«مواجهة التطرف العنيف»: مخاطر وأضرار

ينظر الكونغرس في تشريع جديد، سينشئ كياناً بيروقراطياً جديداً داخل وزارة الأمن الداخلي لـ «مواجهة التطرف العنيف». ووفقاً لمشروع القانون المقترح، سيكون مطلوباً من وزارة الأمن الداخلي إعادة تخصيص أموال لمكتب جديد ذي صلاحيات موسعة، لتنسيق جهود مواجهة التطرف العنيف.

ونظراً لأن البرامج المقترحة في مشروع القانون قد جُرّبت من قبل واتضح أنها تعاني من قصور، فقد يبدو مستغرباً أن يقرر الكونغرس مضاعفة الرهان على مجهود فاشل. لكن ليس هناك ما يدعو للاستغراب، فمفهوم «مواجهة التطرف العنيف»، برغم الفرضيات الخاطئة التي بُني عليها، أصبح موضة سائدة الآن في واشنطن، تصاحبها «صناعة منزلية» كاملة من الممارسين الذين يبيعون بضائعهم للوكالات الحكومية.

ولأن مفهوم «مواجهة التطرف العنيف» يُعدّ جديداً، فإن تبني برامج وممارسات على أساسه تكون في العادة من غير أساس تجريبي، وهو أمر مأساوي، خصوصاً عندما ترتبط المسألة بالتعامل مع العرب والمسلمين كتهديد للأمن القومي.

الإجراءات والتدابير المنحازة ضد العرب والمسلمين لم تبدأ في عهد الإدارة الحالية، بل هي أقدم من ذلك بكثير. ففي إدارة كلينتون بدأت تلك الإجراءات باستجواب واستنطاق خاص للمسافرين ذوي الملامح العربية أو الإسلامية في المطارات الأميركية، وفي إدارة بوش تمّ تطبيق «برنامج التسجيل الخاص» بعد هجمات 11 أيلول، فطال 100 ألف من العرب والمسلمين الزائرين للولايات المتحدة، وفي عهد الإدارة الحالية صدرت تعليمات تتطلب من جميع الركاب الذين يصعدون للطائرات من مطارات دول عربية وإسلامية أن يخرجوا من منها مع أمتعتهم كي يخضعوا لإجراءات تفتيش خاصة.

إضافة إلى ذلك، فقد خصصت إدارة أوباما مليارات الدولارات لبرنامج «سبوت» الخاص بتدريب ضباط الأمن الأميركيين، على كيفية التعرف على الإرهابيين المحتملين من خلال «علم» مشكوك فيه، يقوم على التركيز على ملامح الوجه والتصرفات السلوكية للمشتبه فيهم.

وكانت الخلاصة النهائية لتلك الممارسات والبرامج هي الفشل الذريع، برغم التكاليف الباهظة التي تكبدتها الإدارات الأميركية المتعاقبة في سبيل تطبيقها، حيث لم يتم القبض على إرهابيين بفضلها، بينما كان تأثيرها النفسي والمعنوي على المجتمعات العربية والمسلمين بالغ السلبية.

والآن نرى «الصرعة» الأخيرة التي أسرت خيال مشرّعي القوانين في الولايات المتحدة، وهي القائمة على مفهوم «مواجهة الإرهاب العنيف» والمقصود به «الإرهاب الإسلامي» الناتج عن الأفكار المتطرفة. وشأنه شأن الكثير من المشروعات التي سبقته، فإن برنامج مواجهة الإرهاب العنيف هو الآخر سوف يستنزف أموالاً ومخصصات في ما لا طائل من ورائه!

ونظراً لأن البرنامج يفترض أن الأفكار هي المحرك الرئيس للتطرف، فهو يفترض كذلك أن المفتاح لمواجهة التطرف يتمثل في توجيه «الرسالة الصحيحة» لهزيمة الأفكار السيئة، وهذا تحليل خاطئ بالطبع، لأن أسباب التطرف العنيف في الولايات المتحدة أعمق وأوسع من ذلك بكثير، فهي لا تتمثل في الأفكار، وإنما في المشكلات الاجتماعية والشخصية، التي تجعل الأفراد معرّضين للتعلق بهذه الأفكار لتبرير مشاعر الغضب والإحساس بالإقصاء والتهميش اللذين يعانونهما.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى