من يشعل نار الفتنة الدينية في مصر؟ (فاروق يوسف)

 


فاروق يوسف

 

هل كانت الفتنة الدينية في مصر نائمة فأيقظها الأخوان؟
لقد شهد التاريخ المصري المعاصر وبالاخص خلال العقدين الاخيرين لحظات صدام، كان اقباط ومسلمون طرفاها، حطب نارها ومادة صور حقدها الاعمى. كان هناك دائما من يقول ان خيوط تلك اللعبة الشريرة التي لا ترحم أحدا تمتد إلى الخارج. والمقصود هنا: ان هناك من يحث الاقباط على افتعال الازمات الدينية من أجل زعزعة الامن والاستقرار في البلاد.
ما يهب ذلك الكلام شيئا من المصداقية ان هناك عددا من الاقباط المصريين المقيمين في الولايات المتحدة انصب جل اهتمامهم على التحريض ضد الاكثرية المسلمة في مصر وحث الاقباط على الالتزام بعزلتهم، منفصلين عن الجسد المصري. غير ان ذلك الحراك السلبي لم يكن الا جزءا من مشكلة ثقافية واجتماعية صار المجتمع المصري يواجهها كل لحظة مع انتشار المد الاسلاموي بين صفوف الطبقات الفقيرة، ذلك الانتشار الذي توج بصعود حركة الاخوان المسلمين إلى السلطة بعد سقوط نظام حسني مبارك.
شعور الاقباط بالخطر له ما يبرره، في ظل تراجع أسس ومقومات الدولة المدنية وتقدم فكرة الدولة الدينية التي تعتمد الشريعة الاسلامية دستورا لها، وهو ما يعني بالضرورة تحول الاقباط من مواطنين الى أهل ذمة. الامر الذي يعني استبعادهم من المشاركة في الحياة السياسية ومن المواقع التي يتم من خلالها اتخاذ القرارات التي تتعلق بمصيرهم.
غير ان تلك المخاوف التي تستند إلى التوقعات التي قد لا يقبلها الواقع المصري المعقد لم تكن الا قمة جبل الجليد الغاطس عميقا في المياه. فالازمة النفسية التي يعيشها الاقباط وهم يرون تدهور علاقتهم بمحيطهم المسلم انما تستلهم عناصرها المتفجرة من تدهور مفهوم المواطنة في مصر. وهو الوضع الذي نتج بشكل مباشر عن ضعف الدولة المصرية وتراجع سلطة القانون وتفشي كل مظاهر الفساد بين مرافق الدولة الحيوية والخدمية.
لقد ظهرت الدولة في المواقع التي شهدت صدامات دموية بين مسلمين واقباط في أوقات سابقة كما لو أنها مسلوبة الارادة من جهة ادارتها لاليات السلم الاهلي وسبل الوقاية الاحترازية من العنف والجريمة. غالبا ما كانت الدولة تحضر بعد سقوط ضحايا وبعد احراق ممتلكات وبعد أن ينتشر الذعر بين المواطنين. وهو ما دفع ببعض الاقباط الى الاعتقاد ان هناك أجهزة في الدولة متواطئة مع محدثي الشغب الذي يهدد وجودهم الاصيل ويهدف الى اقتلاعهم وانهاء قيمتهم الرمزية، باعتبارهم سكان مصر الاصليين.
واذا كان الحديث عن تواطؤ ما في المراحل السابقة تعبيرا عن الظن الملغوم بشعور عميق بالخوف والارتياب فانه في ظل الدعوات الحالية الى اعتماد الشريعة من قبل الجماعات الاصولية المتشددة صار يكتسب نوعا صلبا من الخيال الواقعي.
ما وقع خلال الايام القليلة الماضية من أحداث مأساوية اتخذت طابع الفتنة الدينية تقع مسؤوليته كاملة على عاتق الدولة، كونها الجهة المسؤولة عن حماية مواطنيها من كل أشكال العنف، وبالاخص منها ما يمكن اعتباره عنفا ممنهجا ومنظما، القصد منه ترويع فئات بعينها من المجتمع ودفعها الى الرحيل واختيار المنافي حلا. وهو ما يجعلنا نتذكر المصير المأساوي الذي انتهت إليه الاقليات في العراق وبالاخص المسيحيون والصائبة. لقد جرى لهم ما يجري اليوم للاقباط في مصر. بدأ الامر باحراق اماكن عبادتهم وانتهى بتهجيرهم. وهو ما يجعل من المجتمع والدولة شريكين في جريمة ذات ابعاد انسانية وثقافية وتاريخية.


لقد تم استضعاف المجتمع من قبل ادعياء الدين عن طريق تجهيله فصار بعضه عدوا للبعض الآخر، الامر الذي أضعف قدرته على أن يستمر منسجما مع ذاته وفق مبدأ التعايش والتسامح الذي كان سائدا لقرون. وبهذا يكون المجتمع هو المهدد بالتفكك والازاحة وليست الاقليات وحدها.

ميدل ايست أونلاين

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى