قَصْفْ الأتراك للقوّات “الشعبيّة” السوريّة في مَدْخَل عِفرين هل يُفجِّر الحَرب أم يَفْتَح قنوات الحِوار

الوَضْع العَسكري في مدينة عِفرين شمال غَرب سورية يَزداد تأزّمًا بعد قَصف مِدفعي تُركي “تَحذيري” باتّجاه القوّات السوريّة الشعبيّة التي كانت في طَريقها إلى المَدينة، ممّا أدّى إلى وَقفْ تقدّمها “مُؤقّتًا” تجَنّبًا لمُواجهات دَمويّة لاحِقًا.
القِيادة التركيّة، ومن خِلال هذا القَصف المَدفعي، تُريد أن تُضفي الجديّة على تَهديداتها بالمُضي قُدمًا في عمليّاتها العسكريّة حتى القَضاء كُلّيًّا على وحدات حِماية الشعب الكرديّة، ولكن هذا “العِناد” قد يُعطِي نتائج عكسيّة في المَدى المَنظور.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبعد اجتماعٍ مُغلَق استمرَّ ثلاث ساعات مع وزير الخارجيّة الأمريكي ريكس تيلرسون قبل بِضعة أيّام في أنقرة توصّل فيما يبدو إلى حُلول لبَعض، إن لم يَكن مُعظم، خِلافاته مع الولايات المتحدة، ولهذا قرّر اللُّجوء إلى التصعيد العَسكري، الأمر الذي قد يُؤدِّي إلى انْهيار تحالفه مع الإيرانيين والروس، ولكن متى احترم الأمريكان وعودهم، وكانوا أهلاً لثِقَة حُلفائهم العَرب والمُسلمين.

سيرغي لافروف، وزير الخارجيّة الروسي، الذي يَعرف أدق تفاصيل الصِّراع على الأرض السوريّة، وجّه نصيحةً لا تُقدَّر بثَمن إلى الرئيس أردوغان، حيث قال بالحَرف الواحِد “إننا على قناعةٍ بأنّ تركيا يُمْكِن أن تحمي مصالحها الأمنيّة المَشروعة من خِلال الحِوار مع الحُكومة السوريّة”.

وما يُؤكِّد مدى مِصداقيّة نصيحة لافروف هذه، أن الحُدود السوريّة التركيّة ظلّت تعيش حالةً من الأمن والاستقرار غير مَسبوقة منذ عام 1999، وبالتَّحديد مُنذ “التفاهمات” بين البَلدين التي أدّت إلى رحيل عبد الله أوجلان من سورية، ووَقف الأخيرة تعاونها مع حزب العُمّال الكُردستاني الذي تُصنّفه تركيا على قائِمة الإرهاب.

لا نتمنّى أن يَقع الرئيس أردوغان في المِصيدة الأمريكيّة التي تُريد استغلال مَشكلة الأكراد كورقة لزَرع الفَوضى في المِنطقة، وتقسيم دولها على أُسس طائفيّة وعِرقيّة، وهو الذي أكّد أكثر من مَرّة حِرصه على وِحدة التُّراب السوري، لأن تقسيم سورية سَيكون خُطوةً لتَقسيم تركيا أيضًا.

الرئيس أردوغان اعتبر الولايات المتحدة العَدو الأكبر والأخطر لبِلاده لأنّها تأوي الداعية فتح الله غولن الذي تتّهمه بالوقوف خَلف مُحاولة الانقلاب الأخيرة الفاشِلة، وتَرفُض تسليمه، وتَدعم قِيام كيانٍ كُرديّ على طُول حُدود تركيا الجنوبيّة بالمال والسَّلاح، ومع ذلك ها هو يتفاوَض مع الأمريكان ويتوصّل إلى حُلول معهم، ويُعيد نَقلهم من قائمة الأعداء الذين يَطعنونه في الظَّهر، إلى قائِمة الحُلفاء مُجدّدًا، وفي أقل مِن شَهرين.

حرب السنوات السبع الماضية لم تَنجح في إسقاط النظام، والدولة السوريّة بالتّالي، رَغم إنفاق الولايات المتحدة وحدها أكثر من 70 مليار دولار على تَسليح وتدريب قوّات المُعارضة السوريّة، وتَجنيد دُول أُخرى في مَشروعها هذا، ولا نَعلم حتى الآن حَجم إنفاق تركيا والدُّول الأُخرى، لانْعدام الشفافيّة، وغِياب الأرقام، وربّما يكون الوَقت قد حان لتَغيير السِّياسات، والانْخراط في حوارٍ تركيّ سوريّ لبِدءْ مَرحلةٍ جديدةٍ تُحقّق الأمن والاستقرار للطَّرفين والمِنطقة بأسْرِها، وبِرعايةٍ روسيّة.

اشتعال فتيل المُواجهات العَسكريّة في عِفرين بين القوّات السوريّة والتركيّة لن يكون في مَصلحة الطَّرفين، ولا نُبالغ إذا قُلنا بأنّ الطَّرف التركي سَيكون الأكثر تَضرّرًا لأنّه لا يُوجد الكَثير للسُّلطات السوريّة لِكَيْ تَخسره.
نَشْرَحْ أكثر ونقول أن تركيا استطاعت طِوال السنوات الـ15 الماضية من حُكم حِزب العدالة والتنمية أن تُحقّق إنجازات ضَخمة سياسيًّا واقتصاديًّا، واحتلّت المَرتبة الـ17 كأقْوى اقتصاد في العالم، ولم تَبدأ هذهِ الإنجازات في التّراجع إلا في السنوات السبع الماضية، عُمر الأزمة السوريّة، والغَرب عُمومًا كان الأكثر قَلقًا من حالة الصُّعود التركي هذه، لأنّه يَعتبر تركيا الإسلاميّة الخَطر الأكبر الذي يُهدّده، ولا يُمكِن أن ينسى أن قوّات الامبراطوريّة التركيّة دَخلت فيينا.

القوّات السوريّة لا يُمكِن أن تَذهب إلى مدينة عِفرين دون أخذ ضُوء أخضر من الرئيس فلاديمير بوتين، ومن يقول أو يعتقد بغير ذلك، يَخْدَع نفسه، قبل أن يَخْدَع الآخرين، فهل تُريد القِيادة التركيٍة أن تَنْسِف تحالفها مع موسكو، وتنقل إيران من خانَة الأصدقاء إلى خانة الأعداء، وتُدمِّر التفاهمات الاستراتيجيّة التي توصّلت إليها الأطراف الثلاثة في قِمّة سوتشي أواخِر العام الماضي؟

الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد عندما أدْرك أن دعم بِلاده لحِزب العُمّال الكُردستاني سيُؤدِّي إلى مُواجهةٍ مع الأتراك طَلب من زعيم الحزب أوجلان المُغادرة، ومَنع بذلك الحَرب، وحافظ على الدولة السوريّة وحَقن دِماء شَعبها في مُواجهةِ عَدوٍّ إسرائيليٍّ مُتربِّص. ما نَخشاه أن تكون “عِفرين” مِصيدة جَرى نَصبها بذكاء شديد من قِبل الولايات المتحدة وإسرائيل لاسْتنزاف روسيا وتركيا وسورية وإيران، لتَحويل الأنظار عن الخَطر الإسرائيلي الذي يُشكِّل التهديد الحقيقي للمِنطقة، وأمن واستقرار الوِحدتين التُّرابيّة والديمغرافيّة لِدُولها، ومن اسْتمع إلى خطابيّ بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، واتش آر مكمستر، مُستشار الأمن القومي الأمريكي وما وَرد فيهما من تَهديداتٍ يُدْرِك ما نَقول.

أمريكا حليفة لدولة واحِدة في المِنطقة هي إسرائيل، وتُوظِّف كُل سِياساتها في خِدمة مصالحها، وتَستخدم الآخرين كأدوات في هذا الإطار إذا استطاعت ذلك، وتركيا والأكراد والعَرب على رأسِها، ولهذا نَعتقد أن الاستماع لنَصيحة لافروف المَذكورة آنفًا ربّما يكون الطَّريق الأقصر لإحباط هذهِ المُخطّطات.. والكَلام مُوجّه هُنا لكُل الأطراف، والرئيس أردوغان خاصّةً.

صحيفة راي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى