مَن لوث وجه سوريا بالأصباغ الدينية؟ (فاروق يوسف)

 
فاروق يوسف
 

يمكن استبعاد الأسد من المعادلة الافتراضية لمستقبل سوريا. من يستطيع استبعاد الإرهاب من المعادلة الواقعية لمثل هذا المستقبل؟
لو أقر مؤتمر جنيف 2 الخاص بالحرب في سوريا (في حالة انعقاده طبعا الشهر القادم) مسألة استبعاد الرئيس الاسد من المعادلة الافتراضية الخاصة بالمرحلة الانتقالية فمَن يضمن القدرة على استبعاد الجماعات الارهابية من المعادلة الواقعية على الارض؟
قبل سنتين ونصف كان حديث الارهاب واحدة من أعلى نغمات الاعلام الرسمي. اليوم يمشي الارهاب على قدمين من نار في مختلف الاراضي السورية.
هناك اليوم مئات الفصائل المسلحة التي يجري توحيد بعضها تجنبا لقتال يمكن أن يقع في أية لحظة يقرر أفرادها فيها أن يفترس بعضهم البعض الآخر.
هناك الاف المقاتلين الذين يزعم البعض أن اسقاط النظام هو الخيط الوحيد الذي يجمع بينهم. وهو ما يعني أنهم يختلفون في كل شيء، وعلى كل شيء، ومن أجل كل شيء لو اختفى النظام فجأة.
وجود النظام وحده هو الكفيل بتوحيد جزء كبير من المعارضة.
ولم تكن بنية المعارضة الهشة تلك خافية على أحد.
لقد جرى كل شيء علانية ولم يقع شيء في العتمة.
تدفق المقاتلون إلى الاراضي السورية وفق مخطط مدروس. تم نقلهم بالطائرات وتجميعهم في مناطق حدودية معينة وبعد ذلك أطُلق لهم العنان في مناطق سورية بعينها، ضمن مبدأ واضح لتقاسم السلطة والعنف والجريمة على الأرض.
ما شهدته مؤتمرات المعارضة السورية من تجاذبات وحالات استقطاب كان هناك ما يقابلها من وقائع مباشرة على الارض.
فلكل طرف من الاطراف الاقليمية والدولية الداعمة والممولة جماعة تمثله، في القرار السياسي كما على الخرائط في جغرافيا صار القتل مظلتها الوحيدة.
ولم تكن حدود النقاش بين صفوف المعارضة، مدنية كانت أم دينية لتصل إلى مرحلة سوء الفهم أبدا. لم يقاطع أحد أحدا ولم ينسحب أحد محتجا أو غاضبا.
التراضي كان دائما هو الصفة التي كانت تحوم حولها كل الصفقات.
كان هناك دائما ما ومن يبرر الضغوط التي يمارسها ذلك الطرف أو ذاك من أجل القبول بإملاءاته.
وقف معاذ الخطيب ذات مرة مدافعا عن جبهة النصرة. مَن يتذكر ذلك؟
القبول بمعاذ الخطيب هو الآخر رئيسا للإئتلاف الوطني السوري تم من خلال صفقة فرضتها الدوحة ووافق عليها الآخرون.
كانت الاخونة واضحة منذ المؤتمر الأول لقوى المعارضة الذي عقد في اسطنبول. وكان هناك ميل أميركي واضح لمعارضة ذات صبغة دينية.
ثم بعد ذلك تعلن الادارة الاميركية عن خشيتها من وقوع الاسلحة في أيدي مقاتلين اسلاميين متشددين في حالة أن تمت الموافقة على تسليح المعارضة.
لعبة يكاد يكون طرفاها الشخص نفسه.
علينا أن نتوهم أن قطر قامت بتنظيم رحلات "المجاهدين" إلى الاراضي السورية وتسليحهم ودعمهم من غير علم الاجهزة الاستخبارية الاميركية.
أوهام من هذا النوع جرى تسويق الكثير منها في الحالة السورية.
يوما ما سيأتي الاعتراف بما جرى، لكن من جهة أميركية.
كان ضروريا أن تتم تصفية الثورة السورية من خلال تفكيك أهدافها وتوزيعها بين جماعات مختلفة. كان مطلوبا أن يلوث الوجه المدني لتلك الثورة بالأصباغ الدينية التي ستكون مادة جاهزة لرسم لوحة المستقبل الطائفي لسوريا. كان أمرا ملحا أن يمتد الخراب من الحجر إلى البشر، فتشهد الاطلال قيام محاكم تفتيش تمهد لعودة سوريا إلى زمن الاقطاع الديني ونفوذ عصابات قطاع الطرق.
كل ذلك وسواه من الاهداف المستعجلة انما تقع مسؤوليته على الاطراف السياسية الفاعلة في الازمة السورية. لن تكون جملة من نوع "صنع في قطر" مقنعة للكثيرين. ما من أحد بريء. ما من أحد نظيف. لقد ساهم الجميع في انحراف الثورة السورية عن مسارها. فكان أن تحول درس الحرية الذي هو شعار الثورة الأول إلى غرفة تعذيب يديرها قطاع طرق قادمون من البعيد المظلم.

ميدل ايست اونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى