نافذة الحلّ السياسيّ «الضيّقة»

الأفق يضيق. لم يبق سوى شهر للتوصّل إلى حلّ سياسيّ في سوريا بحسب قرار مجلس الأمن. فهل تستشعر الأطراف المعنيّة «ضرورة الاستعجال لطرح أفكارٍ لتضييق الخلافات حول فهم كلٍّ منها لمعنى الحلّ السياسيّ»؟ كما تساءل المبعوث الأمميّ. إن لم يحصل ذلك، ستندفع الأمور إلى ما بعد تولّي رئيس جديد للولايات المتحدة، كما يراهن البعض. ما يعني عمليّاً سنة أخرى من الدمار والقتل العبثيّ في سوريا.

لم تقدّم حقّاً المجموعات السوريّة المشاركة في جنيف أفكاراً جديدة. في المقابل برز تسارع وتيرة المصالحات الإقليميّة – الدوليّة، وأهمّها المصالحة بين روسيا وتركيا وتركيا وإسرائيل واحتمالات تقارب تركي – إيرانيّ في وجهات النظر تجاه الصراع السوريّ، برعاية روسيّة.

هذا التسارع هو اللافت، وهو ما يُمكن أن يحمل دلالات عميقة، بينما يستمرّ الصراع العسكريّ على الأرض في التدمير والقتل العبثيّ، وحيث يبدو الحسم ممنوعاً عن أيٍّ من الأطراف. إنّ السلطة السوريّة وحلفاءها لم تجد مساندةً حقيقيّة من الطيران الروسيّ لإحكام الحصار على المناطق الشرقيّة لحلب، ولا حتّى لتقدّمها نحو مدينة الطبقة. كما لم تمنع روسيا تقدّم الفصائل المسلّحة في جبهة الساحل. أضِف أنّه قد يكون هناك تبعات كبيرة لما يشاع عن تقدّم التوافق الأميركي – الروسيّ لضرب «جبهة النصرة» و «للمحاسبة» التركيّة المتوقعّة لقتلة الطيّار الروسيّ. وبالتالي يبدو أنّ منطق الصراع قد تغيّر من مرحلة وقف «الأعمال الحربيّة» باتجاه تفضيل إنهاك المتقاتلين على حساب كسب ثقتهم لإحدى الجهات الإقليميّة أو الدوليّة. وهذا ما قد يسمح بفرض أيّ حلّ في الوقت المناسب.

ويبقى السؤال كبيراً حول مآلات هذا التسارع وإمكانيّة استغلال النافذة، فما الذي يُمكن إخراجه سياسيّاً بفترة قصيرة على الصعيد السوريّ كي «يمنح الثقة لجميع الأطراف» ويحشد الجهود ولو تدريجيّاً لمعركة طويلة بطبيعتها مع «الدولة الإسلاميّة» و «جبهة النصرة»، وللمعركة الأخرى التي لا تقلّ عنها صعوبة وهي رأب الصدع السوريّ المتعدّد الوجهات؟

هذا السؤال الكبير يتضمّن جزئيّات تستحقّ الانتباه. لماذا لم تعمد السلطة السوريّة إلى تعيين حكومة جديدة إلى الآن برغم إسراعها في إجراء «انتخابات برلمانيّة»، علماً أنّ الأوضاع الاقتصادية كارثيّة على المواطنين كما انفلات الفساد؟ وهل نجحت الديبلوماسيّة الأوروبيّة حقّاً في خلق تواصلٍ جديد بين أطرافٍ سياسيّة سوريّة متنافرة، خاصّة بين «الهيئة العليا» و «حزب الاتحاد الديموقراطيّ»، بعد كلّ المهاترات الإعلاميّة التي رافقت جولات «جنيف 3»؟ وما هي آثار المسارات التواصليّة على الصعيد الاجتماعيّ التي قامت بها أطراف متعدّدة، خاصّة الأمم المتحدة فيما يخصّ النساء؟ وما دلالات تواصل «تيار الغدّ السوريّ» المحسوب على السعوديّة مع روسيا؟ وسلسلة الأسئلة طويلة.

بالطبع، يجب على ما يُمكن إخراجه سياسيّاً أن يكون شاملاً للجميع في سوريا. لكن في المقابل لا يُمكن أن يتمّ إنتاجه بشكلٍ سريع في ظلّ الهوّة التي ما زالت عميقة بين السلطة و «المعارضات»، وبين أطياف المعارضة ذاتها، ليس فقط ضمن أطراف «الهيئة العليا»، بل أيضاً بين هذه «الهيئة» والأطراف الأخرى.

قد يكمُن الحلّ في صيغة وسطيّة بين مختلف الطروحات القائمة. صيغة تحمل سلطات «كاملة» أو على الأقلّ «كافية» للشروع بالانتقال السياسيّ، يُمكن أن تقبل بها معظم المكوّنات والقوى السياسيّة. لن تمثّل الصيغة المعنيّة «انتصاراً للنظام» أو «للثورة» أو «للفدراليّة»، بل تؤسّس، في فترةٍ «ما قبل انتقالية»، لتنظيم الحوار بين السوريين وللتوافق على صيغة حكم جديدة تحفظ حقوق الجميع (بعناصرها التنفيذيّة والتشريعيّة والقضائيّة) وقبل كلّ شيء تمثّل أرضيّةً لوقف الأعمال الحربيّة.

ربّما يشعُر المتطرّفون أنّ شيئاً من هذا القبيل يتمّ إعداده دوليّاً، ولهذا يستبِقون الأمر بمحاولات لتفجير لبنان وتركيا عبر العمليّات الإرهابيّة. وهذا ما يُمكن توقّعه داخل سوريا عند بزوغ أيّ حلٍّ سياسيّ.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى