ليلة الانقلاب على أردوغان : السوريون يطلقون الرصاص ومدافع جهنم!

تفتح تلك الليلة الغريبة في مستجدات الحرب السورية على أسئلة من نوع خاص، أهمها ذلك السؤال الذي يذهب بعيدا إلى تركيا، ويجعل من الحدث التركي (ليلة الانقلاب على أردوغان) مهرجان سعادة في مختلف اتجاهات الأماكن الموالية الواقعة تحت هيمنة الدولة السورية ؟

نعم ، فما أن ترامى النبأ حتى خرجت مسيرات متفرقة واندلعت أصوات الرصاص في كل مكان في أنحاء دمشق وحلب وحمص واللاذقية وطرطوس ابتهاجا بخبر الانقلاب، وإذا كان أبناء دمشق قد عبروا عن البهجة بشكل متفاوت، فإن أهالي أحياء المدينة الغربية الآمنة في حلب خرجوا بمسيرات حاشدة راجلة وبالسيارات شاركت فيها جميع الفئات العمرية وجابت الشوارع الرئيسة فور سماع النبأ ..

ونقلت صحيفة الوطن عن أحد الشبان من حي المحافظة تأكيده على حقه أن يعلن عن فرحته بأي محاولة انقلاب قد تطيح بأردوغان، بغض النظر عن إمكانية نجاحها، لأن إحدى المحاولات لا بد ستنجح بالإطاحة به ..

في المقابل، لايعرف أحد كيف كان رد الفعل في الأماكن الواقعة تحت سيطرة المسلحين، فهل كانت الصورة معاكسة، هل شعر السوريون فيها بالحزن على أردوغان والتعاطف معه أم كان هناك سعادة مخفية، تحمل في طياتها أملا بانتهاء الحرب؟!

لا أحد يعرف، وكل مافي الأمر أن ماحصل كان يعني حقيقة واحدة تقول: الذي حصل في تركيا يؤثر بشكل مباشر على حياة السوريين، وهذه مسألة على غاية الأهمية في سيرة الحرب السورية وتداخلاتها !

وهذا يفترض حكما أن يقدم المحلل السياسي على طرح سؤال مهم هو : ماذا فعل الرئيس التركي طيب رجب أردوغان للسوريين؟ والسؤال يفتح على نوعين من الأجوبة : الأول رسمي حكومي يقول بأن أخطر دور في مسألة الحرب في سورية كان لنظام أردوغان، وأنه أفسح في المجال لدخول المسلحين من كل أنحاء العالم إليها، بل وفتح الطريق أمام سرقة النفط السوري واحتياطي القمح والحبوب ، إضافة إلى تفكيك مختلف المصانع السورية في حلب ونقلها إلى تركيا، وأخطر المواقف تلك التي جعلته يفتح طريق الانداد بالأسلحة للمسلحين الذين تقاتلهم الدولة السورية ؟!

والنوع الثاني من الأجوبة ((معارض))، وهو الذي يعتبر أردوغان مؤيدا ((للثورة)) في سورية، وقدم المساعدات ((للثوار))، وفتح المدن التركية أمام المهاجرين السوريين ليعملوا ويأكلوا ويشربوا ويشعروا بالأمان ، أو على الأقل فهو الذي فتح ممرا للهجرة من الحرب في سورية إلى مختلف أصقاع العالم الآمنة ؟!

قبل فترة وجيزة من الحدث التركي قرأ السوريون جيدا خطوات أردوغان المتعلقة بتبعات الأزمة السورية وتطورات الشرق أوسط الجديد، فقد قدم اعتذارا لروسيا بشأن مقتل الطيار الروسي الذي أسقطت الطائرات التركية طائرته، وتم التعامل مع هذه الخطوة على أنها نوع من التراجع تحت وطأة الظروف التي أخذت تعصف بتركيا ..

كما سارع أردوغان إلى حل أزمة السفينة التركية ((مرمرة)) التي كانت تعمل لفك الحصار على غزة قبل سنوات، واتهم أردوغان بالاقدام على التطبيع مع إسرائيل على أرضية خطط خطيرة لاستثمار مشترك للغاز في شرق المتوسط تنال تركيا حصة منه ..

وبالنسبة لخطوته المدروسة في السياسة الداخلية قام أردوغان بتبديل ((يده اليمنى)) رئيس الحكومة السابق أحمد داوود أوغلو برئيس حكومة جديدة هو بن علي يلدرم الذي دفع بتصريح خطير في وجه السوريين يتعلق برغبة تركيا بعودة العلاقات مع سورية إلى طبيعتها . حتى لو كانت هذه العودة مشروطة ((شكليا)) بالاصرار على الموقف التركي بشأن الرئيس بشار الأسد!

لم ترض هذه الخطوات التركية المعارضة السورية، وتخوفت منها مختلف الفصائل وخاصة مع التسريبات التي ظهرت حول طلب تركيا من المجموعات المسلحة المعارضة لسورية عدم استخدام الصواريخ المضادة للطائرات إلا بإذنها !

كذلك لم ترض هذه الخطوات الحكومة السورية، التي ظهرت مواقفها من خلال التحليلات الرسمية التي حمّلت أردوغان مسؤولية الدم الذي سال في سورية، وطالبت بخطوات فعلية بوقف الارهاب !

في ليلة ((الانقلاب على أردوغان)) ظهر شيء آخر:

تجمعت مظاهرات عفوية لتعبر عن فرحتها بسقوطه ((المفترض)) ، ولم تكن محصورة في مكان واحد بل ظهرت في عدد مهم من الأمكنة . كذلك أطلق الإعلام التلفزيوني والإذاعي فترات إخبارية مباشرة ومفتوحة حتى ساعات الفجر راحت ترصد التطورات أولا بأول، وفي هذه الفترات من البث كان ثمة اجماع على ضرورة سقوط أردوغان، وأهمية ذلك على الحدث السوري ، وإذا كانت القراءات التحليلية التي قدمت عفوية ومتسرعة وترتكز على الذاتية في التحليل، فإن عددا من وجهات النظر كانت تقرأ الحدث في تداعياته على الساحة التركية والاقليمية وخاصة التركية بحذر يأخذ بعين الاعتبار الآثار المجهولة للتداعيات القادمة على الاقليم ..

ما أن فشلت محاولة الانقلاب، حتى ظهرت تحليلات تقول إنه مسرحية متقنة أقدم عليها أردوغان، وهو رأي قاله فتح الله غولن فجر اليوم الثاني، وجاء في تحليلات أخرى أكثر موضوعية أن المؤشر الأولى على ماحصل هو أن هناك أزمة في تركيا وأن المؤشر الأبرز هو وجود تململ من سياسة أردوغان الداخلية والاقليمية ..

في وسائل التواصل الاجتماعي السوري انتشرت احتجاجات على إطلاق النار ابتهاجا بالحدث، فليس هناك من سبب يدعو إلى إطلاق النار مما قد يؤدي إلى مآس لم تكن في الحسبان.

في اليوم التالي فشل الإنقلاب، وخمدت أفراح الليل ، أما في حلب فقد عاقب مسلحو حي بستان القصر أفراح الليلة الفائتة بإلقاء قذائف الهاون واسطوانات «مدفع جهنم» بمحيط ساحة سعد اللـه الجابري بمركز المدينة وحي الجميلية المكتظ بالسكان، ما تسبب بسقوط مدنيين اثنين وجرح 7 منهم وإلحاق أضرار بالغة بالمباني السكنية وبالسيارات بالقرب من بريد الحي.

كما أطلق مسلحو حي بني زيد، قذائف عدة باتجاه حي الشهباء الجديدة أودت إحداها بحياة أحد المدنيين في محيط مشفى الحكمة وجرحت قذائف أخرى 6 آخرين في المنطقة.

إن مثل هذه المؤشرات في سورية تؤكد أن لأردوغان أكثر من دور في الحرب السورية، وإلا لماذا سهر السوريون حتى الصباح يطرحون الأسئلة والأجوبة التي غيرتها تطورات اليوم التالي ؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى