عودة الخلافة أو لعنة اردوغان

هل أصيبت تركيا بلعنة اردوغان، السلطان الذي يعتبر نفسه اتاتورك مضاداً؟

نتائج الانتخابات الأخيرة كانت مخيبة لآمال رافعي شعار استمرار الجمهورية، كما رسم خطوطها بيده معلم العلمانية مصطفى كمال اتاتورك.

ما حلم به معارضو اردوغان لم يجد له تجسيدا من خلال لارادة الشعبية.

لقد انتصر دعاة الخلافة شعبيا بطريقة سيسمح معها غرورهم لهم بالارتطام بما لم يكن من قبل مسموحا في التفكير بإعادة النظر فيه أو اعادة تعريف تفصيل صغير منه.

فحين يقول اردوغان “الحكم هو الشعب الذي يقول كلمته في النظام والديمقراطية” فذلك معناه أن المواجهة التي كانت ضمنية ومسكوتاً عنها بل مؤجلة صارت اليوم علنية بما يجعل منها موضع نقاش سياسي يومي بين الأتراك أنفسهم وأن اتاتورك بكل ارثه المقدس صار هدفا للازاحة، باعتباره حجر عثرة أمام مسيرة التغيير التي يسعى زعماؤها إلى أن تفلت بتركيا من قدرها العلماني.

علمانية تركيا التي كانت بمثابة بداهة عيش ستكون محل التباس.

الاردوغانية وهي تنويع تركي على الفكر الاخواني ستكون في نسختها الجديدة أكثر خطرا مما كانت عليه من قبل. ذلك لأنها ستتصدى هذه المرة لمهمة بناء مشروعها السياسي، بمعزل عن خطط النمو الاقتصادي التي كان حزب العدالة والتنمية يتبجح بنجاحها المدوي.

اما في حقيقته فقد كان ذلك النجاح الذي استثمره اردوغان وحزبه لصالحهما لم يكن إلا حصاداً لما زرعه الآخرون. غير أن السياسة شيء والاعتراف بالحقيقة شيء آخر. ولأن اردوغان قد تتلمذ على المكر والخداع، كونهما وجهين لعملته السياسية فقد احتكر كل نجاح في حربه ضد الآخرين.

غير أن اعداء اردوغان وجلهم ينتمي إلى اليسار كانو يدركون أن حربه ضدهم لن تكون إلا تمهيدا لحربه الاشد ضراوة، تلك الحرب التي يرغب الاخواني العتيد من خلالها أن يحدث تغييرا عميقا في تاريخ تركيا.

التاريخ بالنسبة لأردوغان هو عقدة متأصلة. لذلك اختار اتاتورك عدواً.

فمثلما وضع اتاتورك تركيا على طريق العلمانية، سعياً منه لإنهاء عصر الخلافة العثمانية فإن اردوغان يفكر في وضع تركيا على الطريق الذي غادرته يوم اعتنقت تركيا العلمانية نهجا لسياستها.

إن نجح اردوغان في مسعاه فإن التاريخ سيسجل للرجل أنه استطاع أن يعيد تركيا إلى الوراء، فيما يظل التاريخ يحفظ لأتاتورك فضيلة أنه تقدم بتركيا إلى الامام، بحيث صارت عبر بضعة عقود من الزمن جزءاً من العالم المعاصر.

لعنة اردوغان التي أصيب بها الاتراك تكمن في إمكانية عودتهم إلى زمن الرجل المريض الذي كان بمثابة ملهاة بالنسبة للغرب. لذلك لن يكون مستغربا لو أن الغرب رحب بالانتصار الاردوغاني الاخير. فتركيا الاردوغانية لن يتاح لها أبدا أن تدخل إلى محفل الاتحاد الاوروبي.

خبر لن يُسعد الاتراك الحائرين بين اسلاميتهم وأوروبيتهم.

تركيا الاردوغانية ستُستبعد من المحور الغربي من جهة الانتماء، غير أنها ستكون جزءا منه حين تحين الحاجة إليها بإعتبارها ممثلة لجماعة الاخوان المسلمين التي فشلت في حكم مصر وصارت تصنف في غير مكان من العالم العربي بإعتبارها جماعة ارهابية.

فكر اردوغان الاخواني سيقوده إلى ارتكاب خطأ من ذلك النوع. وهو الخطأ الذي سيواجه بعاصفة من التصفيق الغربي، لا لشيء إلا لأنه سيخلصهم من عقدة تركيا التي يقع الجزء الاكبر منها في آسيا.

سيكون اردوغان بطلا لخلاص أوروبا من تركيا.

وهو ما سيلقي بظلاله السيئة على العالم لعربي.

قبل أتاتورك كانت العلاقة بين العالم العربي وتركيا العثمانية سيئة ومليئة بالمرارات، فهل ستعود في زمن السلطان الجديد إلى سالف سيرتها؟

تصريف اردوغان للمسألة السورية يشي بما هو أسوأ. وهو ما يجب على العرب أن يحتاطوا له في المرحلة المقبلة.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى