تحليلات سياسية

فوز مرسي في الانتخابات الرئاسية في مصر: التداعيات المبكرة على أمريكا والشرق الأوسط الأوسط. (روبيرت ساتلوف)

روبرت ساتلوف

يُعد فوز مرسي في الانتخابات الرئاسية في مصر لحظة فاصلة بالنسبة لشعوب الشرق الأوسط والأمريكيين على حد سواء. فبعد أربعة وثمانين عاماً من قيام مُعلم مدرسي مغمور بتأسيس جماعة «الإخوان»، وبعد مرور ما يقرب من ستين عاماً على إطاحة الجيش المصري بالملك وتأسيس الجمهورية، يثير نجاح مرسي احتمالات تولي الإسلاميين للحكم في الدولة العربية الأقوى والأكبر من حيث عدد السكان. وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن انتخاب مرسي إلى جانب مقتل أسامة بن لادن منذ عام مضى يؤكدان التحول من تهديد التطرف الإسلامي القائم على العنف إلى تحدٍ جديد أكثر تعقيداً يمثله تمكين شكل حالي من التطرف الإسلامي غير قائم على العنف لكنه ليس أقل طموحاً.ولكن سيكون خطأً فادحاً أن نركز على العقبات التي وضعها الجيش في طريق الإسلاميين بدون إبداء الإعجاب بالقدرة الملحوظة للطرف الأخير على ملء أي فراغ سياسي يُسمح لهم بملئهأولاً، بنزولهم إلىميدان التحريرلوراثة ثورة أطلق شرارتها العلمانيون، وثانياً بالتغلب على كافة المنافسين بفوزهم بثلثي مقاعد الانتخابات البرلمانية، وثالثاً بفوزهم بمنصب الرئيس. وخلال كافة المراحل في السبعة عشر شهراً الماضية، انتصر الإسلاميون عندما واجهوا تحدياً سياسياً. إن المراهنة ضدهم الآنلمجرد أنالمجلس الأعلى للقوات المسلحةقد نفّذ بإحكام عملية ارتداد للاحتفاظ بالسلطةيرجح أن يكون أمراً يفتقر إلى الحكمة. واعتماداً على الطريقة التي يلعب بهاالمجلس الأعلى للقوات المسلحةما تبقى له من أوراق، فإن العقبات التي وضعها في طريق احتكار الإسلاميين للسلطة ربما لا تكون أدوات لإفساد طموحات «الإخوان المسلمين» وإخراجها عن مسارها، لكنها أساليب مناورة للتفاوض على أفضل اتفاق ممكن والاحتفاظ بامتيازات الجيش في دولة خاضعة لحكم الإسلاميين.على الساحة الإقليمية

والغريب أنالحكمة التقليديةلا ترى فوز مرسي من هذا المنظور. فقد وصفت صحيفةنيويورك تايمزانتخابه بأنه ليس سوىانتصار رمزي، وذلك لأن العسكريين الذين يتشبثون بالسلطة في مصروالمتمثلين فيالمجلس الأعلى للقوات المسلحة” – نزعوا قدراً كبيراً من صلاحيات الرئيس بإصدارهمالإعلان الدستوري المكمل، وترتيبهم لحل البرلمانالذي يسيطر عليه الإسلاميونمن قبل السلطات القضائية قبلها ببضعة أيام، وخلق وضع يحتفظون فيه بالسيطرة على كل من عملية صياغة الدستور الجديد وتوقيت وقواعد الانتخابات البرلمانية الجديدة.

رغم أن صلاحيات الرئيس الجديد لمصر ربما تكون مقيدة، إلا أنه من الخطأ التقليل من شأن قدرته في التأثير على التغيير السياسي في الداخل والخارج. وقبل أن تحتضن إدارة أوباما زعيم جماعة «الإخوان المسلمين» عليها أولاً أن تقف بوضوح على الطريقة التي من المرجح أن تؤثر بها سياسات مرسي على مصالح الولايات المتحدة الجوهرية.”من الصعب المغالاة بشأن التداعيات الإقليمية لفوز مرسي. ولا يكمن العامل الرئيسي في أن مصر ستبدأ باستعراض عضلاتها في سياسات الشرق الأوسطوإنما على العكس. فمن المؤكد أن تظل السياسات الداخلية مصدر إزعاج وقلق لما تبقى من عام 2012 على الأقل، وسيستمر غياب القاهرة عن لعب أي دور في محيط الدول العربية والأفريقية وبلدان البحر المتوسط وعملية صنع السلام مثلما كان عليه الوضع لبعض الوقت. لكن يرجح أن الصورة القوية لفوز جماعة «الإخوان» سوف تتجاوز تلك الحقيقة الواضحة. فحتى مع تقليص صلاحيات مرسي بموجب أمر عسكري، وحتى مع تراجع حدة المسرحية التي صاحبت الانتظار الذي استمر ما يقرب من أسبوع لتأكيد فوزه، فإن نموذج النجاح السياسي لـ «الإخوان» سيكون مُسكِراً قوياً للبعض وسُمَّاً لآخرين.

ورغم أن تأكيد فوز مرسي ربما ينقذ مصر من مواجهة عنيفة محتملة بين الإسلاميين والجيش، إلا أن التبعات ستكون واضحة عبر أنحاء الشرق الأوسط. ويتراوح ذلك من غياب القانون والنظام في سيناء، حيث أن الإسلاميين الأكثر عنفاً سيدفعون زعيم جماعة «الإخوان» إلى مواجهات مع إسرائيل؛ إلى ضواحي حلب ودمشق حيث سيكون نموذج مرسي محفزاً للإسلاميين الذين يقاتلون ضد النظام في سورية؛ إلى عواصم العديد من البلدان العربية، ولا سيما الدول الملكية حيث سيسعى القادةالذين يبغون الحفاظ على أوضاعهم والمجروحي المشاعر من احتمال تفوق الثورات الإسلامية على ادعاءاتهم بالشرعية الدينيةإلى مضاعفة استراتيجيات القفاز المخملي/القبضة الحديدية لمنع انتشار عدوى التغيير.

من الواضح أن فكرة فوز مرسي بالرئاسة لا تُذهل إدارة أوباما. ولا شك أن البيت الأبيض قد تنفس الصعداء بإعلان الفائز في الانتخابات الرئاسية ذلك أنه كان يخشى من اندلاع عنف جماهيري في حالة الإعلان عن فوز أحمد شفيق. وحتى عندما أُتيحت لها الفرصةقبل الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسيةللإعراب عن قلقها من أن فوز مرسي قد يؤثر سلباً على مصالح الولايات المتحدة من حيث الأمن الإقليمي أو الحريات المدنية، اختارت الإدارة الأمريكية ألا تفعل ذلك. وبدلاً من هذا اكتفت الإدارة ببيانات مسكنة بشأنبناء ديمقراطية تعكس القيم والتقاليد المصرية” – بغض النظر عما يعنيه ذلك، نظراً إلى تاريخ البلاد الذي يعود إلى 5000 عام تحت الحكم الفرعوني والحكم الاستبدادي.

وسوف تتباين ردود الفعل بحسب كل دولة. فدول الخليج الثرية، التي تخشى من رسالة «الإخوان» الشعبوية أكثر من ترحيبها بمحتواها الإسلامي، سوف توفر المعونات إلى مصر، لكن بما يكفي فقط لسد رمق الشعب المصري ومنع الموت جوعاً. أما الأردن الواقعة بين مطرقة الإسلاميين المصريين وسندان الجهاديين السوريين فسوف تقترب أكثر من واشنطن وإسرائيل. ومن جانبها، سوف تتمسك إسرائيل بـالمجلس الأعلى للقوات المسلحةحيث تربطها به اتصالات أكثر حميمية وعلاقات هي اليوم أفضل مما كانت عليه في أي وقت خلال السنوات الماضية. وبمعنى آخر، سوف يحاول كل طرف كسب المزيد من الوقت. التداعيات على واشنطنوفي الواقع أن البيت الأبيض لم يُصدر بياناً إلا بعد الإعلان عن فوز مرسي عندما لم يعد الأمر يمثل أهمية، أكد فيه على أهميةاحترام حقوق جميع المواطنين المصريينبما في ذلك المرأة والأقليات الدينية مثل المسيحيين الأقباط، ومنوهاً إلى أنه منالضروريلمصر أن تحافظ على دورها كـركيزة للسلام والأمن والاستقرار الإقليمي“. وتلك كلمات قوية ربما كان لها أثر كبير لدى دوائر رئيسية لو أنها صدرت في وقت مبكر. وعلى افتراض أن الانتخابات كانت نزيهة إلى حد معقول، فإن الرسالة ذاتهالو ألقاها علناً وشخصياً نائب الرئيس الأمريكي أو وزيرة الخارجية قبل الانتخاباتكان من الممكن أن تؤثر على النتيجة. إن فوز مرسي ربما حال دون وقوع أزمة مصرية داخلية في المستقبل القريب، حيث خفف العبء عن الإدارة الأمريكية التي تواجه بالفعل ما لا يقل عن أزمتين أخرتين ملحتين في الشرق الأوسط (وهما المفاوضات النووية التي انهارت مع إيران وتزايد الاحتقان بين سوريا وتركيا مما قد يجر واشنطن إلى حرب ضد الأسد تحاول تجنبها بكافة التكاليف)، لكن تداعياتها على المدى الأبعد ربما تكون وخيمة. وحتى في ظل تقييد صلاحيات مرسي، إلا أنه سيحظى بتأثير كبير على ثلاثة قرارات وطنية رئيسية: أولاً، تقرير ما إذا كانت الحكومة المصرية الجديدة ستواجه مشاكلها الاقتصادية الملحة عن طريق النزول على المطالب الشعبية بتحقيقالعدالة الاجتماعيةأو اتباع المطالبات الدولية وتلك المتعلقة بالأعمال التجارية لتدشين إصلاحات سوقية تركز على الاستثمار؛ وثانياً، تقرير ما إذا كانت الحكومة ستعطي الأولوية لإضفاء الطابع الإسلامي على الحياة العامة كطريقة لمكافأة الأنصار ومواجهة التقشف الاقتصادي المرير؛ وثالثاً، تقرير ما إذا كانت جماعة «الإخوان المسلمين» التي أصبحت أكثر جرأة سوف تصدّر نجاحها السياسي إلى الضفة الغربية أو الأردن أو سوريا أو أماكن أخرى كجزء من جهودها الرامية لإنعاش الدور الإقليمي الخامل لمصر. ومن الصعب تصور أن مصر تحت قيادة مرسي سوف تتبنى سياسات تنسجم مع المصالح الأمريكية حول هذه الجوانب الثلاثة جميعاً؛ والواقع أنه قد ينتهج سياسات إشكالية حول كل واحدة من هذه المسائل.

إن تحديد توجه مرسي حول هذه القضايا وقياس رد فعله على التكاليف التي ينبغي على واشنطن أن تدرس فرضها في حالة اختياره لمنهج قائم على التصادم يمثل أولوية قصوى للولايات المتحدة. وعلى الرغم من تصريحات مرسي الأولية الباعثة على التهدئة، إلا أنه ينبغي على الرئيس أوباما أن يحجم عن إبداء مزيد من التأييد حتى يوضح الزعيم القادم والحكومة التي سيترأسها منهجهم حول هذه القضايا الأساسية. ومن الناحية السياسية وحدها، ليس هناك معنى لاحتضان مرسي قبل ذلك، ناهيك عن السلبيات السياسية لتحديد موعد زيارة مبكرة إلى واشنطن لزعيم عقائدي يمجّد «حماس» ويعِد بـاعادة النظربمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل وأسّساللجنة الشعبية لمكافحة المشروع الصهيونيفي الشرقية وصاغ برنامج «الجماعة» الانتخابي المناهض للمرأة والأقباط قبل خمس سنوات فقط.

إن مثل هذا الوضوح سيوفر أيضاً إجابة لسؤال أكثر جوهرية. فمنذ عقد مضى، عرض بن لادن نموذجاً لحكم إسلاميمتقشف ومانوي ومتعطش للدماءرفضته جموع المسلمين ليس لهدفه الأيديولوجي الرامي إلى إنشاء دولة إسلامية، وإنما لأساليبه السادية وغير الإنسانية، لا سيما فيما يتعلق بالمسلمين الأبرياء الذين كانوا إما أهدافاً أو ضحايا عرضيين لوحشية بن لادن. ولا شك أن نموذج الحكم الإسلامي لـ جماعة «الإخوان» يختلف عن نموذج بن لادن، لكن هل هو اختلاف في الوسائل أم الغايات، أم في كليهما؟ وقبل أن ينتشر هذا النموذج إلى مناطق أخرى عبر الشرق الأوسطفيما تراه العديد من شعوب الشرق الأوسط بأنه موافقة من واشنطن ولا أقل من ذلكينبغي على إدارة أوباما أن تضع سلسلة من المعضلات السياسية لرئيس مصر الجديد وزملائه من أجل استيضاح الإجابات على ذلك السؤال الرئيسي. وبالنظر إلى الأرواح التي أُزهقت والأموال التي أنفقت لمنع انتشار رسالة تنظيم «القاعدة»، فإن الإخفاق في تأمين الوضوح بشأن هذه المسألة الجوهرية قد يتسبب في كارثة لشركاء أمريكا المتبقين في الشرق الأوسط.

معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى