تحليلات سياسية

لعبة «الإخوان المسلمين» الطويلة: الحزب الحاكم في مصر يشق طريقه إلى الحكم (إيريك تراغر)

إريك تراغر

خلال الثمانية عشر شهراً منذ الإطاحة بحسني مبارك، صعدت جماعة «الإخوان المسلمين» بسرعة من الكهف إلى القصر. ففي نيسان/أبريل الماضي أسست «الجماعة» “حزب الحرية والعدالةالذي يهيمن على الساحة الآن، وفازت بأغلبية كاسحة في الانتخابات البرلمانية التي جرت خلال الشتاء الأخير، كما احتفلت بفوز مرشحها محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية في مصر. وبعد 84 عاماً من استغلال «الإخوان» لشبكات الخدمات الاجتماعية الممتدة عبر البلاد لبناء دولة إسلامية في مصر من القاع إلى القمة، تسعى «الجماعة»، لأول مرة، إلى تشكيل المجتمع المصري من القمة إلى القاع.

ومع ذلك، هناك أمراً مريباً: فمعظم المكاسب التي حققتها «الجماعة» ما هي إلا مسميات فقط. ففي مطلع حزيران/يونيو، أصدرت محكمة دستورية حكماً بإلغاء الانتخابات البرلمانية وحل البرلمان الذي يهيمن عليه «الإخوان المسلمون». ثم ما لبث “المجلس الأعلى للقوات المسلحة” [“المجلس العسكري”] أن أصدر إعلاناً دستورياً – قبل إجراء الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية – استولى بموجبه على السلطة التنفيذية من الرئاسة، وبذلك حوّل مرسي في النهاية إلى شخصية دون أي صلاحيات تقريباً.

ويسعى «الإخوان» إلى تشكيل جبهة موحدة مع الأحزاب السياسية الأخرى في مصر. وقد بدؤوا بهذه الجهود قبل أسبوع من إعلان فوز مرسي بالرئاسة، وذلك لإثناء “المجلس العسكري” عن تزوير الانتخابات لصالح المرشح من عهد مبارك أحمد شفيق. وعلى مدار يومين من المفاوضات المكثفة، التقى مرسي بطيف واسع من الجماعات السياسية والناشطين، واعداً إياهم بتعيين نائبَيْن له – مسيحي وإمرأة – وكذلك حكومة لا يهيمن عليها «الإخوان». وقد استخدم قادة «الجماعة» هذا الاتفاق كدليل على نيتهم تشكيل حكومة تمثل الجميع. وقد صرح لي النائب البرلماني من «الإخوان» خالد الديب قائلاً “إننا نقف إلى جانب جميع القوى السياسية من أجل نفس المطالب”. ويبدو أن مشروع «الإخوان» الحالي لتوحيد الصفوف سيلقى نفس المصير، فرغم التقارير الأولية بأن «الجماعة» لن تستحوذ على أكثر من 30 في المائة من الحكومة الجديدة إلا أن رئيس كتلة «الإخوان» في البرلمان المصري فريد إسماعيل قال مؤخراً في تصريحات لصحيفة الأهرام أن «الجماعة» قد تستحوذ على ما يصل إلى نصف المناصب في الحكومة الجديدة. كما يبدو أن «الإخوان» عازمين على السيطرة على عملية اختيار مجلس الوزراء لضمان أن لا يحمل الكثير من الوزراءمن غير «الإخوان» – إيديولوجيات أخرى، ويمكن تحييدهم من خلال تعيين نواباً لهم ينتمون إلى «الجماعة». وقد قال لي القيادي البرلماني «الإخواني» سعد الحسينيلدينا أكثر من مرشح واحد [من «الإخوان»] لكل منصب وزاري، وبعض من هؤلاء المرشحين يمكن أن يكونوا نواباً للوزراء وربما نرشح شخصاً من [خلفية] تكتنوقراطية أو أن نطلب ترشيحات من الأحزاب الأخرى“. أما الشق الثاني من إستراتيجية «الإخوان» للتهدئة المؤقتة فتتضمن التنسيق مع الجيش. وقد أكد لي النائب البرلماني من قبل «الإخوان» خالد الديب قائلاًلقد تأسست هذه العلاقة من اليوم الأول، [وتستند] على انعدام التصادم وانعدام الاتفاق الكامل“. غير أنه في الأسبوع الذي سبق الإعلان عن فوز مرسي، كان قادة «الإخوان» سعد الكتاتنى وخيرت الشاطر، من بين آخرين، قد التقوا بين الحين والآخر مع جنرالاتالمجلس العسكري، ويبدو أنهم قد اتفقوا على إعلان فوز مرسي مقابل التغاضي عن نقاط أخرى من الخلاف. وهذه اللقاءات التي حضرها مرسي نفسه، أدت إلى حدوث تحول في خطاب «الجماعة».

فبعد أشهر من اتهامالمجلس العسكريبالسعي لإجراء الانتخابات الرئاسية والقيام بانقلاب، يشيد الآن قادة «الإخوان» بالوظيفة المشرفة التي يقوم بهاالمجلس الأعلى للقوات المسلحة“. وفي خطاب توليه منصبه يوم السبت صرح مرسي بأن “«المجلس العسكري» أوفى بعهده ووعوده التي قطعها على نفسه بألا يكون بديلاً عن الإرادة الشعبية“.وقد ألمح قادة «الإخوان» أيضاً أن بإمكانهم التعايش مع سلطةالمجلس العسكريالتي أسندها لنفسه عبر الإعلان الدستوري المكمل، على الأقل في الوقت الراهن. وقال لي القيادي البرلماني «الإخواني» سعد الحسيني بأنالإعلان الدستوري المكمل لا يمنح السلطة المطلقة إلى «المجلس العسكري» – بل يمنحه حق التشريع فقط، وللرئيس حق الفيتو“. وحتى يبدو أن «الإخوان» هم على استعداد لقبول استقلال ميزانية الجيش ووقوعها تحت إشرافالمجلس الأعلى للقوات المسلحة“- وهو مطلب رئيسي لـالمجلس العسكري” – طالما يتم إطلاع لجنة مدنية مصغرة بالتفاصيل. وقالت لي النائبة «الإخوانية» عزة الجرفلا يمكنني طرح ميزانية الجيش للمناقشة العلنية أمام البرلمان. يجب أن يناقشها عدد قليل من أعضاء البرلمان في سرية تامة“. وكنتيجة لذلك، فإن الأرصدة التجارية العسكرية الواسعة، التي يقال أنها تمثل بين 15 إلى 40 في المائة من الاقتصاد المصري تبدو آمنة في الوقت الحاضر.ولاتشكل ترتيبات «الإخوان» معالمجلس العسكريمفاجأة. فهي تتماشى مع استراتيجية «الجماعة» الطويلة المدى والتي تقوم على تجنب المواجهات مع السلطات الأكثر قوة، من خلال التفاوض على حجم أنشطتها السياسية. وفي الواقع، كان مرسي رجل «الإخوان» الذي تولى شؤون هذه المفاوضات خلال السنوات الخمس الأخيرة من حكم مبارك، باستخدامه الاتفاقات للتنسيق من أجل مشاركة «الإخوان» في الانتخابات البرلمانية والتفاعل المحدود مع الحركات الاحتجاجية المختلفة. وكونها جماعة متماسكة تأسست قبل 84 عاماً، فتضع عادة الأهداف التنظيمية مثل الوصول إلى السلطة تدريجياً، قبل الأهداف الإجتماعية الأوسع مثل إنهاء الحكم الاستبدادي بسرعة أكبر. وقد قال لي مرسي في آب/أغسطس 2010 “إن برنامجنا هو على المدى البعيد وليس على المدى القصيرمضيفاًلو كنا نسرع الأمور، لا أعتقد أن ذلك سيؤدي إلى موقف مستقر بصورة حقيقية“.

 بيد،هذه هي ليست المرة الأولى التي تحاول فيها جماعة «الإخوان» حماية نفسها بالتوافق مع الفصائل الأخرى، ويؤكد التاريخ على أن هذه الاتفاقات تكون عادة قصيرة الأجل. ففي حزيران/يونيو 2011، انضم «الإخوان المسلمون» إلىحزب الوفدالوطني لتكوينالتحالف الديمقراطي من أجل مصر، وهو ائتلاف انتخابي ضم في أفضل حالاته ما يقرب من 40 حزباً سياسياً بدءاً من الأحزاب الاشتراكية وحتى السلفية. ولكن بحلول أيلول/سبتمبر، انهارالتحالف الديمقراطيبسبب إصرار «الإخوان» على الاحتفاظ بنسبة 40 في المائة من مقاعد التحالف لأعضائهم، وبالتالي سيتركون مقاعد قليلة جداً لإرضاء الأحزاب المتحالفة الأخرى مما دفع معظمها إلى الانسحاب. إلا أن تأثير ذلك كان ضئيلاً: فهذا الائتلاف الذي لم يدم أكثر من ثلاثة أشهر قد مكّن «الإخوان» من بناء صورة لهم ككيان سياسي قيادي، أسفر في النهاية عن فوزهم بأكثرية بلغت 47 في المائة من المقاعد في الانتخابات البرلمانية التي جرت في الشتاء.

كما أن وعد «الإخوان» بتعيين سيدة ومسيحي نواباً للرئيس هي خطوة رمزية أكثر من كونها تقاسماً حقيقياً للسلطة، حيث أشارت مصادر من «الجماعة » بأن مرسي قد يعين خمسة نواب، لتقويض نفوذ نائبيه المسيحي والمرأة. وعلاوة على ذلك، لكي يتم منع سيدة أو قبطي من خلافة الرئيس في حال وفاته، يسعى «الإخوان» إلى الإبقاء على مادة دستورية حالية تقضي بتولي رئيس مجلس الشعبالزعيم «الإخواني» الحالي سعد الكتاتنيلمنصب الرئاسة. وقد أكد المتحدث باسممكتب الإرشادمحمود حسينمستشهداً بمبدأ من مبادئ الشريعةقائلاً أنهلا يمكن لدولة ذات أغلبية مسلمة أن يحكمها غير مسلم“.

وأشارت «الجماعة» إلى أنها تقبل الآن عدداً من المطالب الرئيسية لـالمجلس العسكريالتي كانت تعارضها من قبل. وفي هذا السياق، وبعد إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية، صرح مرسي بأنه لن يؤدي اليمين الدستورية إلا أمام البرلمان كورقة ضغط علىالمجلس العسكريلكي يلغي قرار حل البرلمان. ولكنه وافق في النهاية على أداء اليمين الدستورية أمامالمحكمة الدستورية العليا، مما يعني اعترافاً ضمنياً بالإعلان الدستوري المكمل الذي أصدرهالمجلس الأعلى للقوات المسلحة“.

وباختصار، تم تأجيل المواجهة التي طال انتظارها بينالمجلس العسكريو«الإخوان»، ونتيجة لذلك كان الكثير من المصريين سعداء من هذه المحصلة. وعلى كل حال، بدت القاهرة على شفا كارثة قبل بضعة أسابيع، عندما تدفق عشرات الآلاف من المحتجينالذين ينتمي معظمهم للتيار الإسلاميإلىميدان التحرير، حيث أعلن بعضهم عن استعداده للموت إذا ما تم الإعلان عن شفيق رئيساً للبلاد. غير أن الهدوء الحالي ومحاولة «الإخوان» لم الشمل مع قيامهم في الحين نفسه باستيعابالمجلس العسكريلن يدوم طويلاً. وسيحاول «الإخوان» استغلال هذه الفترة لبناء شرعيتهم باعتبارهم الحزب الحاكم القادم في مصر مع استئناف الضغط لجني المزيد من السلطة حين تهدأ الأجواء.

بيد أنه بعد أسابيع من التوتر المتصاعد مع “المجلس الأعلى للقوات المسلحة”، بما في ذلك قيام مظاهرات حاشدة ضد استيلاء “المجلس العسكري” على السلطة، يعمل «الإخوان» على تهدئة الأمور. فـ «الجماعة» تخشى من أن السعي للحصول على المزيد من الصلاحيات في الوقت الحاضر يمكن أن يؤدي إلى زيادة الاضطرابات وإثارة القلاقل في البلاد وإبعاد الشعب المنقسم بشدة. كما يتخوف «الإخوان» من تكرار سيناريو الجزائر من عام 1991، عندما ردت حكومة البلاد – المدعومة من قبل الجيش – على الانتصار الانتخابي الذي حققه الحزب الإسلامي بشن حملة قاسية نجمت عنها في النهاية اندلاع حرب أهلية. ولتجنب المزيد من العنف وتعزيز مكانتها في الحياة السياسية المصرية، تأمل «الجماعة» الآن بخلق فترة من الهدوء على المدى القصير لكي يتسنى لها التصرف على نحو أكثر حسماً في المستقبل.لكن هذا لا يعني أن «الإخوان» يعتزمون استيعابالمجلس العسكريإلى أجل غير مسمى. فعلى سبيل المثال، في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي عقد «الإخوان المسلمون» صفقة معالمجلس الأعلى للقوات المسلحةوافق بموجبها «الإخوان» على تجنب احتجاجاتميدان التحريرالعنيفة مقابل موافقةالمجلس العسكريعلى إجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها. إلا أن الاتفاق قد انهار في آذار/مارس حين هددالمجلس العسكريبحل البرلمان، فما كان من «الإخوان المسلمين» إلا أن يتراجعوا فجأة عن وعدهم بعدم تقديم مرشح للرئاسة. وعلاوة على ذلك، يبدو من غير المرجح أن تقبل «الجماعة» بالقيود طويلة المدى المفروضة على السلطة التي اكتسبتها في الانتخابات. وقد صرح لي البرلماني «الإخواني» أسامة سليمان بأنملكية الجيش تعود إلى الشعبوأن “[الرقابة المدنية على القوات العسكرية] هي إرادة شعبيةولا أحد يمكنه إيقاف الإرادة الشعبية“.

 

مجلة فورين بوليسي الأمريكية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى