مُشكلة الحريري في ازدواجيّة هَويّته.. وتَناسيه أنّه يَخضع لسُلطة كَفيله السّعودي

المُعضلة الكُبرى للسيد سعد الحريري، فكّ الله أسره، إذا كان مُحتجزًا، ولا يوجد حتى الآن ما يُثبت عَكس ذلك، هي ازدواجيّة الهويّة، التي عانى منها والده من قِبْله، فهو نِصف سُعودي، ونِصف لبناني، والشّق السعودي هو الأقوى دائمًا، إلا فيما نَدر، خاصّةً في العَهد الحالي، حيث لا يَكُن له الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، والحاكم الفِعلي للبلاد الكثير من الوِد، ويَعتبره مَحسوبًا على جناح آل فهد، في الأُسرة الحاكمة، وهو جناح أُخرج من السلطة، وأحد رُموزِه عبد العزيز بن فهد الذي كان على بُعد خُطوةٍ واحدةٍ من تولّي العَرش خَلفًا لوالده، يَقبع حاليًّا في الإقامة الجبريّة في أحد قُصورِه.

عندما تأزّمت علاقاته الماليّة والتجاريّة مع المملكة، وَصلت شركته “سعودي أوجيه” العِملاقة إلى حافّة الإفلاس بعد صُعود نجم الأمير محمد بن سلمان، فاجأ السيد الحريري الجميع عندما عاد إلى بيروت، وعَقد صفقةً مع “حزب الله” والعماد ميشال عون، أدّت إلى انفراجِ الأزمتين السياسيّة والرئاسيّة، عاد بمُقتضاها إلى رئاسة الوزراء قبل عامٍ تقريبًا. اللبنانيون، أو مُعظمهم، قدّروا له هذهِ المُبادرة، وأشادوا بوَعيه اللبناني المَسؤول، وقدّموا له كُل الدّعم، لأن الشّق اللبناني في هَويّته تقدّم على نَظيره السعودي، لكن قُبوله بالاستدعاء العاجل إلى الرياض قبل عَشرة أيّام، أوقعه في مِصيدة يبدو من الصّعب عليهِ الفَكاك مِنها.

عَودة الحريري إلى لبنان باتت الحديث الأكثر تداولاً على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي معًا، ودَخل المطران بشارة الراعي على الخَط عندما صرّح بعد لقائه، أي السيد الحريري، في الرياض أن عَودته ستكون أسرع ممّا يَتوقّعه الكَثيرون.
يَصعب علينا أن نَفهم مُسلسل العَودة هذا، أو نَستسيغه، فإمّا يعود الرجل أو لا يعود، فإذا كان يَملُك حُريّته كاملةً فإن الأمر لا يحتاج إلا الذهاب إلى مطار الرياض، واستقلال أول طائرةٍ إلى أيِّ مكانٍ في العالم، وليس بيروت فقط، إذا كانت طائرته الخاصّة ليست تحت تَصرّفه.

المُقابلة التي أعطاها السيد الحريري إلى مَحطّة تلفزيون “المستقبل” التي يَمْلُكها، وأظهرت أنّه يقول ما يُملى عليه، ألحقت ضررًا بالغًا به، ومُضيفيه السعوديين أيضًا، وأعطت نتائج عكسيّة، ليس لأن إخراجها رديء، ومَضمونها كان باهتًا ومُكرّرًا، لم يَخرج منه المُشاهد بأيِّ مَعلومةٍ جديدةٍ حول أزمته، وإنّما لأنه ثَبّت كل الآراء والتكهّنات التي تُؤكّد عمليّة احتجازه، وفُقدانه لإرداته، وقلّصت من حَجم التّعاطف الكبير الذي حَظِي بِه في بداية الأزمة.

فرنسا لَعِبت دورًا بارزًا في حملة التضليل حوله، أي السيد الحريري، عندما قالت على لسان جان أوف لورديان، وزير خارجيّتها، أن الرجل يَتمتّع بحُريّةِ الحَركة لتتراجع وتُؤكّد عبر بيانٍ رسمي بأن الحال ليس كذلك، واليوم تتوارد أنباء شِبه مُؤكّدة أن الرئيس الفرنسي إيمانيول ماكرون وَضع مُهلةً لعَودة السيد الحريري تنتهي مساءَ غَدٍ الأربعاء، إلى بيروت أثناء لقاء مُغلق عَقده مع صحافيين عرب، وبادر بالاتصال بالأمين العام للأُمم المتحدة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتَدويل المَسألة، وبِما يُؤدّي إلى سُرعة مُغادرته، وإلا فإنّ فرنسا سَتلجأ إلى مجلس الأمن الدولي، حسب صحيفة “الأخبار” اللبنانيّة.

لم تَعُد عَودة الحريري على الدّرجة نَفسها من الأهميّة، بسبب عمليّات التّضليل التي فَرضتها، وبات الأكثر أهميّةً في رأينا، هو ما سَيقوله بعد عَودته، في حال حُدوثها، والتّحالفات التي سَيُؤسسها، وما إذا كان سَيُصِر على استقالته أو يَعتبرها لاغيةً لأنها فُرضت عليه، ثم كيف سيكون مَوقفه تُجاه المملكة العربيّة السعوديّة، وهل سَيتأثّر بوجود أُسرته في الرياض؟

إذا عادَ السيد الحريري إلى بيروت لُبنانيًّا، وهذا ما نَشُك فيه، سَيتحوّل إلى بطلٍ يَحمله جميع اللبنانيين على الأعناق، أمّا إذا عاد بهَويّةٍ غير واضحةِ المعالم، ويَطغى عليها الشّق السعودي، فَمِن الأفضل أن يَظل حيثما يتواجد، لأن العَودة في هذهِ الحالة سَتكون قيادة مَشروع ربّما يُؤدّي إلى تفجيرِ لبنان وزعزعة استقراره، وإغراقه في حُروبٍ يَعرف أين تبدأ، ولا يَعرف متى وأين تنتهي.

يَسودنا اعتقاد بأنّ الرّجل مأزوم، وباتَ يُدرك أن الخَطر على حياتِه وحُريّته في الرياض لا يَقل خُطورةً عن نَظيره في بيروت، خاصّةً إذا قرّر التمرّد، وشَق عصا الطّاعة على كَفيله السعودي الذي يَمْلُك الكثير من الأوراق القَويّة التي يُمكن أن يُوظّفها ضِدّه، خاصّةً أن من يَحكُم السعوديّة اعتقل أكثر من 200 شخص من بينهم 11 أميرًا من أبناء عُمومته، لا نَعتقد أنّه سيَتردّد لحظةً في إرساله إلى فندق الريتز كارلتون ليَنضم إليهم، وبِرُتبة رئيس وزراء سابق..
لن يحتاج إلى جُهد لإيجاد الأدلّة، ومِثلما للجنسيّة السعوديّة من مَزايا ماليّة عليها تَبِعات أيضًا.. وأنصاف الحُلول والمَواقف ليست من إرث العَهد السعودي الحالي، اللهم إلا إذا تراجع العهد السعودي الجديد عن مُخطّطاته للبنان.. والأيّام بيننا.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى