كيماوي سوريا ونووي ايران (فاروق يوسف)

 
فاروق يوسف
 

استفادت ايران من الدرس السوري، بعد أن كانت مساهمتها في الحرب قد دفعت بسوريا إلى نقطة اللاعودة. ها هي تساوم بما كانت قد عرضته سابقا.
 بعد المبادرة الروسية التي جنبت سوريا ضربة أميركية كانت محققة، بدا واضحا أن الاهتمام الغربي كله صار منصبا على عملية نزع السلاح الكيماوي السوري.
لم يعد هناك مَن يتحدث عن الحرب في سوريا، كما لو أن كل شيء قد تمت تسويته. كما لو أن كل مظاهر الغضب التي عمت العالم الغربي قبل أن يطرح الروس مبادرتهم كانت متعلقة بالسلاح الكيماوي، الذي ما أعلن النظام السوري عن موافقته على تفكيكه حتى تنفس الغرب الصعداء وأزاح صخرة ثقيلة عن صدره.
هنالك ما لا يمكن أن يفهمه المرء، بسبب غرائبية الموقف الغربي.
قبل المبادرة الروسية كانت هنالك حرب في سوريا، بل أن تلك الحرب كانت مشتعلة قبل أن يُعلن عن استعمال الغازات السامة في غوطة دمشق. كان هناك قتلى ومشردون ونازحون وجرحى وخراب شامل.
بعد المبادرة لا تزال تلك الحرب قائمة. بل أن تلك الحرب قد فرخت حروبا. ولم يعد هناك طرفان يتقاتلان وحدهما، النظام ومعارضيه. اليوم يقاتل الجميع الجميع، فيما لا تتوانى كل الأطراف عن استعمال الشعب السوري دروعا بشرية يحتمي وراءها.
بعد مأثرة الكيماوي أتسعت جغرافيا الجريمة وثقل ميزانها.
اتسعت دائرة القتل وكثرت أعداد المشردين وصارت قوارب الموت تعلن عن ضيوف سوريين قد أضيفوا إلى لوائح الغرقى.
يعلق بعض السوريين بمرارة وهم يشعرون بالحيرة: "كانت المشكلة تتعلق بالسلاح الكيماوي إذن" هنا يضع ذلك البعض مضطرا يده على مكان بعينه على الخارطة. بالنسبة للغرب فان حماية أمن اسرائيل كانت ولا تزال أكثر اهمية من وقف القتل في سوريا.
وكان الروس أذكياء في الضرب على ذلك الوتر الحساس.
لقد طرحوا مبادرتهم وهم يعرفون قيمتها بالنسبة للغرب والتي لا تقدر بثمن.
المبادرة الايرانية ليست بعيدة عن ذلك المنطق الذي ينطوي على الكثير من الدهاء.
انتخاب رئيس ايراني جديد، يقال انه اصلاحي ومنفتح مقارنة بسلفه المتشدد والمحافظ نجاد، ليس سوى مناسبة لقول شيء مختلف، هو في حقيقته الشيء نفسه الذي كان نجاد في ظرف مختلف.
بعد كل ما أنجزته لن ترضى ايران بتفكيك قدرتها النووية.
غير أن وضعا دوليا جديدا تتوقع حدوثه بعد انتهاء الحرب في سوريا نظريا، ذلك لان تلك الحرب ستظل مستمرة بطريقة تجعل منها شأنا داخليا مغلقا، قد يؤدي إلى تشديد الحصار عليها. وهو حصار لن تقوى ايران على الصمود أمامه طويلا.
هذا الوضع المتوقع هو ما دفع القيادة الايرانية إلى الشعور بالقلق وهو ما دفعها إلى تقديم هدية إلى الغرب سيكون وقعها شبيها بالهدية التي قدمها الروس إلى الغرب من خلال مبادرتهم الخاصة بنزع السلاح الكيماوي السوري.
"لن يكون المشروع النووي الايراني موجها ضد اسرائيل"
تلك الجملة الواضحة في مغزاها لن يقولها أحد من المتفاوضين، لا في ايران ولا في الغرب. لا لأن الطرفين يشعران بالحرج بسببها، بل لأنهما يدركان أنها الأساس الذي تقوم عليه أية محاولة للتفاهم في شأن اعادة رسم خارطة لشرق أوسط جديد.
ولأن ايران تريد لها موقعا متميزا على خارطة ذلك الشرق الأوسط، فانها مستعدة لا لتقديم تنازلات للغرب، هو في غنى عنها ولا يحتاجها كما يظن البعض بل للمساهمة في صناعة مشهد مسرحي يمهد لنوع جديد من التفاهمات الاقليمية تكون ايران جزءا مبرزا منه، بل وصانعا له.
لقد رحب الغرب بالمبادرة الايرانية ووصفها بالمشجعة، بالرغم من أنها لم تأت بجديد، من جهة أنها لن تؤثر على طموحات ملالي طهران في الانضمام إلى النادي النووي.
استفادت ايران من الدرس السوري، بعد أن كانت مساهمتها في الحرب قد دفعت بسوريا إلى نقطة اللاعودة.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى