مصر وسوريا وضرورة التقارب (سمير كرم)

 

سمير كرم

لا يبدو الآن أن لمصر سياسة واضحة ومحددة تجاه سوريا. ولا يبدو الآن أيضاً أن لسوريا سياسة واضحة محددة تجاه مصر.
وليس ذلك الا لأن المؤامرة الخارجية ـ بقيادة الولايات المتحدة ـ قد نجحت في السنوات القليلة الاخيرة في شغل كل من مصر وسوريا عن الشأن الذي يجمعهما تاريخياً وآنياً في اتجاه واحد ومصير مشترك. ولو استطاعت المؤامرة الغربية بقيادة اميركا ان تخلق في مصر الوضع الخطير نفسه الذي خلقته في سوريا لكان لنا ان نرى الآن في مصر حرباً وقتالاً كالذي نراه في سوريا. ولكن الغرب لم يستطع ان يفجر قتالاً وتقسيماً وأن يصدّر فرقاً من المقاتلين الاجانب الى مصر على نحو ما فعل في سوريا. الا انه لا بد من الاعتراف بأن الغرب استطاع ان يشغل مصر في شأن داخلي خطير وأن يقف في صف تنظيم «الاخوان المسلمين» على نحو شغل مصر عن الشأن العربي، وبخاصة عن الشأن السوري.
ولا نتردد في ان نصف هذا الوضع الراهن بأنه اخطر ما تمكن الغرب من تحقيقه في المنطقة العربية. ذلك ان الغرب ـ اميركا بصفة خاصة ـ يعرف ان باستطاعة مصر وسوريا ان يؤديا، اذا توحدت سياساتهما وأهدافهما، دوراً مانعاً للخطر عن الوطن العربي اكثر من اي دور عربي آخر. مع ذلك فإن الغرب يعاني الآن من عجز واضح في مصر وسوريا عن تحقيق أهداف خطته الواسعة الاخيرة. صحيح انه خلق في مصر وضعاً داخلياً يشغلها عن الوطن العربي ابتداء من سوريا، وخلق في سوريا وضعاً قتالياً خطيراً امتد لنحو ثلاثين شهراً. في مصر تعاقبت اوضاع داخلية لا يفتقد الغــرب ارادة وقــدرة استغلالها لشغل مصر بأوضاعها عما تنفذه خططه في الوطن العربي. وقد استطاع الغرب ان يستغل الصعود العشوائي لتنظيم «الاخوان المسلمين» في مصر الى السلطة لإبعاد مصر تحت سلطة هذا التنظيم عن الشأن العربي، بزعم الاهتمام بالشأن الاسلامي. ولا يزال الغرب يبذل اقصى جهده ـ حتى بعد ان تمـكن الشعــب المصــري بتضحيــات كبـيرة من ارواحه ودمائه من إزاحة تنظيم «الاخوان المسلمين» عن السلطة. ومن الواضح الآن ان التحالف المصري يثبت قدرته ـ كما اثبتها في الماضي ـ على ازاحة «الاخوان» من المشهد المصري وإلغاء دور الطابور الخامس الاميركي الذي يقومــون بـه لحساب الخطة الغربية. لكن مصر لا تزال مشغولة عن الشأن العربي أكثر مما كانت مشغولة في اي وقت مضى. ونظراً لأن مصر كبيرة جغرافياً وتاريخياً وسكانياً والمشكلات التي تواجهها كبيرة ايضا، فإنها تعود بخطى حثيثة بفضل التحالف بين شعبها وجيشها الى مكانة الندية في المواجهة مع اميركا وفي المواجهة مع اوروبا. ويتضح الآن ان الكتلة الاميركية الاوروبية آخذة في التراجع امام إصرار مصر وشعبها وجيشها على ادخال التغيير الذي يزيح تنظيم «الاخوان» ويزيح معه خطط الغرب للسيطرة.
وعلى الجانب الآخر من الصورة العربية ـ الجانب السوري ـ يواصل الغرب تنفيذ خطته انما من دون ان يلوح ان لديه قدرة على تحقيق نجاح ختامي فيها بعد ثلاثين شهرا من التدفق المالي والتسليحي المتواصل على المرتزقة الاجانب، الذين يرفعون في الحرب ضد سوريا أعلاماً سوداء على انها اعلام الاسلام السني. لقد اخفقت حرب التدخل الغربية في إخضاع سوريا. والامر الذي لا يمكن الشك فيه ان للموقف الذي تتخذه ايران وتتخذه كل من روسيا والصين تأثيراً كبيراً في إفشال خطة الغرب. ويشمل هذا الفشل الغربي الآن محاولة اميركا وأوروبا إلصاق تهمة استخدام الاسلحة الكيماوية بسوريا. وهي تهمة تواجهها سوريا بتفنيد يربك خطة الغرب وينبئ بفشل ذريع لهذه الخطة. وهذا ينبئ بدوره بإخفاق غربي كامل في سوريا.
مع هذا كله نستطيع التأكيد بأن الانشغال المصري عن الشأن السوري والانشغال السوري عن الشأن المصري لا يزالان مستمرين. مع ذلك فإن الظروف الراهنة تعكس صورة بالغة الاهمية عن إمكان بزوغ سياسة مصرية اكثر اهتماما وأكثر تفصيلا تجاه سوريا وفي الوقت نفسه بزوغ سياسة سورية أكثر اهتماما وتفصيلا تجاه مصر.
ان الوضع في مصر يتجه نحو سياسة عربية تقوم فيها مصر بدورها القومي من دون ان تلقى تحديات من حكومات البلـدان العربـية تبلــغ الحــد الـذي يمكن ان يدفع هذه السياسة العربية نحو الفشل. بل يمكن التأكيد هنا بأن ظروف مصر السياسية والاقتصادية ـ بكل ما فيها من صعوبة ـ تفرض وضعاً من شأنه تحفيز الدول العربية القادرة على مد يد المساعدة لمصر من دون ان تكون هناك شروط ـ كتلك التي فرضت في الماضي ـ تجبر مصر على التراجع عن دورها العربي. إن الواقع العربي والعالمي برمته يفرض اتجاها يجبر الطرفين العربي والعالمي على السواء على التسليم بفشل خطط تقسيم المنطقة العربية. ومن المؤكد ان تلعب كل من مصر وسوريا دورين ايجابيين في تأكيد المبادئ التي يقوم عليها اتحاد العرب في مواجهة الخطر المشـترك. ولهـذا يمكــننا ان نتنبه الى ان التحديات التي يمثلها المخطط الغربي لتقسيم الوطن العربي لوحدات صغـيرة تشكل بحد ذاتها دوافع للأمة العربية ككل لأن تتماسك وتتحدى الغرب. ولعلنا نلاحظ في هذا السياق ان قدرة مصر على مواجهة التحديات التقسيمية لقيت دعماً عربياً تخطى الدعم الجماهيري الى الدعم الرسمي الذي اتسم بالضخامة وتميز بغياب الشروط الاقتصادية والسياسية على السواء.
الآن يبدو ان الخطة الغربية التي تتعهدها الولايات المتحدة قد كشفت عن أخطر وجوهها. الوجه الذي يدل على ان خطة الغرب لا تستثني بلدان النفط الغنية، وبصفة خاصة السعودية. لقد وضع الغرب خطته على اساس ان تقسيم الوطن العربي وتفكيكه لا يصبح ناجزاً ومؤثراً إلا اذا شمل قوى اقتصادية، وبالتالي سياسية كبرى مثل السعودية والامارات والكويت. ومن المؤكد ان إسراع هذه الدول العربية النفطية الى مد يد المساعدة لمصر بمجرد ان نجحت قواها الثورية في اخراج «الاخوان» من السلطة يؤكد ـ مهما كانت التحفظات او المخاوف ـ ان الكلمة ليست للغرب وليست لأميركا في الشأن العربي الراهن.
في هذا السياق، الذي ما كان بإمكان الغرب ان يتخيل ان يسيطر الآن على اجواء العلاقات العربية، يمكن لمصر ان ترسم سياسة ايجابية وتفصيلية تجاه سوريا. بل يمكنها ان تؤدي دور قوة الإقناع لدول النفط العربية بأن تغير سياستها تجاه سوريا. اي ان تسهم في خلق مناخ سياسي يخلق علاقة مع سوريا لا تختلف في جوهرها وأهدافها عن العلاقة مع مصر. ويمكن تأكيد هذه الامكانية اذا وضعنا في الاعتبار تلويح اميركا الخطر بقوتها العسكرية واعلان استعدادها لاستخدام هذه القوة للتدخل المباشر في سوريا. ولقد ذهبت واشنطن الى حد توجيه قوتها البحرية الى البحر المتوسط. لقد نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن وزير الدفاع الاميركي تشاك هاغل قوله ان البحرية الاميركية ستزيد من وجودها في البحر المتوسط بسبب ما اسماه الحرب الاهلية المتصاعدة في سوريا، وانه في خضم الدعوات لتدخل عسكري ضد النظام السوري بعد الاتهامات التي وجهت اليه باستخدام السلاح الكيماوي فإن القادة العسكريين الاميركيين أعدوا للرئيس الاميركي مجموعة من الخيارات في حالة ما اذا قرر شن هجوم على نظام الرئيس السوري.
ولا يعدو هذا الاعلان ان يكون اعترافا بفشل القوى التي تشن الحرب داخل سوريا بمساعدات مالية وعسكرية من اميركا والسعودية ودول الخليج. وبينما تميل النظرة الموضوعية الى هذا التحذير الى اعتباره مجرد «تخويف» لسوريا والدول العربية القريبة منها والبعيدة عنها الا انه يزيد من الاهتمام بما يمكن ان تكون عليه سياسة مصر تجاه سوريا وبعدها سياسات دول الخليج تجاه مصر وسوريا ايضا. ان التلويح بالخيار العسكري الاميركي ضد سوريا يستطيع ان يشكل ازعاجا للشعب والجيش المصريين. انه يزيد الموقف بالنسبة لسوريا تعقيدا خاصة في ضوء الموقف الصريح الذي اتخذته روسيا برفض هذا التهديد. والحقيقة ان هذا التهديد يظهر اميركا في صورة الطرف الاكثر انزعاجا من اخفاق حرب التدخل التي تشنها العصابات المسلحة الموالية للغرب داخل سوريا.
ومن المؤكد ان الولايات المتحدة تبدي حرصا حقيقيا على استطلاع موقف مصر وستحاول جس نبض القادة العسكريين المصريين ازاء هذا التهديد. ومن المؤكد ايضا ان مصر ستتخذ موقفا معارضا صريحا ضد اي تدخل عسكري في سوريا من جانب الادارة الاميركية. ومن شأن هذا الموقف ان يزيد من تقارب القاهرة ودمشق. الامر الذي لا يريح واشنطن بأي حال.
ان تدخلا عسكريا اميركيا في سوريا يزيد من التقارب بين القاهرة ودمشق ويخلق فرصا افضل بينهما، بينما يباعد بين القاهرة وواشنطن. ويصبح السؤال الحتمي اذا كان مثل هذا التدخل يمكن ان يجد استحساناً لدى دول الخليج وخاصة السعودية.
على اي الاحوال فإن التدخل العسكري الاميركي مستبعد. والتقارب بين القاهرة ودمشق وارد اياً كانت التطورات القادمة.


صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى