معركة الشمال السوري: مرارة سعودية ـ تركية

تجمعت خيوط مشهد ما بعد الجولة الاولى من «جنيف 3» التي أشيع انها أسقطت بضربة قاضية في معركة تحرير الشمال السوري المتوج بفك الحصار عن بلدتي نبل والزهراء، فيما ان تعليمات اجهاض مسار التفاوض السوري في سويسرا، من الحليفين التركي والسعودي، كانت واضحة منذ ما قبل الضربة الموجعة التي تلقتها فصائل «الجهاد التكفيري» على خطوط انتشارها بمحاذاة الحدود التركية.

ولم يكن واضحا منطق المواقف المنددة التي صدرت عن عواصم مثل واشنطن وباريس ولندن وانقرة في الساعات التي تلت التقاء القوات السورية الحليفة من طرفي الهجوم، الحكومي واللجان الشعبية، من حردتنين وماير، نحو معرسة الجب وكسر الطوق بالتالي عن نبل والزهراء، وتبديل المشهد الميداني في الشمال الحلبي، وربما ما هو أبعد من ذلك، اذ ان المعركة كما هو واضح، استهدفت في جوهرها استغلال تشتت فصائل المعارضة على مختلف جبهات حلب، لتحرير مدنيي البلدتين، تناوبت على محاصرتهم منذ اواسط العام 2012 تشكيلات متنوعة من العصابات المسلحة، بداية من تشكيلات لـ «الجيش الحر»، وصولا اخيرا الى فصائل تكفيرية من «جبهة النصرة» و «احرار الشام» معززة بـ «جهاديين» من شتى بقاع الارض.

ووجه الغرابة في موقف العواصم المنددة ان «وفد الرياض» الذي ظل يماطل حتى الساعات الاخيرة قبل مغادرته العاصمة السعودية، ثم خلال اطلالاته الصحافية خلال ايام جنيف، رفع «البند الانساني» في سلم اولوياته الدعائية في ما لو كان قدر لمفاوضات جنيف ان تنطلق رسميا، وبالتالي ليس واضحا منطق التنديد بفك الحصار عن 70 الف انسان، محاصرين بالكامل منذ نحو اربعة اعوام، وتحت وطأة الصواريخ والعربات المفخخة وعشرات العمليات الهجومية الشاملة عليهم.

اذن، ذريعة عدم التفاوض تحت النار لم تكن مقنعة لكثيرين. اذ ان الحليفين السوري والروسي اكدا مرارا ان المعركة على فصائل الارهاب، مستمرة، بغض النظر عما يجري في قاعات التفاوض السويسرية والتي لم يقدر لها ان تفتح ابوابها بالفعل. وقد كان «وفد الرياض» توجه بالفعل الى جنيف، فيما معارك الريف الحلبي مستمرة بالتوازي مع مواجهات كبرى تجري في الجنوب السوري والريف الشمالي للاذقية. ولا يمكن الاكتفاء بالقفز الى الكلمة الاخيرة التي اعلنها المبعوث الاممي ستيفان دي ميستورا بـ «تعليق» المفاوضات حتى 25 شباط الحالي، اذ ان كلمة السر الفعلية صدرت قبل ذلك، وتحديدا يوم الاحد الماضي عندما اعلنت كل من السعودية وتركيا صراحة بجملة مشتركة لوزيري خارجيتي البلدين عادل الجبير ومولود جاويش أوغلو ان أعضاء وفد المعارضة «يمكنهم المغادرة متى شاءوا».

ومهما يكن، فان التنديد بالهجوم السوري في الشمال الحلبي بدا كتعبير ديبلوماسي عن شعور بالمرارة من التقدم العسكري للحلفاء، السوري والروسي والايراني و «حزب الله»، اذ سرعان ما اعاد وزيرا خارجية روسيا سيرغي لافروف والولايات المتحدة جون كيري التواصل هاتفيا للتأكيد على ضرورة العودة الى مسار التفاوض قريبا، ما يعني ضمنيا، استمرار الحضانة الروسية – الاميركية لخيارات التسوية السورية كما حددتها تفاهمات «اعلان فيينا» قبل اسابيع.

ولهذا، فان الخيوط الجديدة للمشهد تحاول دفع العجلة الى الوراء كما يرغب «مشغلو معارضة الرياض» على حد وصف قائد الديبلوماسية السورية في جنيف بشار الجعفري. الجبير وجاويش اوغلو قالا صراحة الاحد الماضي ما يمكن تلخيصه بالتالي:

– طلبنا من المعارضة أن تطرح شروطها.
– يمكنهم المغادرة في اي وقت إذا لم تنفذ مطالبهم.
– التطمينات التي حصلوا عليها من الأمم المتحدة بالقرار 2254 بفقرة 12 و13 بالنسبة للمساعدات الإنسانية وكذلك بالنسبة للقصف العشوائي لا يمكن التفاوض عليها.
– المفاوضات تبدأ بصيغة «جنيف 1» التي سيكون لها سلطة كاملة بعيدة عن بشار الأسد ودستور جديد وسوريا جديدة لا يكون فيها لبشار الأسد دور يلعبه.
– بعض البلدان طلبت من المعارضة أن تتوسع، واقترحوا كذلك مجموعات إرهابية أو مجموعة تساند إيران للانضمام إلى المعارضة، والمعارضة السورية رفضت ذلك ونحن دعمنا المعارضة بذلك.
– المفاوضات يجب أن تبدأ بموضوع الانتقال السلمي، وطلبنا من المعارضة الذهاب إلى جنيف ووضع شروطهم للبدء في المفاوضات.

وبكل الاحوال، فقد انتقل المحور السعودي – التركي مباشرة الى مرحلة الهجوم المضاد بعد النكسات السياسية والميدانية التي ألمت به في سوريا. فقد اعلنت الرياض امس، غداة تعليق مفاوضات جنيف، استعدادها للمشاركة في عملية برية في سوريا إذا قرر التحالف الدولي بقيادة واشنطن، هذا الأمر. صحيح ان السعوديين سبق ان عبروا عن هذا الموقف من قبل، لكن توقيت الاعلان الجديد، وفي ظل التخبط السعودي في الحرب على اليمن، يثير الكثير من التساؤلات، عما اذا كان ائتلاف الحكم السعودي، قرر المبادرة الى الهجوم للحد من خسائره في اكثر من ميدان، بالمراهنة على خيارات عسكرية جديدة في سوريا.

وبالتوازي مع ذلك، واصلت حكومة رجب طيب اردوغان اظهار نواياها العدائية، وبعد ايام على القصف التركي على الشمال السوري، اعلنت موسكو امس ان لديها «أسبابا جدية» تحمل على الاعتقاد بان تركيا تعد «لتدخل عسكري» في سوريا، مشيرة إلى منع أنقرة، أمس الأول، طائرة استطلاع حربية روسية من التحليق فوق مناطق حدودية مع سوريا.

وأعلن المستشار في مكتب وزير الدفاع السعودي العميد الركن أحمد عسيري، في مقابلة مع قناة «العربية» ووكالة «اسوشييتد برس»، أن بلاده مستعدة للمشاركة في أي عمليات برية في سوريا إذا قرر التحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة، القيام بعمليات من هذا النوع. وقال «المملكة على استعداد للمشاركة في أي عمليات برية قد يتفق التحالف (ضد داعش) على تنفيذها في سوريا»، مشدداً على ضرورة الدمج بين الغارات الجوية والعمليات على الأرض لهزم التنظيم.

وكان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قال، خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الألماني فرانك فالتر شتاينماير في الرياض، رداً على سؤال حول سبب توقف مفاوضات جنيف، «كان السبب من وجهة نظرنا عدم جدية النظام في التجاوب مع المبعوث الأممي، وعدم تجاوب النظام مع طلب إدخال مساعدات إنسانية إلى سوريا، وفك الحصار عن المدن السورية». وأضاف أن «وفد النظام السوري الذي أتى إلى جنيف لم يكن جاداً، وكانت المسألة هي مماطلة، والمسألة مسألة تعقيد وغيرها من الأمور لعدم تحقيق أي تقدم في هذا الأمر، والعمليات العسكرية الروسية تم تكثيفها. وهناك وجهتا نظر بالنسبة لأسبابها، هناك من يقول إن تصعيد العمليات العسكرية الروسية هدفه تحسين وضع النظام قبل وقف إطلاق النار، وهناك وجهة نظر أخرى تقول إن تصعيد العمليات العسكرية الروسية هدفه استفزاز المعارضة السورية لكي تتخلى عن المباحثات، وهذا ما حدث، والذي حصل أن المبعوث الأممي وصل إلى قناعة أن النظام ليس جاداً في المباحثات وأنه من الأفضل أن تجمد المفاوضات في الوقت الحالي لبحث هذا الأمر معهم في الأيام المقبلة».

روسيا – تركيا

واتهمت موسكو أنقرة بالإعداد «لتدخل عسكري» في سوريا، بعد منع طائرة استطلاع حربية روسية من التحليق فوق أراضيها.

وقال المتحدث باسم الوزارة الجنرال ايغور كوناشينكوف، في بيان، «لدينا أسباب جدية للاشتباه بان تركيا في مرحلة إعداد مكثفة لعملية عسكرية في أراضي دولة ذات سيادة، هي سوريا»، موضحاً أن الجيش الروسي «يسجل عدداً متزايداً من المؤشرات إلى قيام القوات المسلحة التركية بالإعداد سراً لتنفيذ عمليات على الأراضي السورية». وتابع «إذا كان هناك في أنقرة من يعتقد أن منع تحليق طائرة استطلاع روسية سيسمح بإخفاء أي شيء، فهو يفتقد للمهنية».

وكانت السلطات التركية أكدت أنها منعت «لأسباب أمنية» رحلة استطلاع روسية، كانت مقررة من 1 إلى 5 شباط، من التحليق في أجوائها، لعدم توصل البلدين إلى التفاهم على مسارها، وذلك رغم أن الرحلة كانت تندرج في إطار معاهدة «الأجواء المفتوحة» التي يعد البلدان من الموقعين عليها.

وأوضح كوناشينكوف أن الروس كانوا يعتزمون التحليق فوق المناطق الحدودية مع سوريا وفوق المطارات التي تتركز فيها طائرات حلف شمال الأطلسي. وقال إن «وزارة الدفاع الروسية تعتبر أعمال تركيا بمثابة سابقة خطيرة، ومحاولة لإخفاء نشاطات عسكرية غير مشروعة قرب الحدود السورية». واتهم أنقرة بإرسال أسلحة إلى المجموعات المقاتلة في حلب وادلب تحت ستار «قوافل إنسانية».

وبرر المتحدث باسم «حزب العدالة والتنمية» التركي عمر تشيليك القرار بـ «دواع أمنية». وقال إن «المسار الذي طلبته (موسكو) هو على طول الحدود السورية حتى هاتاي» على الحدود مع سوريا، مضيفاً «من الواضح انه من غير الوارد في هذه المرحلة السماح بمثل هذه الرحلة لأسباب أمنية».

وفي تعبير جديد عن النوايا التركية، اعتبر إردوغان أنه لا طائل من محادثات جنيف بينما تواصل القوات السورية وروسيا هجماتهما. وقال، في جامعة في ليما عاصمة البيرو، «روسيا تواصل قتل الناس في سوريا. ما جدوى مثل هذا التجمع من أجل السلام؟ ما جدوى محادثات السلام هذه؟». وأضاف «في أوضاع يستمر فيها قتل الأطفال لن يكون لمحاولات من هذا القبيل أي دور، سوى تسهيل الأمور على الطاغية».

وأثار إردوغان الشكوك حول جدوى المفاوضات السورية ذاتها، قائلا «دائما ما يجتمعون ويلتقون، يأكلون ويشربون، ثم يغادرون. الآن حددوا موعدا في نهاية شباط. سنرى. سترون أنه بحلول 28 شباط سيأجلون (المحادثات) مرة أخرى».

اما رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو فقد دعا الولايات المتحدة لاتخاذ موقف أكثر حزماً من روسيا بشأن تدخلها في سوريا. وقال «السبب الأساسي لهذه المشكلة هو جرائم الحرب التي يرتكبها النظام السوري وجرائم الحرب التي يرتكبها داعش». وأضاف «من يساندون نظام (الرئيس بشار) الأسد يرتكبون جرائم الحرب نفسها. أنا أقول ذلك اليوم على وجه الخصوص، لأن حلب تتعرض لهجوم عنيف بطائرات روسية»، مروجا في اطار ابتزاز الاوروبيين خلال مؤتمر لندن قائلا «300 ألف شخص يعيشون في حلب متأهبون للتحرك نحو تركيا».

كيري ولافروف

وذكرت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، أن لافروف وكيري عبرا، خلال اتصال هاتفي بينهما، عن «أسفهما» لتعليق المحادثات في جنيف، و «اتفقا على بذل الجهود اللازمة لكي تكون فترة تعليقها اقصر ما يمكن». وأضافت «أعرب لافروف عن قلقه من طرح المعارضة السورية في جنيف لشروط غير مقبولة للتفاوض مع وفد الحكومة السورية». وأكد لافروف وكيري «خطط عقد الاجتماع الوزاري الجديد لمجموعة دعم سوريا في 11 شباط الحالي، على هامش انعقاد المؤتمر الأمني في ميونيخ»، وأشارا إلى «ضرورة بحث وتحليل كافة جوانب التسوية السورية، وفقا للقرار الأممي رقم 2254 خلال الاجتماع الوزاري».

وقال كيري، خلال مؤتمر للمانحين لسوريا في لندن، «تحدثت مع لافروف. تناقشنا، واتفق على أننا بحاجة لمناقشة كيفية تنفيذ وقف إطلاق نار وكيفية إيصال المساعدات (الإنسانية) للطرفين»، معتبراً أن «روسيا عليها مسؤولية الوفاء بتعهدها للأمم المتحدة بالسماح بدخول المساعدات الإنسانية ووقف الهجمات على المدنيين السوريين».

وكان كيري اتهم، في بيان في وقت سابق، السلطات السورية وروسيا بالسعي إلى «حل عسكري» للنزاع في سوريا.

وأعلن لافروف، في تصريح لمجلة «ليميس» الايطالية نشر أمس، انه «لا يرى إمكانية تحقيق التقدم نحو إطلاق العملية السياسية السورية من دون تعريف الإرهابيين المطلوب إقصاؤهم من العملية السياسية، من خلال إعداد قائمة الإرهابيين المتفق عليها. كما لا يمكن تحقيق التقدم نحو بدء العملية السياسية في سوريا من دون تشكيل الوفد، الذي يمثل كافة أطياف المعارضة السورية، إلى المحادثات مع الحكومة السورية».

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى