لماذا التزم الرئيس عباس الصّمت ولم يَتحدّث مُطلقًا عن نتائجِ زِيارته للسعوديّة؟

التزم الرئيس الفِلسطيني الصّمت المُطبق، وحَرص أن لا تتسرّب أيَّ معلوماتٍ عن زِيارته إلى الرياض، حيث حَظِي باستقبالٍ وحفاوةٍ غير مَسبوقين من مُضيفيه السعوديين، خاصّةً العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز الذي أقام حَفْل استقبالٍ على شَرَفِه.
مُعظم الزيارات السّابقة للرئيس محمود عباس إلى المملكة العربيّة السعوديّة كانت خاطفةً، سريعةً، لا تَزيد عن يومٍ واحد، وكان المَسؤولون السّعوديون يَتهرّبون مِنه وغالبيّة طلباته، والماليّة منها على وَجه الخُصوص، وكان نادرًا أن يعود من الرياض بوجهٍ باش.

الزّيارة الأخيرة التي جَرى ترتيبها على عَجَلٍ، وكانت أقرب إلى الاستدعاء منها إلى زيارةِ زعيم دولة، تزامنت مع تحرّكٍ سعوديٍّ جديدٍ ضِد إيران وحُلفائها خاصّةً في لبنان، إذا كانت الصّفقة الكُبرى التي يَعكف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصِهره جاريد كوشنر على إعدادها بالتّنسيق مع بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، قد كانت مَطروحةً على جَدول الأعمال، والتّركيز على دَعم السلطة الفِلسطينيّة على دَعم الرئيس ترامب من أجلِ دعم المَشروع السعودي ضد إيران وحزب الله.

القيادة السعوديّة لا تُريد تقاربًا بين حَركتي “فتح” و”حماس″، وتتطلّع إلى انحياز الرئيس عباس وسُلطته إلى خُطّة المُواجهة الني تَستعد لخَوضها في لبنان، ضِد “حزب الله” على وَجه التحديد وتَجنيد المُخيّمات الفِلسطينيّة التي تَضم أكثر من 300 ألف فِلسطيني في مُعسكرها.
صاحب القرار في السعوديّة يُريد استنزاف إيران في الأطراف، أي في لبنان (حزب الله)، واليمن (التّحالف الحوثي الصالحي)، وفي العِراق (إحياء الخِلاف الطّائفي السُّني الشّيعي)، ويَعتبر الغِطاء الطّائفي الفِلسطيني عُنصر أساسي في هذا الصّدد واللّعب على المُكوّن الطائفي الفِلسطيني السُّني في مُواجهة المُكوّن الشّيعي في البِلاد المَعنيّة، وخاصّةً في لبنان.

نَفس الوَرقة الطائفيّة جَرى تَوظيفها في بداية الأزمة السوريّة، وحقّقت نجاحًا مَلموسًا، خاصّةً في أوساط حركة “حماس″ ومُؤيّديها، ولكن هذهِ الوَرقة “بَهتت” وفَقدت مَفعولها تَدريجيًّا لعدّة أسباب، أبرزها صُمود الجيش، وعدم انهيار الدولة السوريّة ومُؤسّساتها الأمنيّة مِثلما كان مُتوقّعًا، وإطالة أمد الحَرب لما يَقرب من سَبع سنوات.

القيادة السعوديّة لا تَثق بحَركة “حماس″ وتَعتبرها حليفًا استراتيجيًّا لإيران، خاصّةً بعد انفجار قِيادتها الجديدة المُتشدّدة من “صُقور” الدّاخل الفِلسطيني، وتُراهن على وَرقة “الشرعيّة” التي يُمثّلها الرئيس عباس، ونُفوذ حَركة “فتح” في المُخيّمات الفِلسطينيّة في لبنان التي يُمكن أن يَقف مُقاتليها في الخَندق السعودي في مُواجهة “حزب الله”.

من المُؤكّد أن الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، عَرض صفقةً ماليّةً وسياسيّةً كبيرةً على الرئيس الفلسطيني لا نَستطيع التكهّن بتفاصيلها، لأننا ببساطةٍ لا نَمْلُك المَعلومات، والسّؤال الأهم هو ما إذا كان قَبِلها أم لا. المُخيّمات الفِلسطينيّة في لبنان هي غَيرها أيام الفكهاني، عندما كانت المُقاومة الفِلسطينيّة في ذروة قوّتها، ويَتزعّمها الرئيس الشهيد ياسر عرفات، ولا بُد أن خلفه الرئيس عباس الذي أهمل هذهِ المُخيّمات ومُقاتليها وأسر شُهدائها طِوال السنوات العَشر الماضية على الأقل يُدرك هذهِ الحقيقة.

الشّعب الفِلسطيني، أو القِطاع الأعرض مِنه في لبنان، لن يَنخرط في مُعظمه في حَرب ضِد “حزب الله” لأنّه يَنبذ الطائفيّة واستعادة حركة “حماس″ لعَلاقاتِها مع إيران، وتَوثيقها لتَحالفها مع “حزب الله” في لبنان بصُورةٍ أقوى من أيِّ وقتٍ مَضى، قد يَلعبان دورًا كبيرًا في تَكريس هذا المَوقف، وأفضل ما يُمكن أن تتوقّعه القيادة السعوديّة من المُخيّمات، أن تَقف، أو مُعظمها، على الحِياد.. ولا تُقاتل في صُفوف “حزب الله”، وهذا أمرٌ من الصّعب الجَزم به.. لأن الطّرف الآخر المُضاد لم يتعامل مَعها إلا بالشّكوك والازدراء ومن زاويةٍ عُنصريّةٍ بَغيضة.. والله أعلم.

صحيفة رأي اليوم الإلكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى