كيري ولافروف: عملية إنقاذ لـ«جنيف السوري»

ساعات لحسم مصير «جنيف 3». الاجتماع نفسه الذي يعقده اليوم في زيوريخ، وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف، يمكن اعتباره مؤشراً بحد ذاته، على إرادة الطرفين التوصل إلى صيغة مقبولة، لإجلاس وفدين من المعارضة، ومن الحكومة السورية، وفريق الوساطة الدولية، حول طاولة مربعة في قصر الأمم المتحدة في جنيف الاثنين المقبل، لاستئناف العملية السياسية في سوريا، بعد عامين على انتكاسة «جنيف 2».

وحده المتحدث باسم الأمم المتحدة فرحان حق لمّح إلى إمكانية تأجيل مؤتمر جنيف، موضحاً أن الأمم المتحدة لن توجه دعوات لحضور المحادثات إلى «حين تصل الدول، التي تقود عملية المجموعة الدولية لدعم سوريا، إلى تفاهم لتحديد من توجه لهم دعوات من المعارضة».

وأتى الوزيران إلى زيوريخ كما كان متوقعاً في البداية، بعد أن اخفق نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف، خلال لقاء الأسبوع الماضي في جنيف، بإقناع مساعدة وزير الخارجية الأميركي آن باترسون، بطاولة مربعة، ووفد من 15 شخصية سورية شارك معظمها في مؤتمري موسكو العام الماضي، ويتبنى وجهة تفاوضية أكثر اعتدالاً، ويتيح تمثيلاً كردياً في المفاوضات التي أقصاه عنها وفد مؤتمر الرياض، بقرار تركي، كما يحسم علمانية الدولة السورية، بحسب إعلان فيينا.

وبدت الخلافات كبيرة، لان باترسون رفضت أي تغيير في وفد مؤتمر الرياض، وانفراده بتمثيل المعارضة، كما رفضت ضم أي أسماء إليه، من الأحزاب والشخصيات التي أقصتها الإرادات التركية والسعودية، مثل «حزب الاتحاد الديموقراطي»، اكبر الأحزاب الكردية في سوريا.

وقال نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف «سيبحث الوزيران جميع المسائل الخاصة بالتسوية السورية بناء على القرار 2254 (لمجلس الأمن)، وهي تنظيم مفاوضات سورية – سورية، ومكافحة الإرهاب والعملية السياسية، والوضع الإنساني، كما أن الحديث سيدور عن قوائم الإرهاب». وشدد على «ضرورة حل المشكلات العالقة إذا كنا متمسكين بالـ25 من كانون الثاني موعداً لبدء المفاوضات السورية – السورية».

وتقول مصادر روسية مطلعة إن الأميركيين باتوا مستعدين لتقديم تنازلات بشأن مطلبهم الأساسي تمثيل المعارضة بوفدين، وليس بوفد واحد يقتصر على المجموعة التي يرعاها المثلث التركي – القطري – السعودي.

وسيختبر لافروف، قبل انقضاء اليوم، صحة ما إذا كان الجانب الأميركي ووزيره جون كيري، على استعداد للتخلي عن مطالب هذا المثلث بالانفراد بتمثيل المعارضة السورية، أو مواصلة البحث عن صيغة وسط مرحلية تؤمن عقد الاجتماع، وتلبي ما نص عليه القرار 2254 من ضرورة انعقاد «جنيف 3»، مطلع هذا الشهر أصلاً، وعدم تجاوز الشهر من دون انعقاده، وإلا عد ذلك فشلا للطرفين وخرقا للقرار الدولي.

وتقول مصادر معارضة سورية إنها تبلغت من الجانب الروسي أن المباحثات الهاتفية التي أجراها الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والأميركي باراك أوباما، الأربعاء الماضي، للمرة الأولى منذ ستة أشهر، تؤمن قاعدة قوية لتفاهم الوزيرين في اجتماع زيوريخ، وان أوباما وبوتين قد اتفقا على مبدأ تمثيل المعارضة السورية بوفدين في جنيف.

وأقر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية جون كيربي بأنه «لا يزال هناك الكثير من العمل» أمام مفاوضات جنيف. وقال «ما زلنا نرغب بأن يتم الاجتماع في 25 كانون الثاني»، مؤكدا مع ذلك انه لا يعلم ما إذا كانت موسكو تحرص أيضا على أن تبدأ المفاوضات الاثنين المقبل كما هو مقرر. وأضاف «هناك بالواقع خلافات في وجهات النظر، وهذه الخلافات تزيد من تعقيدات العملية. ما زال هناك الكثير من العمل المفروض إنجازه كي يتم اللقاء».

وكان الروس قد وافقوا قبل عامين على اضطلاع الأميركيين وحدهم بتشكيل وفد المعارضة، الذي اشرف على تشكيله آنذاك سفيرهم السابق لدى سوريا روبرت فورد، وأفضى إلى الفشل، بسبب الخلاف على تحديد الأولوية في النقاش ما بين مكافحة الإرهاب، كما كانت تطالب الحكومة السورية، أو الدخول الفوري في العملية الانتقالية، وبالتالي العودة من جنيف إلى دمشق بمفاتيح السلطة، كما كانت تأمل المعارضة الائتلافية آنذاك .

واستبق وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لقاء زيوريخ، بالدفاع عن انفراد السعودية بتشكيل وفد المعارضة إلى جنيف. وقال، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الفرنسي لوران فابيوس في الرياض، إن «المعارضة السورية هي الوحيدة التي تستطيع تحديد من يمثلها في المباحثات، واللجنة العليا المنبثقة عن مؤتمر الرياض هي الجهة المعنية بتحديد من يمثلهم في المفاوضات، ولا يجوز لأي طرف آخر أن يفرض على المعارضة السورية من سيمثلون في المباحثات مع (الرئيس) بشار الأسد».

ويتماشى كلام الجبير مع قول رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، بعد اجتماع مع نظيره البريطاني ديفيد كاميرون في لندن، «تشاركنا هواجسنا المشتركة حول المفاوضات السياسية الخاصة بسوريا، التي ستنطلق خلال الأيام المقبلة، واتفقنا على وجوب تمثيل المعارضة السورية الحقيقية، وضرورة عدم تمييع وفد المعارضة».

ويتجاهل المثلث التركي – القطري – السعودي في محاولته فرض انفراد «معارضته» بالتفاوض مع الحكومة السورية، المتغيرات الكبيرة التي فرضها الانخراط الروسي في سوريا، والتبدلات الميدانية الواسعة التي فرضها هذا الانخراط في مساحة السيطرة، على كل الجبهات، وفي استعادة دمشق شطراً كبيراً من المبادرة الميدانية، وتحول اتجاهات الحرب بشكل أوسع، دولياً وإقليمياً، نحو مكافحة الإرهاب أولاً.

ومن المستبعد أن يقبل الروس البقاء خارج العملية التفاوضية، أو تحجيم دورهم، وتسليم السعوديين ووفدهم المعارض مفاتيح جنيف، والحل السياسي، والاكتفاء بمواصلة خوض العملية العسكرية ودفع أثمانها، إقليمياً ودولياً وداخلياً، وكل ذلك من دون حصة أو بوصلة سياسية، ودون شركاء في المعارضة، كما في الحكومة الحالية، يفاوضون في جنيف على مقربة منهم، لتوسيع قاعدة انخراطهم للمشاركة في إدارة المسار السياسي، بالتوازي مع «عاصفة السوخوي»، تحت سقف خريطة الطريق التي حددها إعلان فيينا، والتي تمنح الروس الوقت الكافي لترتيب أوضاعهم في سوريا، واستكمال أهداف العملية العسكرية ضد تنظيم «داعش»، واستكمال تحطيم الذراع التركي في الشمال السوري، وإخراج القوى المؤيدة لها من معادلة الصراع أو احتوائها على الأقل. وفيينا إعلان يبدأ بحكومة موسعة، فوقف لإطلاق النار، فتعديلات دستورية، وانتخابات حرة بعد 18 شهراً من إطلاق المسار.

ولم يقدم «الائتلافيون» أسماء وفدهم المفاوض، كما كان متوقعا، إلى الوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا، فيما أعلن رئيس «مجلس سوريا الديموقراطية» هيثم مناع عن لائحة من 38 إسماً، ليس من بينها اسمه، للتفاوض كوفد معارض ثان مستقل في جنيف. وتضم اللائحة الرئيسة المشاركة لـ «مجلس سوريا الديموقراطية» الهام احمد، وقدري جميل، وحبيب حداد، وبتار الشرع، وصالح النبواني، ومروان حبش وصالح مسلم محمد، وسمير عيطة.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى