قلق وتوجس من زيارة واشنطن المستحدثة واشارات ارتياح امريكية “لا تكفي كضمانات”

تتزايد التكهنات، بينما يلف القلق زيارة عاهل الاردن الملك عبد الله الثاني الى واشنطن، خصوصاً بعد زيارتين أصلا مثيرتين للتوجس والريبة قاما بهما رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وبعده بساعات صهر الرئيس الامريكي جاريد كوشنر ومبعوث الشرق الاوسط جيسون جرينبلات.

الأردنيون والفلسطينيون يتقاسمون القلق في زيارة كهذه، ورغم بوادر “حفاوة” يحظى بها عاهل الأردن في واشنطن العاصمة، إلا ان توقيت الزيارة زشكلها ومفاجأتها، بالتزامن مع تزايد الحديث عن “خطة السلام الامريكية للشرق الاوسط، كلها أسباب تدعو للمزيد من القلق، وترقب نتائجها التي قد تطل برأسها الحقيقي في اللقاء الاردني مع سيد البيت الابيض “الموصوف بالتهور” دونالد ترامب.

الملك الاردني حظي بجدول مزدحم في اللقاءات منذ وصوله لواشنطن، وهذا بحد ذاته قد يحتمل تأويلات مختلفة، فهو يحمل عدة ملفات ويناقشها مع رموز إدارة الرئيس الامريكي المتشددة بلا استثناء، حيث التقى مستشار الامن القومي الجدلي (مهندس حرب العراق وتقسيم سوريا) جون بولتون، بالاضافة لوزير الخارجية صاحب الخلفية الاستخبارية مايك بومبيو الكاره للايرانيين وعرّاب التقارب مع كوريا الشمالية، بالاضافة للاعب الاكبر على الارض في الشرق الاوسط وزير الدفاع جيمس ماتيس، ووزيري الخزانة ستيفن منوتشين، والتجارة ويلبور روس.

بنظرة سريعة للشخصيات في اللقاءات يبدو ان عمان تحاول ترتيب اوراقها الامنية والاقليمية (ولاحقا الاقتصادية) مع الامريكيين، ولكن بالتفاصيل يمكن القول ان الاردن يضع نفسه في مقدمة المدافعين عن امرين بالدرجة الاولى في الملف الفلسطيني: اولا اللاجئين، حيث بحث عاهل الاردن وفريقه مع كل المسؤولين ضرورة دعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وهنا طبعاً ملف تشتبك فيه المصالح للاردنيين والفلسطينيين بصورة عضوية ولا يمكن فصلها. ثانيا عاصمة فلسطينية في القدس الشرقية، وهذا ما لا يزال ضبابيّ وغير واضح المعالم خصوصا وهو يأتي ليس فقط بعد الاعلان الجدلي للرئيس الامريكي، وانما بعد نقل فعلي للسفارة وهو ما احرج الاردن قبل غيره في العلاقات مع الولايات المتحدة.

الجنوب السوري

عمان تحمل في جعبتها ملفّ مؤرّق آخر يحتاج بتّاً من الجانب الامريكي، ويسوّف فيه الاخير، وهو ملف الجنوب السوري، الذي باتت فيها افعال وردود افعال في المنطقة الشرقية منه بين الامريكيين والجيش السوري، وتتصاعد بالتزامن معه انباء امريكية عن عرقلة واشنطن لوصول الجيش السوري للحدود بحجة التخوف من “تخفي” عناصر تابعين لايران ضمن صفوف الجيش نفسه.

الأمريكيون، وبعد تصاعد حديث الرئيس عن انسحابهم من سوريا، يعاكسون كل التوقعات، وفقا للانباء الواردة من سوريا، حيث يعرقلون فعلا المهمة للجيش السوري للوصول للحدود، كما يعيدون التفاهمات مع المسلحين التابعين لجيش العشائر تارة وللجيش الحر تارة اخرى ويزجون بهم في طريق حسم المعارك، واضعين بذلك عقبات امام حسم سهل للمعركة، وهنا الاهداف الامريكية متعددة ولا تنحصر في الحفاظ على مصالح ومخاوف اسرائيل من التواجد الايراني القريب من الجولان المحتل، وانما ايضا شراء الوقت حتى لقاء ترامب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (سيبدأ جون بولتون ترتيباته الاسبوع القادم في موسكو)، حيث تحتاج واشنطن لحسم حصتها من الكعكة السورية.

لو حسم ملف الجنوب قبل هذا اللقاء على الاقل، تكون دون شك خسرت واشنطن الجنوب والتفاوض على شرقه وغربه، وهذا بحد ذاته يجعل النقاش منحصرا في شرق الفرات، وبالتالي تضيع من واشنطن ورقة تفاوض ومقايضة قوية تستخدمها في حماية الاكراد في شرق الفرات (وبالتالي بالحفاظ على مكاسب النفط).

بهذا المعنى يمكن ان تتقاطع المصالح الامريكية مع الاردنية في المحافظة على خفض التصعيد، وحماية العشائر، ولكنها تختلف بالنسبة للجيش السوري الذي باتت عمان تريده فعلا ليسيطر على لاحدود ويكفيها شر المليشيات المتعددة من جهة، والفوضى في الحدود المقابلة لها من جهة اخرى؛ اضافة لكون الاردن التقط جيدا اشارة نادرة من الرئيس السوري بشار الاسد عن اهتمامه باستقرار الاردن، ما يعني احتمالات اقوى لفتح صفحة تعاون ولو على المستوى الاقتصادي.

حسم الموقف الامريكي والاردني في هذا الملف يمكن انتظار ايام او حتى ساعات لظهوره بصورة واضحة، خصوصا وهما يبدوان انهما الموقفين صاحبا كلمة الفصل في المشهد بعد ايكال الاسرائيليين المهمة لعمان مجددا، وتواري الروس قليلا عن المشهد، وبالتالي عدم تقدم الجيش السوري بصورة كبيرة وحاسمة.

صفقة/ تسوية القرن..

عاهل الاردن لا يضع ملف الجنوب السوري كأولوية اولى اليوم وهو يناقش الامريكيين، بل يضعه لاحقا للملف الفلسطيني الاسرائيلي، الامر الذي يزيد من الشعور بأن الملك غادر الى واشنطن ليستوضح المزيد او ليعدّل ويغير على الخطة التي حملها صهر الرئيس الامريكي ومساعده جرينبلات. بهذا المعنى يصر فريق الملك على تكرار الثابت الاردني ان لا حل دون دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية (وان كانوا لا يحددون حدود القدس الشرقية واذا ما كانت ستستقر فعليا على قرية ابو ديس اصلا)، بالاضافة للاصرار على نقاش قضية الاونروا وايضاحها للفريق الامريكي وهنا مجددا ملف اللاجئين الفلسطينيين يؤرّق عمان، وتحمّل نفسها مسؤولية الدفاع عنه.

جولة كوشنير “المريبة جدا” في الشرق الاوسط شارفت على الانتهاء عمليا دون ان يلتقي السلطة الفلسطينية، وهو ما يؤكد ان عاهل الاردن يبدو مفاوضاً ولو من وراء حجاب عن السلطة الفلسطينية، الامر الذي يمكن ايضا التوقع عبره بوجود وساطة اردنية لعودة الفلسطينيين الى طاولة المفاوضات مع الامريكيين بعد ايجاد سلّم للسلطة الفلسطينية للنزول عن الشجرة، عبر استعادة تمويل الاونروا الذي قلّصته واشنطن، وبانتزاع اعتراف متعلق بالقدس، والاعلان الامريكي حولها.

في الادبيات الاردنية، لا تنفي المفاوضات والوساطة من التحدث بتفاصيل الدور الاردني المتوقع والتبعات المفترضة على عمان ودورها التاريخي في حال اعلان اي خطة سلام، او تسوية او حتى صفقة، خصوصا والاردن اليوم يدرك جيداً ان دوره بتصاعد مع خفوت واضح للدور السعودي في الصفقة من جهة، ومع تحديد الدور المصري بقطاع غزة من جهة ثانية؛ ما يسهل على عمان اتخاذ موقعها السليم وهي تفاوض من موقع قوة وبعد ان ظهور “المكون الفلسطيني” ولمرة نادرة في الاردن ضمن الاحتجاجات الاخيرة.

الملاحظة الاخيرة حول المكون الفلسطيني في الحراك الاخير، رصدت بذهول في مؤسسات قرار اردنية، واسهمت في تغييرات جذرية ولمرة نادرة ايضا في مراكز صنع القرار جميعا، وهو ما يمنح فريق الملك الموجود في واشنطن ايضا غطاء من نوع مختلف وهو يتفاوض ويناقش ويناور.

المذكور انفاً هو “مجال الاهتمام الاردني” ومساحة الحركة، وهو بالضرورة ما يمكن عمليا ان تطلبه عمان او تتحدث به باريحية، الا ان الضمانات لاستجابة الجانب الامريكي بكل الاحوال “شبه معدومة”، رغم كل الحفاوة التي ظهرت في صور الزيارة الاردنية حتى اللحظة، الامر الذي يزيد من شد الاعصاب كلما اقترب موعد اللقاء المستحدث على اجندة الملك مع الرئيس الامريكي ذاته يوم الاثنين.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى