فرص المبادرة الإيرانية في دمشق

يقوم وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بزيارة قصيرة إلى دمشق اليوم، يتوقع أن يقدم خلالها مبادرة بلاده «الجديدة» حيال الأزمة السورية، كما سيعرض آفاق جولته التي ستقوده إلى موسكو الأسبوع المقبل.

وما زالت الأفكار، التي قيل إنها مسربة عن «المبادرة الإيرانية»، تحظى بالاهتمام، ولا سيما المتعلقة «بتعديلات دستورية» تأخذ بعين الاعتبار «التعدد الاثني والمذهبي» في سوريا، وذلك تحت مسمى «حقوق الأقليات».

ولم تحصل دمشق على ما يمكن تسميته ورقة صريحة بعد من الإيرانيين، رغم إعلانها صراحة حماستها لكل المبادرات السياسية الرامية الى إنهاء الصراع في سوريا، ولا سيما إن جاءت من «الحلفاء».

إلا أن طروحات سربت كما قيل عن المبادرة الإيرانية، تشرع سؤالاً أو أكثر حول الكلفة التي يمكن أن تدفعها البلاد ككيان سياسي موحد إذا تبين صحتها، وتم الاتفاق على بنودها.

ويبدو الثمن الذي ستضطر سوريا لدفعه، وفق هذا المفهوم، أكبر من الذي كان ممكناً لها دفعه لو قبلت القيادة الحالية بمفاهيم مشابهة منذ أربع سنوات. ورفضت دمشق، كما بات معلوما، «عروضا» تركية في ربيع العام 2011، وإن بلغة تراوحت بين الوعيد والترغيب، لتقسيم السلطة في سوريا، بين جماعة «الإخوان المسلمين»، والنظام القائم بشكله الحالي، على أن يبنى على هذا التقسيم «حراك ديموقراطي مستقبلي»، كان «حزب العدالة والتنمية» التركي والحكم في قطر مؤمنين بقدرتهما على التأثير في مساره، بشكل شبيه بما جرى في مصر قبل استلام «الإخوان» كامل السلطة.

ورفضت الحكومة السورية الطرح الأولي حينها، لأسباب عديدة، من بينها استراتيجيتها القائمة على استثمار الوقت، ومحاولة إنضاج تحدي مكافحة الإرهاب دولياً، وثانياً لأن الطرح التركي يكرس «تجاذباً طائفياً علنياً للسلطة في سوريا»، قال كثيرون حينها إنه يحيل سوريا إلى نموذج حكم شبيه بلبنان والعراق، وذلك إضافة لاعتبارات أخرى، بينها العامل السيادي، وقناعات مبكرة بإمكانية انطواء الأزمة خلال عام في أقصى تقدير.

وسوريا، التي سبق لها اختبار القدرة على «بناء واستثمار النفوذ» سابقاً، في العراق ولبنان نتيجة الانقسامات الداخلية القائمة في البلدين، تفهم جيدا ما الذي يعنيه نسج نظام حكم قائم على اعتراف دستوري بمحاصصات مذهبية وإثنية، يتم صياغته عبر اتفاق دولي وإقليمي، بما يعنيه ذلك من إبقاء المساحة اللازمة لـ «عبث أصابع كل الموقعين الإقليميين والدوليين في الشأن الداخلي»، كما سبق وجرى في التجربتين اللبنانية والعراقية، وكما هو مؤهل للحدوث في التجربتين الليبية واليمنية مستقبلاً ربما.

ويعني الطرح أن سوريا ستفقد دورها المركزي، كما ستمنع من إقامة حكم مركزي كما في السابق، وذلك من دون الأخذ بالاعتبار أن عودة طبيعة الحكم السابق، كما عودة النفوذ، هي مسائل من الصعب تخيل تحقيقها، على الأقل في السنوات المنظورة.

فهل كانت حسابات موسكو وطهران في هذا الاتجاه، وذلك عبر محاولة الحفاظ على ما هو قائم، وإغراء الأطراف الأخرى بحصص شرعية دولية لم يستطع خصوم دمشق تثبيتها قانونياً بعد بقوة السلاح والدعم اللوجستي.

وتقول مصادر سورية واسعة الاطلاع، تحدثت إليها «السفير»، إنه «لا مكان لهذا الطرح، لأنه يجرد سوريا من هويتها العلمانية ومن وحدتها الفعلية»، ناهيك عن «غياب فرص قبول الخصوم والمجتمع الدولي بطروحات طهران» لأسباب عديدة.

ولا تحظى الأفكار الإيرانية المسربة بتشجيع كبير. ففي السابع من آب كان لافتاً ما كتبه السفير السوري السابق في الأردن بهجت سليمان، على صفحته الشخصية على «فايسبوك»، بأن «مبادرات الحلفاء والأصدقاء، بمختلف أنواعها وأشكالها، ناهيك عن الخصوم والأعداء، ليست قدَراً ولا قراراً، بل هي مؤشرات ونقاط علام، يجري الاستعانة بها، للوصول إلى ما يقرره الشعب، بملء إرادته المستقلة، بعيداً عن الإملاءات وعن رغبات الآخرين ونياتهــم، إلا ما كان يتوافق منها مع المصلحة الإستراتيجــية العليا.. مهــما كانت الظروف ومهما كانت الأحوال ومهما كانت التحدّيات والتضحيات».

ولا يتوقع المطلعون على الحراك الجاري، في دمشق، إمكانية فعلية لتسويق «مبادرة إيران»، وذلك استناداً الى ما سرب منها للإعلام، ولا سيما نتيجة تناقضها مع بيان «جنيف 1»، الذي أصر عليه كل من الروس والسعوديين أمس خلال لقاء وزيري الخارجية عادل الجبير وسيرغي لافروف.

وبطبيعة الحال، لن يرفض السوريون التعاطي مع المبادرة الإيرانية، التي ستخضع لـ «النقاش والتدقيق»، علما أن الحراك الفعلي، كما يبدو للناظر من دمشق، تقوده موسكو، على أسس «مكافحة الإرهاب كأولوية»، وتشكيل «هيئة حكم انتقالي تحافظ على مؤسسات الدولة، بما فيها الجيش، ثانيا»، على أن تترك كل المسائل الخلافية الكبرى، للانتخابات والاستفتاءات التي ستجري تحت رقابة دولية.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى