لن يكون الخلاص في سوريا إلا سورياً (فاروق يوسف)

 

فاروق يوسف

حين يعترف الرئيس الاميركي بعجز بلاده عن التدخل في سوريا، فذلك يعني أن لا معنى في الرهان على الحلول الخارجية من أجل وضع حد للحرب المأساوية التي تشهدها سوريا. فالمجتمع الدولي إن شعرت أطرافه بأن الأزمة السورية قد تجرها إلى مستنقع، لن يكون الخروج منه يسيرا، لن يضيره في شيء أن يقف متفرجا، فيما يستمر القتل والدمار والتهجير في سوريا.
غير أن الازمة السورية وبعد أن تم تدويلها لم تعد لتقع بين أيدي أبنائها أو ما يسمى بالقوى الفاعلة على الارض. لقد تقلبت تلك الازمة بين مختلف أحوالها لتكون صناعة خارجية يمثل النزاع الدموي الداخلي مرآة لتطوراتها، صعودا وهبوطا، اقبالا وجفاء. لقد فقدت أطراف كثيرة القدرة على التحكم بالنزاع، بضمنها تلك القوى التي تهب النزاع وجها عمليا، وهي قوى تقف اليوم في حيرة من أمرها.
فهل انتهى المقاتلون إلى قناعة مفادها، أن الاستمرار في القتال هو الحل الوحيد المتاح، بعد أن تأكد لهم أن أي حل دولي بعد جنيف 2 يبدو نوعا من الرجاء الخائب؟ شيء من هذه القبيل يمكن توقعه في ظل جمود الموقف السياسي على مستويات محلية واقليمية وعاللمية. فليست الولايات المتحدة وحدها مَن صارت تشعر بالعجز في مواجهة ازمة إنسانية طاحنة قابلة للاتساع كل لحظة، بل تبدو اطراف مساهمة كثيرة على القدر نفسه من العجز.
في هذا السياق لا يزال هناك مَن يعتقد أن المجتمع الدولي قد خذل الثورة السورية، وفي ذلك تتساوى الاطراف الداعمة للثورة لأنها لم تمض إلى النهاية في دعمها، بل أن الكثير منها صار يعيد النظر في موقفه والأطراف التي وقفت مع النظام وحمته من مواجهة مسؤوليته عما جرى.
وبغض النظر عن ذلك الاعتقاد الذي ينطوي على شعور عظيم بالخيبة، مصدره الاستمرار في النظر إلى الازمة السورية، من جهة تداعياتها العالمية، فان التطورات على الارض وبالاخص على مستوى دخول الجماعات الدينية المتشددة طرفا سياسيا في القتال قد أطاحت بكل المعادلات السابقة.
فالمعارضة السورية الرسمية لم ولن تقوى على استيعاب جماعات مسلحة غير راغبة أصلا في الانسجام مع تطلعات الشعب السوري. الامر الذي جعل تلك المعارضة عاجزة عن التحكم بحركة جزء غير قليل من المقاتلين على الارض. وهو ما يعني أنها فقدت جزءًا مهما من قوتها سواء في التفاوض السياسي أو في الحسم العسكري.
وإذا ما كان النظام يشير إلى تلك الجماعات المصنفة عالميا باعتبارها جماعات ارهابية كونها تمثل عدوا مشتركا لجميع السوريين، بغض النظر عن توزعهم بين موالاة ومعارضة، فانه يضع يده على الحل الذي سيكون سورياً خالصا.
فما يجنب سوريا المزيد من الانهيار انما يكمن في التصدي للارهاب الذي صارت الجماعات المسلحة تمارسه على الارض، مستغلة غياب الشعور بالمسؤولية لدى النظام والمعارضة معا.
هذا لا يعني بالضرورة أن تصطف المعارضة إلى جانب النظام وتقبل به كما هو عليه، في الصيغة التي تظهره منتصرا، في حرب صار واضحا أن ما من طرف سوري سيخرج منها منتصرا.
غير أن التفكير بما يمكن أن ينتهي إليه تكريس وجود الجماعات المسلحة من هزيمة للمشروع الوطني السوري لا بد أن يدفع بالمعارضة والنظام إلى مراجعة موقفيهما، وصولا إلى النقطة التي يمكن من خلالها الانتقال إلى مرحلة جديدة من الحوار السياسي الذي يهدف في الدرجة الاساس إلى خلق قاعدة للتعايش السياسي الذي لن تتمكن الجماعات الارهابية من اختراقها، لانها تستلهم ركائزها من مشروع وطني سوري، لن ينفرد طرف واحد به.
لقد تأخر السوريون كثيرا في اكتشاف حقيقة أن الخلاص لن تحل ساعته إلا من خلال مراجعتهم النقدية لما فعلوه بأنفسهم. آن لهم أن يعترفوا بأن الحل لن يكون إلا سورياً.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى