبادئنا نحن؟
كلا، بل المبادئ الواردة بتقرير الأمم المتحدة عن التنمية البشرية العربية لعام 2002، الذى كتبه العرب للعرب. إذ يرى التقرير أنه لكى يزدهر العالم العربى فإن عليه معالجة ما يعانيه من نقص فى الحريات، والمعرفة، وتمكين النساء. وأضيف، نقص التعددية الدينية والسياسية. وعلينا أن نمد يد العون لأى بلد تعمل حكومته على هدى هذه الأجندة ــ ومن بين هذه البلدان مصر بقيادة رئيس من الإخوان المسلمين ــ والامتناع عن مساعدة البلدان التى تخالف ذلك.

صحيفة النيويورك تايمز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى