كيف نَجحت الإمارات أخيرًا بإقناع السعوديّة بقُبول الرئيس صالح حَليفًا؟ ومَن سَيتزّعم حزب “المُؤتمر” من بَعدِه طارق أم أحمد؟

مُنذ ما يَقرُب من الثّلاثة أعوام، ودَولة الإمارات العربيّة المتحدة تُحاول إقناع حَليفتها السعوديّة، بأنّ أقصرَ الطّرق لكَسب الحَرب في اليمن تَتمثّل في استقطاب الرئيس علي عبد الله صالح، وفَكِّ تَحالُفِه مع جماعة “أنصار الله” الحوثيّة، ولكن القِيادة السعوديّة رَفضت بعِنادٍ التّجاوب مع كُل المُحاولات هذهِ، لأنّها تَرفض الغُفران، ونِسيان انقلابِه، أي صالح، عليها وهي التي أنقذت حياته، والوَقوف في الخندق الآخر، المُواجه، وعندما اقتنعت، لانعدام الخِيارات الأُخرى، واليأس من الحَسم العَسكريّ، وباتت مُستعدّةً لاحتضانِه حَليفًا، بعد أن فكَّ الشّراكة مع حُلفائه الحوثيين انهارت كُل مُخطّطاتِها بمَقتَلِه، ولم تَدمْ فَرحتها إلا 24 ساعةً فقط.

في بِداية الحَرب، أرسل الإماراتيون أحمد علي عبد الله صالح، نَجل الرئيس السّابق على مَتنِ طائرةٍ خاصّةٍ إلى الرياض للقاءِ الأمير محمد بن سلمان، الذي كان وليًّا لوليّ العَهد في حينها على أمل التّقريب بين الرّجلين، وإبعاد حزب “المُؤتمر” والرئيس صالح عن الحوثيين، ولكن الأمير بن سلمان تعاملَ مع ضَيفه بخُشونة، وقيل أنّه أصرّ على تَفتيشه، ووَجّه إليه ووالده العديد من الإهانات، ممّا جَعله، أي أحمد علي صالح، الخُروج من اللقاء غاضبًا والعَودة إلى أبو ظبي مَكسورًا، الأمر الذي ضاعفَ من اندفاع والده باتجاه الحوثيين الذين حارَبَهم سِتُّ مرّاتٍ وبدعمٍ سُعوديٍّ ولم يَفز بأيٍّ مِنها.

لا نَعرف كيف حَدث التّقارب بين الرئيس صالح والحِلف العَربي السعودي في الأيّام الأخيرة، وما هِي شُروط الصّفقة التي تَمخّضت عن اللقاءات السريّة التي تمّت في الغُرف المُغلقة، ولكن ما نَعرفه أن قُبولها، أي الصّفقة، من قِبَل الرئيس الرّاحل كان أكبرَ مُقامرةٍ في حياتِه السياسيّة التي امتدت لما يَقرُب من نِصف قرن، وكان هذا القُبول أحد أبرز أسباب مَقتله على يَد شُركائه الذين تَحوّلوا إلى خُصومه وأعدائه اللّدودين بين ليلةٍ وضُحاها.

***

انضمام الرئيس صالح للتّحالف السّعودي كان سيُغيّر مَوازين القِوى في الحَرب اليمنيّة لو طالَ عُمره لبِضعة أشهر، وربّما يُؤدّي إلى ترجيحِ كفّة هذا التّحالف، لأنّه رجلٌ داهية، ويَملُك كاريزما قياديّة غير مَسبوقة في اليمن، وربّما في الجزيرة العربيّة أيضًا، ولم يُخفِ رَغبته بنقلِ البُندقيّة من كَتفٍ إلى آخر طِوال العَشرة أشهرٍ الماضية، حيث وَجّه نِداءاتٍ عديدةٍ للسعوديين بفَتح حوار مَعه، ولكنّه لم يُقابَل إلا بالتّجاهل والصّد، وعندما غَيّر السعوديون مَوقفهم هذا، كان الوَقت مُتأخّرًا.

من الصّعب التكهّن بالتطوّرات المُقبلة على السّاحة اليمنيّة، لأنّها أكثر السّاحات في الوَطن العَربي استعصاءً على الفَهم والتّنبؤ بالنّسبة إلى المُحلّلين، أو حتى المُنجّمين البارعين، فمَن كان يَتوقّع أن تَطول الحَرب اليمنيّة ما يَقرُب من الثّلاث سنوات، ومن كان يَحلم أن تُغيّر السعوديّة مَوقِفها وتتحالف مع صالح خَصمها اللّدود، ومن كان يَتصوّر أن الحوثيين سيَقتلون شريكهم صالح بهذهِ السّهولة، وبعد أقل من 24 ساعة من إعلانه فَكْ التّحالف مَعهم، ومن كان يَعتقد أن طائرات “عاصفة الحزم” ستَفشل في تَأمين انتقالِه إلى بَلدته سنحان، وتوفير الحِماية له، مِثلما جَرى الاتفاق، كما تَحدّث أكثر من مَصدرٍ في هذا الإطار.

السّؤال المَطروح الآن هو حول مُستقبل “حزب المُؤتمر” بعد مَقتل رئيسه ومُؤسّسه؟ ومن هي القِيادة الجديدة التي ستتزعّمه؟ هل سَيكون الجنرال طارق عبد الله صالح، ابن شقيق الرئيس الراحل، أم نجله الجنرال أحمد علي عبد الله صالح الذي يُقيم حاليًّا في أبو ظبي، وهل سيُحافظ الحِزب على وِحدَتِه، ويُعززها بضَم المُنشقّين عنه الذين انحازوا إلى الرئيس عبد ربه منصور هادي، ولَحقوا بِه إلى الرياض، أم سيُواجِه انشقاقاتٍ جديدة.

لا نَملُك إجاباتٍ شافية في هذا المِضمار، لأن مُصاب الحزب وأعضائه وقيادتِه كبيرٌ جدًّا بمَقتل قائده وزَعيمه، والصّدمة أكبر من أن يَتم امتصاصها بسُهولةٍ، والانتقال إلى المَرحلة التّالية.

ظاهريًّا هُناك اعتقاد يقول أن تيّار “أنصار الله” الحوثي خَرجَ الفائز الأكبر من مَقتل الرئيس صالح، لأن بعض قادَتِه، أو مُعظمِهم على وَجهٍ أصح، يَعتقد أنّهم تَخلّصوا من خَصمٍ عنيد، وباتوا وحيدين في السّاحة دون مُنافسٍ، أو بالأحرى، اليمن الشّمالي أو مُعظمه، ولكن ربّما يكون من المُبكر الجَزم بصِحّة هذهِ النظريّة، لأن الجَبهة المُضادّة لهم داخليًّا وخارجيًّا ما زالت قويّةً، وحَجم العَداء لهم يتضخّم بعد تَباهيهم وشَماتتهم بقَتل الرئيس صالح.

باطنيًّا لا يُمكن استبعاد ظُهور تحالفاتٍ قبليّةٍ جديدةٍ تلتف حول حِزب المُؤتمر، وبدعمٍ سعوديٍّ إماراتي، تُشكّل جبهةً جديدةً ضِد تيّار “أنصار الله”، مُرتكزةً ومُستغلّةً لعَمليّة الاغتيال، وحالة الغَضب في أوساط أنصارِه داخل اليمن وفي الشّتات، وحتى تتبلور هذه النظريّة وتتّضح، فإنّها تحتاج إلى بَعضِ الوَقت.

***

إيران ستكون دون أدنى شك من بين أكبر المُستفيدين من مَقتل الرئيس صالح، لأنّها لم تَطمئن إليه مُطلقًا، ولم تَستجب لنداءاتِه بالتّحالف معه، وكادت تَخسر رِهانها في اليَمن بعد تقاربِه مع التّحالف السّعودي المُفاجِئ، ووَضعت كل بَيضها في سَلّة الحليف الحوثي، الذي تَرتبط بِه بروابط عقائديّة وسياسيّة، ومَذهبيّة أيضًا، فالصّواريخ الباليستيّة الحوثيّة إيرانيّة الصّنع، وحتى لو قبلنا بالرواية التي تَقول بأنّه تم تَركيبها مَحليًّا، فإن مُكوّناتِها وخُبراتِها التكنولوجيّة إيرانيّة المَنبع، تمامًا مِثل صواريخ “حماس″ و”الجِهاد الإسلامي” في قِطاع غزّة، و”حزب الله” في جنوب لبنان.

الرئيس الراحل علي عبد الله صالح كان يَطربْ لمَقولة أنّه يُجيد الرّقص فوق رؤوس الثّعابين، التي يَملُك حُقوق نَشرها، ولكنّه لم يَخطر في بالِه مُطلقًا أن اللّدغة القاتلة ستَأتيه من أقرب الحُلفاء إليه، أي “أنصار الله”، فقَبل أن يَتعشّى بِهم بالتّحالف مع “عاصفة الحزم” تَغدّوا بِه بسُرعةٍ قياسيّة، بعد ساعاتٍ من فَكْ التّحالف مَعهم.

الشّاعر اليَمني الكبير عبد الله البردوني قال بيتًا شِعريًّا تَحوّل إلى حِكمةٍ تُلخّص حالَ بِلاده، “ركوب اللّيث ولا حُكم اليَمن”، وما جَرى للرئيس صالح، يُؤكّد هذهِ الحقيقة، فمَهما امتلك الرّجل من الدّهاء والحِنكة، فإن لهذا الدّهاء وهذهِ الحِنكة ومَفعولِهِما نهايةً مَهما بَلغا من العَظمة.

رَحِم الله الرئيس علي عبد الله صالح الذي قال لي في أيّار (مايو) عام 2000 وهو يَقود سيّارته وأنا جالس بِجانبه، أنّه أخذ السّلطة بالقوّة، مُشيرًا إلى خِنجَره، ولن يَترُكها إلا به، وكان له ما أراد، وعَزاؤه أنّه رَفضَ أن يُغادر اليمن رَغمَ كُل المُغريات، وعاشَ ودُفِنَ في تُرابِه، بعد أن قاتل حتى اللّحظةِ الأخيرة في حياتِه اختلف مَعه البَعض أو اتّفق.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى