مابعد داعش يشبه ماقبلها !

لكي نقرأ الأحداث التي تجري من حولنا هذه الأيام، علينا أن لا نخرجها من نتائج ومعطيات الفترة الأخيرة من أحداث الإقليم، والمقصود هنا مستجدات الحدثين (السعودي، اللبناني)، فهما الحدثان الأخطر اللذان تصدرا تحليلات المحللين وتنظيرات المنظرين، إلا أن أهم قاعدة ينبغي البناء عليها ونحن نقرأ هذين الحدثين هو أنهما مرتبطان بالحدث الاقليمي الأوسع؟!

الحدث الاقليمي الأوسع هو نتائج الحرب على الإرهاب، ومرحلة ((مابعد داعش)) حيث يجري التعاطي مع النتائج وكأنها انتصار إيراني إقليمي باعتبار أنها داعمة لسورية وحزب الله، وإذا كان الأمر يفهم على هذا النحو، فنحن نعود إلى نقطة الصفر، ويصبح مابعد داعش يشبه ماقبلها!

ذلك يعود لأكثر من سبع سنوات مضت، يوم اشتعلت البيادر العربية كلها بحريق مأساوي سيترك آثاره لعشرات السنين، وظهر في ذلك الحريق أن هناك منتصرين ومهزومين، وكانت الحرب واضحة في مضمونها، أي تدمير بقايا مرتكزات ماعرف بالمد القومي الذي قام في الخمسينات والستينات، وأفرز قطبين عربيين تصارعا طويلا طويلا !

وبغض النظر من الموقف من الدول و الأنظمة التي تشكل كل قطب، إلا أن الصراع ظل قائما وخفيا رغما ((الجَمعة)) الشهيرة التي كانت تتألف من الرئيس المصري السابق حسني مبارك والرئيس السوري الراحل حافظ الأسد مضافا إليهما خادم الحرمين الشريفين، وكانت توحي بأن التناقض بين القطبين يتلاشى! كان الصراع واضحا بين برنامجين وضوح الشمس، وكان أحد المحورين يبني على مقولات الخمسينات ويضيف عليها ما استجد من شحنة كبيرة منشؤها مستجدات الصراع العربي الإسرائيلي وتحرير جنوب لبنان وحرب تموز وقوة حركة حماس في صورتها المقاومة (المفصولة عن جذورها كإخوان مسلمين).

كانت السياسة الدولية في ذلك الوقت تبني على الرغبة في تسوية شاملة تجد حلا للقضية الفلسطينية، وهذه الرغبة أنتجت اتفاقات سريعة وكادت تنتج اتفاقات بطيئة، أنتجت كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو ، وكادت تنتج اتفاق أيار مع لبنان ووديعة رابين مع سورية، ومن يتمعن بهذه التفاصيل لا يحتاج إلى كثير من التدقيق ليكتشف سريعا أن أصحاب الاتفاقات السريعة هم خصوم أصحاب الاتفاقات البطيئة التي لم تنجز وظلت تعاند، وذلك سيستمر إلى الآن بملابس جديدة دخل فيها الرئيس بشار الأسد والسيد حسن نصر الله من خلال بعدين إضافيين مهمين هما البعد الروسي والبعد الإيراني بخصوصية كل منهما ، وكان العقيد معمر القذافي قد بشر بموته عندما حذر القادة العرب من مصير شبيه بمصير الرئيس الراحل صدام حسين على حبل مشنقة، فسقط صدام بجبروت طاغية أراد أن يترك للتاريخ صورته كبطل، وسقط القذافي وهو يصرخ من الوجع فيما يتجمع حوله أشخاص لانعرفهم أرادوا نهش لحمه وخوزقته!

وعندما سقط صدام، وأشارت الأصابع الأمريكية إلى أن دور سورية هو التالي ، كان واضحا أن المنطقة أمام احتمالين لاثالث لهما إما التنازل أو الحرب، وعندما جربت الحرب في تموز 2006 لم يكن هناك أي جدوى منها تصب في صالح التسوية الكبرى، ولم يكن أحد يتصور أن نتائجها المبهرة ستكون وبالا على المنطقة، فاضطر صاحب المشروع الأمريكي بعدها إلى إسقاط عدة أنظمة عربية ليصل إلى دمشق وحزب الله ليدمرهما وليبنى الشرق أوسط الجديد الذي كانت كونداليزا رايس قد تنبأت بحصوله إبان لحظة اندلاع حرب تموز، واستلزم ذلك من الوقت سبع سنوات على تراب سورية، ولم يتم تدمير المنظومة السورية المعاندة ومعها حزب الله وإيران ، وتراءى سريعا أن هناك هزيمة جديدة للمشروع الأمريكي ساهمت فيها روسيا هذه المرة ..

إذن هل سيأتي هذا المستجد بحرب من نوع جديد؟ أم هل ستتم تسوية يسلم فيها أصحاب المشروعين /القطبين على بعضهما البعض ويتم تبويس اللحى، ويتم اقتسام المصالح مع تعديلات في المشاريع والأفكار وصلى الله وبارك ؟!

المؤشرات في لبنان لاتنبئ أن المكاسرة انتهت، فلابد للإقرار ببقاء النظام في سورية (على الأكثر) من كسر هيبة إيران، ولحصول ذلك لابد من تحطيم حزب الله، وإذا كان ثمة مشاريع من هذا النوع، فهذا يعني أن حربا ستقع وأن سورية ستكون ضمنها، وإذا وقعت الحرب، لا أحد يدري إلى أين سيمتد الحريق.. هي تلك المسألة : مابعد داعش يشبه ماقبلها !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى