معركة دمشق وخيار الحل السياسي (فاروق يوسف)

 

فاروق يوسف

كادت المفاوضات بين النظام السوري ومعارضيه أن تبدأ، غير أن شيئا ما وقع فدفع بتلك المفاوضات إلى الارجاء. الرئيس الاميركي طلب من الروس مهلة شهرين، بعدها يعود إلى مواصلة الحوار معهم في شأن المسألة السورية. هل كان طلب المهلة تلك قائما على معلومات استخبارية تتعلق بما هو متوقع من نتيجة للصراع على الارض، قد تكون لصالح المعارضة، أو على الاقل لتقوية موقفها التفاوضي؟
ما لا ينكره النظام الحاكم في دمشق ان العاصمة باتت مهددة من أطراف عدة بالاختراق من قبل قوات معارضيه. غير أن ذلك النظام بدا متفائلا ومستبشرا في بياناته التي أصدرها تعليقا منه على المعارك التي خاضتها قواته في ريف دمشق مؤخرا. فتلك القوات التي استعادت السيطرة على جزء كبير من الريف كانت قد حققت اختراقا للطوق الذي فرضته قوات المعارضة (معظمها من جبهة النصرة) حول العاصمة واستطاعت أن تفرض وجودها على الارض، بما يؤكد أن معركة دمشق صارت أكثر صعوبة، بل وتكاد تكون غير متوقعه في الوقت الحالي.
بالنسبة للروس فتلك أخبار سارة ومشجعة. وهو ما يعني أن مفاوضاتهم مع الاميركان صارت ممكنة من موقع قوة. وإذا كان هذا المستوى من المفاوضات ممكنا فان المستويات اللاحقة ستكون مجرد اجراءات ميسرة تجري بطريقة الية. أقول هذا مستندا إلى أن حل الازمة السورية لن يكون متاحا الا بعد اقرار نوع من التوافق بين الاطراف الدولية وهو ما سيتيح للاطراف المحلية الجلوس إلى مائدة المفاوضات.
ومن الطبيعي أن يسعى كل طرف من طرفي الصراع إلى تحسين موقفه على الأرض من أجل تقوية موقفه التفاوضي. وهو ما يعني أن ما جرى وما يجرى حول دمشق، في ريفها بالتحديد هو اختبار شرس للقوة، ليس مستبعدا أن تكون القوى الدولية والاقليمية المتورطة في الازمة السورية قد ساهمت فيه بشكل فعال وباسلوب عملي.
ذلك لان رهان الاطراف كلها يكمن في المسافة التي تفصل بين اختراق اسوار دمشق من قبل قوات المعارضة وبين قدرة قوات النظام على ابعاد النار على العاصمة من خلال الحاق الهزيمة، وإن بشكل جزئي بقوة العدو. وإذا ما كان الجزء الثاني من الرهان قد تحقق مؤخرا فان ذلك لا يعني ان الجزء الأول لم يكن قابلا للتحقق. لقد استطاعت قوات المعارضة ان تشكل في وقت ما تهديدا للعاصمة في طريق المطار وفي داريا. النظام نفسه لا يزعم أن خطر تلك القوات قد أزيل تماما. وهو ما يعني أن هناك معارك طاحنة ستجري حول العاصمة في ما اذا استطاعت قوات المعارضة أن تعثر على خطوط امداد لها، غير تلك الخطوط التي صارت مكشوفة تحت مرمى نار القوات الانظامية.
هل هذا يعني أن الطرفين قد وقعا في مأزق الكر والفر الذي لا يمكن أن يؤدي إلا إلى تكبدهما المزيد من الخسائر، من غير أن يتمكن أحدهما من حسم النزاع لصالحه؟
شيء من هذا القبيل يمكن توقع حدوثه.
حينها سيكون على الاطراف الراعية للصراع أن تبحث عن حل، من شأنه أن ينهي دائرة صراع عبثي، لن يؤدي إلى نتيجة ملموسة على مستوى الحسم. غير أن هناك رؤية تشاؤمية تذهب إلى النظر إلى الموضوع من الزاوية التي تجعل من انتصار احد طرفي الصراع مطلبا محتما. وهي رؤية غير واقعية التزمتها قطر، وهي الجهة الممولة لقوات المعارضة، والتي ترغب في القضاء على النظام الحاكم وازاحته بغض النظر عن الثمن الذي يتطلبه هدف من هذا النوع وبغض النظر عن الجهة التي ستدفع ذلك الثمن، وهي هنا الشعب السوري، وليس أحدا سواه. قد لا تكون تلك الرؤية ملزمة لأحد، وبالأخص للأطراف الدولية الممسكة بالجزء الأكبر من خيوط الصراع الدموي، غير أنها في الوقت نفسه قد تؤدي إلى اطالة أمد الصراع إلى وقت بعيد.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى