قراءة متأنية للتطورات الأخيرة: نسخة جديدة من الحرب على “الارهاب” تتحضر على الارض اللبنانية بتمهيد اسرائيلي

التقارب الزمني الكبير بين استقالة رئيس الوزراء اللبناني الشيخ سعد الحريري والتداعيات اللاحقة في المملكة العربية السعودية لا يمكنه أن يأتي عن طريق الصدفة، خصوصا والحريري لا يمكن لاسمه ان يسقط من بين اسماء كبار المستثمرين الذين يتم التحقيق معهم في قضايا فساد وغسيل اموال، إلا بمقابل سياسي مجزٍ، على أغلب الأحوال.

الحديث هنا، مبني على ان كثراً من المراقبين لا يقرؤون القائمة السعودية الاخيرة للفاسدين المحتملين على اساس اقتصادي واداري فقط، وانما يربطونها أيضا بالواقع السياسي الذي يحتم كسر هالة الكثير من الامراء واصحاب رؤوس الاموال في السعودية وخارجها لصالح مستقبل باتت تتضح معالمه للمملكة ومحيطها.

رئيس الوزراء اللبناني بالتالي، كان بين خيارين أحلاهما مرٌّ، وفق الانباء التي رشحت لـ “رأي اليوم” من المملكة العربية السعودية، فهو إما يستقيل من رئاسة الوزراء وبالتالي من التحالف مع حزب الله اللبناني (وهو الاهم بالنسبة للمملكة العربية السعودية)، أو ان يتم اغتياله فعلا وهنا الحديث بالمعنى الاقتصادي السياسي، والذي قد يكون يهم الشيخ الحريري اكثر بكثير من الاغتيال الفيزيائي، فيدخل ضمن قوائم الفاسدين، وبالتالي يُعتقل في الرياض ايضا.

الشيخ الحريري لشخصه ليس مهماً في الخطة السعودية المقبلة، ولكن اهميته قد تظهر بارسال رسائل طمأنة لحلفاء المملكة باعتبارها ستحميهم بطريقة او بأخرى.

الخطة السعودية بدت معالمها واضحة حين قال الامير محمد بن سلمان ان حرب اليمن ستستمر لمنع تشكيل “حزب الله” ثانٍ في المنطقة، لتظهر بوضوح “فوبيا” الحزب اللبناني بعد ما حققه الاخير بالتعاون مع حلفائه في سوريا، وهي نغمة التقى فيها ثلاثة أشخاص على الاقل خلال الفترة الماضية، لا بد من الانتباه لهم.

النهاية كانت مع حديث الحريري وبن سلمان، وهما اثنين يتحدثان بنفس واحد، إذ حتى اللحظة لا يمكن اساسا التأكد من الحريري قال ما قاله مختارا، اما من قبلهم، فهو رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، والذي منذ اعلان تغيير وظيفة قوات اليونيفيل في لبنان وهو وحكومته يسعون جاهدين لشيطنة حزب الله من جهة، ولشيطنة لبنان كله من جهة ثانية على اساس قاعدة وزير الدفاع الاسرائيلي افيغدور ليبرمان حين اعلن ان الجيش اللبناني هو جزء من حزب الله لتبدأ بعدها الصحافة الاسرائيلية بطرح السؤال الاكبر “مع من ستقف روسيا في حرب لبنان القادمة؟”.

“حرب الشمال” كانت ولا تزال شغل الصحافة الاسرائيلية الشاغل، وهي طبعاً ما يجد به الاسرائيليون لنفسهم موطئ قدم في الحوار مع الروس، وهو تماما ما اعتبرته صحيفة هآرتس الاسبوع الماضي “اجندة نتنياهو” التي لا يملك سواها.

الشخصية الثالثة التي حذرت من حزب الله كانت الرئيس الفلسطيني المنتهية ولايته محمود عباس، وهو ما قاله عن حركة حماس تحديدا وهو يقول انه لن يسمح بتواجد “حزب الله” اخر في غزة، ومن هنا قد تبدو المصالحة الفلسطينية في جلها جزء من تحييد الحركة الفلسطينية (حماس) من مشهد الحرب القادمة، والتي ارتفعت اليوم اسهم وقوعها اكثر بكثير مما كانت عليه قبلا بكثير.

فوبيا “حزب الله” المفتعلة من الاطراف الثلاث المذكورة، والتي ينشط فيها الاسرائيليون اكثر من سواهم، تبدو وكأنها بوضوح لتضخيم خطر حزب الله على المنطقة، وبالتالي شرعنة الحرب عليه لاحقا، وهو ما لا يمكن الا رصده والوقوف عنده، رغم ان “حزب الله” لن يستهدف لا بصفته لبنانياً ولا مقاوماً وانما سيستهدف منذ اليوم لسببين.

اولهما كونه “احد اذرع ايران” القوية، وبالتالي فهو الوسيلة التي يراد منها ان تنجر ايران للحرب وهنا نتحدث عن حرب اسرائيلية- سعودية من جهة وحزب الله- ايرانية من جهة ثانية على الاراضي السورية اللبنانية الجنوبية.

السبب الثاني، هو انتهاء (او شبه انتهاء) الحرب على الارهاب في سوريا والعراق، والتي كانت المسوّغ الاساسي للتسلّح والدمار في الفترة الماضية، بنتيجة ليست مرضية تماما للمحور السعودي- الاسرائيلي الذي بات واضحا في المنطقة (وطبعا الامريكي بالصورة الاشمل)، فهي انتهت بهزيمة الارهاب “السني” على يد المحور الشيعي وهو ما لن يسمح به المحور المذكور، كون هذه النتيجة تعني عودةً قوية صلبة لايران وحلفائها بالضرورة.

بالمعطيات السابقة، يفترض الجميع ان لبنان لن يكون الا “فرق حساب” وبالتالي “حزب الله” ليس الا ذريعة لجرّ ايران لحرب جديدة على الارض اللبنانية الأبعد قليلا من السورية عن القوات الاسرائيلية، وهناك حصرا ستتدخل الفصائل الموجودة في الجنوب السوري والتي دربتها اسرائيل وتسربت انباء تدريبها سابقا.

وفي هذه الحرب تحديدا لن تكون الولايات المتحدة او روسيا هي المحرك، بل هي ستكون تحصيل حاصل سواء مع الاسرائيليين او ضد ايران او بالعكس.

كل ما سبق معناه ان المنطقة اليوم مقبلة على “حرب ارهاب اسلامي” مزعوم جديد ولكنه شيعي هذه المرة، والذي مهدت له عمليا حالات الاستقطاب الاخيرة في المنطقة والحروب الطائفية “السنية- الشيعية” بصورة اساسية، وهو ما يمهد ايضا لقبول اسرائيل كلاعب في محيطها وبوضوح ودون اي مراوغة من باب “عدو العدو صديق”.

الاسئلة بهذه المرحلة كثيرة: فما موقف الاردن المحاصر اقتصاديا تماما من جهة، والمتوتر مع الاسرائيليين من جهة ثانية والمتورط بالتصريحات المبكرة عن الهلال الشيعي من جهة ثالثة؟ خصوصا وهو معبر بري وجوي مهم في حال بدأت الحرب. ما مصير الشعوب العربية مع كل الاسلحة الموجودة في المنطقة والتي تحتضنها المملكة العربية السعودية واسرائيل ومصر من جهة وايران من جهة ثانية والتي استعرضت الاخيرة وجودها قبل ساعات في الشوارع؟، ما موقف روسيا في الحرب المقبلة التي ستكون الاسلحة المستخدمة فيها بمعظمها ذات “كاتالوجات” روسية، والاخيرة يفترض انها في حلف ايران وسوريا ايضا وبنسبة اقل مع اسرائيل؟، وكيف سيكون الموقف التركي ايضا وهي الدولة التي يفترض انها ضد الاسرائيليين وفي تحالف طارئ مع الايرانيين، بينما هي سنية وفي حلف السعودية بالخلفيات؟. وبعد كل هذه الاسئلة تصبح قضية دولة كـ “قطر” وتحالفاتها او حتى الاشتباك العسكري معها ايضا ضمن “فرق الحساب” وليست ذات فرق كبير.

بكل الاحوال، هذه الاسئلة مشروعة وغيرها بعد كل التطورات الدراماتيكية التي حصلت مؤخرا والتي ترسل ارهاصات الحرب بوضوح، الا ان احتمال الرغبة الاسرائيلية في زيادة المكاسب والضمانات من جانب الروس وعلى اساس وضع قواعد مستحدثة لمناطق الجنوب السوري والجولان دون حرب (وهذه نظرية الخبير الاسرائيلي المطلع يوني بن مناحم التي قالها مباشرة لقناة دوتشيه فيلة)، هي ايضا واردة، والفائدة العائدة منها على السعودية بوضوح هي كسر شوكة ايران عبر كسر شوكة حزب الله.

الفائدة الاهم التي تتحقق في الداخل السعودي وبصورة واضحة، هي تثبيت وتعزيز مكانة ولي العهد الامير محمد بن سلمان، تارة كرمز لمحاربة الفساد، واخرى كرمز مدنية وتحضر وتطور، وثالثة كرمز لقوة المملكة ومنعتها، وكل هذا يصب في اطار تعزيزه كحاكم فعليّ للبلاد دون منازع، وكصاحب للرأي الاصوب في اي تحالفات مستقبلية.

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى