مظلة أميركية ـ روسية: حكومة في حزيران ودستور في آب

اختراق في موسكو، أميركي ـ روسي من أجل جولة جنيف الثالثة في 11 نيسان المقبل، في موازاة الاختراق السوري في تدمر، الذي يخرج الجيش السوري من أسوار سوريا الجديدة، ويمنح الرئيس بشار الأسد خيارات جديدة، لا تمر كلها عبر جنيف بالضرورة.

دستورٌ سوري جديد منتصف الصيف، هو إعلانٌ غير مسبوق، لأنه يضع للمرة الأولى موعداً محدداً للدستور السوري الجديد، وحكومةٌ نهاية حزيران على الأرجح بحسب مصادر ديبلوماسية.

يشكل الموعد الدستوري بحد ذاته، توافقا أميركياً ـ روسياً، على الذهاب بسرعة إلى انتخابات لم تُحَدَّد طبيعتها رئاسية أو برلمانية. لكن تحديد منتصف آب موعدا للدستور الجديد يضع حكماً الانتخابات في مطلع العام 2018، وفق البند الرابع من القرار 2254، الذي يضع الانتخابات السورية، تحت إشراف أممي بعد 18 شهراً من كتابة الدستور الجديد.

ويعكس هذا الإعلان أولاً حلا يفرضه الأميركيون والروس، من دون انتظار نتائج المفاوضات السورية، في جنيف، والتي لم تبدأ بعد بشكل جدي، ولا تزال تراوح مكانها، بفعل تمسك الأطراف بمعطيات ما قبل التفاهم بين موسكو وواشنطن. كما يلغي تحديدُ المواعيدِ في لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الخارجية الأميركي جون كيري، لمدة أربع ساعات في الكرملين، الضبابيةَ التي سادت جوانب القرار 2254 بشأن خريطة الطريق في فيينا، ويستبق أي مماطلة في الحوار السوري الذي قد يمدد لعملية اختيار الحكومة أو الدستور لأشهر طويلة.

ومن الواضح أن الروس والأميركيين، بعد جولتين في جنيف من دون حصيلة جدية، قرروا الإمساك مجدداً بالعملية السياسية. كما يعكس الإعلان عن مفاوضات مباشرة بين الوفود في الجولة الثالثة المقبلة، إصرار الروس بشكل خاص على الذهاب بسرعة إلى فرض أجندتهم، ومواصلة انسحابهم من سوريا، وترجيح العملية السياسية على العملية العسكرية، وإجراء تغييرات سريعة، قبل ذهاب الإدارة الأميركية الجديدة.

وبعد أربع ساعات في الكرملين، خرج لقاء كيري مع بوتين بتحديد أنه «بإمكان البلدين التوصل إلى نقاط مشتركة والمضي قدماً في القضايا الثنائية والدولية، وأن القيادة الروسية تدرك أهمية دور الولايات المتحدة ورئيسها باراك أوباما في التوصل إلى وقف الأعمال القتالية في سوريا».

وأعلن كيري، في مؤتمر صحافي مع لافروف، إنه اتفق مع الزعماء الروس على تسريع الجهود الرامية للتوصل إلى حل سياسي في سوريا. وقال: «سيتعين على روسيا أن تتحدث بنفسها في ما يتعلق بما ستختار فعله من أجل مساعدة الأسد على اتخاذ القرارات الصحيحة، لكننا اتفقنا اليوم على تسريع الجهود لمحاولة دفع العملية السياسية قدما». وأضاف: «أعتقد أن روسيا مشاركة بشكل كامل في هذا الجهد وكلنا سنحاول دفع الأسد لاتخاذ القرار الصحيح خلال الأيام المقبلة للانخراط في عملية سياسية تسفر عن انتقال (سياسي) حقيقي».

وتقول مصادر ديبلوماسية إن الأميركيين والروس متفقون على فصل الملف السوري، عن رزمة الملفات الأخرى، خصوصاً أنه سيكون صعبا التوصل، في الأشهر الستة المتبقية من عمر الإدارة الأميركية، إلى تفاهمات صلبة في ملفات متشعبة كأوكرانيا واليمن وليبيا وسوريا، كان من الصعب التفاهم حولها سابقاً، أو إجراء أي صفقة عليها خلال العام الماضي.

ويسعى الروس إلى التفاهم مع الأميركيين على كل القضايا الخلافية في سوريا، قبل انقضاء حزيران المقبل، وتشكيل حكومة سورية موسعة منتصف الصيف، للاحتفاظ بهامش من الوقت مما تبقى من عمر الإدارة الحالية للمناورة أمام أي مفاجآت، وتصليب التفاهمات وإلزام أي إدارة أميركية مقبلة بها.

وكان الأميركيون والروس قد راقبوا عن بعد، خلال الأيام العشرة الماضية في جنيف، قدرة السوريين على التفاهم من دون رعاية أميركية – روسية مباشرة، والذي انتهى من دون حصيلة جدية. الحوار توصل إلى مجموعة من الأوراق المتبادلة بين وفود المعارضة، من مجموعات موسكو والقاهرة والأستانة والرياض، وبين الوفد الحكومي السوري. الحكوميون حملوا معهم إلى دمشق نص النقاش في الجولة المقبلة، كما صاغه الوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا بعد غربلة الأوراق التي تلقاها ممن أتيح لهم الوقت تقديم اقتراحات، ويتضمن ورقة من النقاط المشتركة «البناءة» وتستند كلها إلى القرارات الدولية، ومبادئ عامة، كمكافحة الإرهاب ووحدة سوريا، والحفاظ على مؤسسات الدولة.

لكن الورقة في بنودها الاثني عشر تجنح نحو تكريس خريطة فيينا، التي تتميز بالوضوح، وهو أمر نادر في وثائق الأمم المتحدة، كما تمتلك آلية قابلة للتنفيذ، من حكومة ذي مصداقية وغير طائفية، إلى تعديلات دستورية، فانتخابات. وتملك أيضا روزنامة واضحة تمتد 18 شهراً. البنود التي ستعود الوفود بردود عليها، بعد أن تعكف عليها في أسبوعين من الاستراحة، تملك ميزة تفادي القضايا الخلافية، بعدم إدراجها الهيئة الانتقالية أولا، مع نصها التوصية على بيان جنيف قاعدة للبحث، ولكن من دون التوسع في التبويب، وتأجيل البحث في مصير الرئاسة السورية.

ومن المفترض أن يعمل الأميركيون والروس، للتقدم بسرعة نحو هدف حكومة سورية موسعة نهاية حزيران، وإلى إجراء تغييرات متبادلة في الوفود المعارضة التي يدعمونها، ودفع الجميع إلى قاعة مفاوضات مباشرة. وإذا كان صحيحاً أن المشرف الأميركي على وفد الرياض مايكل راتني قد ضاق ذرعاً بتصلب وفده، كما نقل عنه، فمن الأرجح أن تكون المهمة الأولى للأميركيين والروس هي إجراء تعديلات في تركيبة الوفود لتتلائم مع الروزنامة الجديدة، وهو ما يعني مواصلة انتزاع الأوراق من القوى الإقليمية التي تمسك بقرار المعارضة، لا سيما السعودية، التي تبدي مرونة نسبية في الاتصالات مع الروس، فيما لا تزال تركيا تعرقل أي محاولة للتقدم.

وهناك اقتراحات يجري تدارسها لتجاوز انفراد مجموعة الرياض بحصرية التمثيل، وصعوبة تنفيذ اقتراح آخر لتأليف وفد من شخصيات منتقاة من الوفود الحالية، بالعودة إلى تفعيل لجان العمل السياسية والدستورية والأمنية والاغاثية، وتوزيع أعضاء الوفود عليها، لكي يتمكنوا من العمل سوياً.

وكان لافتا قيام السفير الفلسطيني في دمشق أنور عبد الهادي بمحاولات في كواليس جنيف للتوسط بين وفود المعارضة للتقريب بينها، قبل ان تطرح المسألة في موسكو. ويساعد الاقتراح على إبعاد المتطرفين من وفد الرياض. وتقول مصادر ديبلوماسية إن الجولة المقبلة ستشهد تبديلاً كبيراً في وفد الرياض، فضلا عن التفاهم على إشراك الأكراد في الجولة المقبلة، من دون أن يتحدد إطار المشاركة حتى الآن.

وبموازاة ذلك، الجيش السوري خارج أسوار ما اصطلح على تسميته «سوريا المفيدة» بعد عام على انكفائه إليها في قلب التجمعات السكانية الكبرى، في الشريط الممتد من درعا جنوباً إلى دمشق، فحمص في الوسط، فاللاذقية شمالاً.

الجيش السوري في طريقه إلى استعادة تدمر التي دخلها، بعد سيطرته على سلاسل الجبال المحيطة بها كافة: من سلسلة جبل الهيال، ومثلث تدمر، والقلعة، والأحياء الغربية والجنوبية الغربية. وشنت أكثر من 160 غارة روسية وسورية، بحسب مصادر المعارضة، على مواقع ما يقارب ألف مقاتل من «داعش» وبضعة آلاف من عائلاتهم، في المدينة التي هجرها المدنيون.

الانتصار الذي قد يكتمل في الساعات المقبلة، يعيد الجيش السوري إلى المدينة التي تحتل قلب سوريا، وإلى عقدة الطرق من دمشق إلى دير الزور، والرقة، وبغداد، ويفتح الطريق إلى معبر التنف مع العراق الذي حاول الأميركيون «اختطافه» قبل تقدم الجيش السوري الى تدمر ووصوله إلى التنف، من خلال العملية التي قام بها الشهر الماضي «جيش سوريا الجديد» العشائري من الأردن، وعبر وحدات سابقة من «جبهة الأصالة والتنمية».

المجموعات التي مهد لهجومها قصف صاروخي من الأردن لم تتمكن من الاحتفاظ بالمعبر أكثر من ساعات قليلة قبل أن يعود «داعش» إليه. العملية استهدفت استباق استعادة الجيش السوري أحد محاور الإمداد البري الإستراتيجية الأخيرة مع العراق، والتي تحيي على الأرض خط طهران – بغداد، وإعادة وصل وحدات الجيش السوري والعراقي، لحماية هذا الشريان الحيوي للمحور، رغم الصعوبات التي تكتنف قدرة الطرفين على حمايته من هجمات مجموعات «داعش»، فضلا عن ميزة استعادة الخط التجاري مع بغداد.

وتمنح العملية الجيش السوري ميزات إستراتيجية كبرى: الاتجاه نحو دير الزور في قلب البادية التي تمتد لـ200 كيلومتر، فيما تستعد وحدات من الجيش السوري في قلب المدينة المحاصرة منذ ثلاثة أعوام، لبدء هجوم مضاد يحاول «داعش» عرقلته منذ أيام والتقدم داخل حي الصناعة.

الجيش السوري الخارج من أسوار «سوريا المفيدة» يعود إلى تدمر محيلاً «جنيف 3» وما أحاط به من شروط بعد الانسحاب الجزئي الروسي إلى خيار من بين خيارات أخرى، كان الأسد قد أثار سجالاً حولها قبل شهر، عندما تحدث عن استعادة كامل الأراضي السورية قبل أيام من إعلان موسكو انسحابا جزئيا من عمليتها السورية، بعد أن كانت الخيارات المفتوحة إلى دروب التفاهم الروسي الأميركي لا تؤدي إلا إلى «جنيف 3».

وبعد تدمر، إذا ما استكملت العملية، سيكون الجيش السوري قد استعاد أكثر من 30 ألف كيلومتر مربع من «داعش»، أي ثلث المساحة التي يسيطر عليها في سوريا ، بوصوله إلى معبر التنف، الذي لا تفصله عنه سوى بادية من 160 كيلومتراً، لا تجمعات سكانية فيها، ولا موانع ولا تضاريس تبطئ تقدم مدرعاته المدعومة جواً. الجيش يتقدم بعد تدمر في السباق إلى الرقة، التي بات مؤكداً أن هناك اتفاقا روسيا سوريا على الوصول إليها، قبل أن يبدأ الأميركيون عملية الموصل في حزيران المقبل، ومنع انكفاء «داعش» نحو معقلها السوري.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى