موسكو تنعى «جنيف»… وجهد غربيّ لجرّها إليه

تواصلت العملية العسكرية التي أطلقها الجيش السوري في محيط دمشق الجنوبي الشرقي، لتحرير مخيم اليرموك وحيّي القدم والحجر الأسود المجاورين من تنظيم «داعش»، في موازاة عودة خطوط المفاوضات إلى العمل، من أجل الوصول إلى اتفاق يتيح رحيل المسلحين والمدنيين الرافضين تسوية أوضاعهم والبقاء تحت راية الدولة السورية. وتشير المعطيات الميدانية إلى أن الاستهدافات الجوية والصاروخية، كما عمليات التقدم البري، لن تتوقف حتى اكتمال صيغة الاتفاق والبدء بإنجازه، أي إن على مسلحي التنظيم التفاوض تحت النار. هذا الموقف الحاسم من دمشق لإنهاء الوجود العسكري الأخير على تخوم العاصمة، ترافق وجملة تطورات لافتة على الصعيد السياسي. فبينما كان المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا يبحث في موسكو تطورات الملف السوري ــ كعادته قبل معظم جولات المحادثات السابقة ــ خرجت تصريحات عن وزير الخارجية سيرغي لافروف تشير إلى وجود «قبول» لدى الرئيس فلاديمير بوتين لتلبية دعوة من نظيره الأميركي دونالد ترامب. هذ الحديث الذي أُتبع بتأكيدات من لافروف نفسه أن التحضيرات لقمّة بين الرئيسين لم تبدأ بعد، ترافق مع حراك ديبلوماسي روسي لافت في واشنطن؛ فقد استقبل مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، السفير الروسي لدى الولايات المتحدة أناتولي أنتونوف، الخميس، في «البيت الأبيض». كذلك التقى السفير الروسي مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية، توماس شانون، خلف أبواب مغلقة.

وبينما لا يزال من المبكر الحديث عن إمكانية انعكاس مثل هذا النشاط على العلاقة المتوترة بين البلدين، فقد بدا ملفتاً ــ بالتوازي ــ أن ثلاثي العدوان الأخير على سوريا، الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، طرح صيغة معدّلة من مشروع القرار المشترك «الشامل» حول الملف السوري، تتضمن، وفق ما نقلته وكالة «فرانس برس» عن مصادر ديبلوماسية، إشارة واضحة إلى «تشكيل لجنة دستورية»، وهو ما يتقاطع مع المُخرج الرئيس لمؤتمر «الحوار الوطني» الذي استضافته سوتشي الروسية. ويأتي الكشف عن هذا التعديل اللافت في ضوء زيارة دي ميستورا لموسكو، ولقائه وزيري الخارجية والدفاع، ويمكن قراءته على أنه محاولة لإقناع موسكو بالتعاون في مسار محادثات جنيف، رغم التصعيد الأخير عقب الضربة العسكرية ضد سوريا. غير أن التعليقات التي أدلى بها وزير الخارجية سيرغي لافروف، أمس، لا تشير إلى أجواء إيجابية في هذا الشأن. فقد أشار إلى أن «الاعتداء عقّد الكثير من الأمور، من بينها مهمة المبعوث الأممي»، وذهب إلى أن البلدان الثلاثة (الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا) «لم تكن تقصف المنشآت الكيميائية الخيالية في سوريا، بل كانت تقصف عملية جنيف»، مذكّراً بأنه «بعد مؤتمر سوتشي والقمة الرئاسية (الروسية ــ التركية ــ الإيرانية) في أنقرة، كنا قريبين من إعادة إطلاق المحادثات السورية ــ السورية في جنيف». ولفت إلى أن «العملية السياسية يجب أن تتيح للسوريين تحديد مستقبلهم من دون تدخل أجنبي»، مضيفاً أن المحادثات مع دي ميستورا كانت بنّاءة «ولدينا فهم مشترك بشأن كيفية تخطّي الأزمة».

وقوبلت المحاولة الغربية لزجّ موسكو ــ ومن خلفها حلفاؤها ــ في مسار التفاوض، تحت سقف الاعتداء العسكري الأخير، بتحريك موسكو لورقة مهمة في الملف السوري. فبعدما خرجت تصريحات روسية (الأسبوع الماضي) تتحدث عن عودة «بحث» تسليم القوات السورية منظومة «S300» للدفاع الجوي، أكد لافروف أمس أن الضربة العسكرية الثلاثية «حلّت» بلاده من أي «التزام أخلاقي» يمنعها من تسليم المنظومة إلى سوريا، مشيراً إلى أنها كانت تعرقل هذا التسليم لسنوات طويلة «بناءً على طلب أحد الشركاء المعروفين»، ولاعتقادها بأن ذلك من شأنه «زعزعة الاستقرار» في المنطقة. وجاء كلام لافروف قبيل اجتماعه أمس مع الرئيس فلاديمير بوتين، بحضور وزير الدفاع سيرغي شويغو، ورئيس أركان القوات المسلحة الروسية فاليري غيراسيموف، حيث أكد «الكرملن» أن الملف السوري كان بين الموضوعات التي ضمّها جدول أعمال الاجتماع. وفي المقابل، نقلت وسائل إعلام أميركية عن وزير الدفاع جايمس ماتيس قوله، تعليقاً على الضربات التي نفّذتها قوات بلاده مع فرنسا وبريطانيا: «لقد كان هناك إجماع على تلك الضربات، غير المفضّلة ولكن الضرورية على مراكز البحث والهندسة في منظومة الأسلحة» السورية، معتبراً في الوقت نفسه أن «تجاهل المجتمع الدولي من قبل (الرئيس بشار) الأسد لن يكون تصرفاً حكيماً».

وعلى الأرض، واصل الجيش السوري وحلفاؤه عملياتهم العسكرية في محيط مخيم اليرموك وحيّي القدم والحجر الأسود. وشهد أمس قصفاً صاروخياً وجوياً عنيفاً على مواقع «داعش» ضمن تلك الأحياء، في حين تقدم الجيش على حساب الفصائل المسلحة انطلاقاً من حيّ التضامن. وتجري العمليات بالتزامن مع مفاوضات لإنجاز اتفاق في منطقة سيطرة «داعش» من جهة، وآخر في مناطق سيطرة الفصائل المسلحة في يلدا وببيلا وبيت سحم. ومن المفترض أن يتضمن الاتفاق إخراج المسلحين من الجيب الأخير إلى الشمال السوري، على أن يغادر عناصر «داعش» إلى البادية الشرقية. وتؤكد المعطيات أن تنفيذ الاتفاق رهن التزام الفصائل المسلحة بكل بنوده وشروطه، على أن يستمر الزخم العسكري حتى الوصول إلى تلك النقطة.

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى