نحن من يسيء إلى الإسلام … لا هم (د.إياد العرفي)

د.إياد العرفي

عجيب أمر العرب والمسلمين … تبقر بطون الحوامل في بلد عربي مسلم، فتكون ردة فعل ملايين العرب والمسلمين "يا حرام" … يشاهدون صور أطفال إخوانهم وقد ذبحوا كالنعاج، فيغيرون المحطة لمتابعة "أولمبياد لندن" الأكثر ترفيها … يتابع العالم مشاهد مدن وأحياء في بلد عربي مسلم تدمر، والعرب والمسلمون يدفعون مئات ملايين الدولارات لمتابعة "نهائيات كأس أوروبا لكرة القدم" وينهمكون في تشجيع اسبانيا و ألمانيا و إيطاليا…. يطلب الهاربون من الموت من إخوانهم إغاثتهم (كون إغاثة الملهوف من شيم العرب والمسلمين!!!)، فترتفع الأصوات مطالبة بإقفال الحدود بوجههم لأنهم يشكلون "عبأ" اقتصاديا و"غزوا" ثقافيا لجارتهم "الشقيقة" (وكأنهم آتون من السويد أو اليابان) وهو آخر ما سمعت من بعض "الأشقاء" عن خطورة استقبال "اللاجئين"في بلدهم … يعلم العرب والمسلون أن إخوة لهم يسمونهم"لاجئين" لا يجدون رغيف خبز يطعمهم ولا سقفا يقيهم حر الصيف، وهم ينفقون في فصل الصيف 67 مليار دولار في رحلات اصطيافهم … يعرفون أن "أخواتهم في الإسلام" يغتصبن، فيفضلون متابعة أغاني هيفاء ونانسي كي لا يصابوا "بالاكتئاب" … تباع حرائر "الشقيقات" و"البنات" القاصرات في مخيمات "اللجوء"، ولا يرف جفن للمدافعين عن النخوة والشرف والدين … يشاهدون المساجد تقصف في بلد الخلافة الإسلامية ولا تتحرك فيهم النخوة الإسلامية ولا الإنسانية … يرون بأم العين ويسمعون شعارات "تؤله" الحاكم فلا تثور حميتهم الدينية، ولا يعتبرون الأمر "مسيئا" للإسلام.
وفجأة "يسمع" الشعب العربي "المثقف" و"الواعي" والذي ”علم البشرية الحضارة" بفيلم يسيء للإسلام وللرسول الكريم (تأكيد خاص على كلمة "يسمع" كوني على يقين أن الغالبية العظمى ممن ثارت عصبيتهم وجن جنونهم لم يشاهدوا الفيلم) فتقوم قيامة الدنيا ولا تقعد: مظاهرات جنونية أمام السفارات الأمريكية والبريطانية والألمانية (يبدو أنهم لم يعرفوا أن عليهم مهاجمة سفارة بوركينا فاسو أيضا) ومحاولات لاقتحامها وذبح من فيها. يهاجمون ويقتلون سفيرا ودبلوماسيين كانوا حتى الأمس "أبطال تحريرهم من الطاغية"، حتى قوات الأمم المتحدة في سيناء هوجمت وأصيب فيها عناصر من كولومبيا!!! انضمت كولومبيا إلى قائمة الدول المتآمرة على الإسلام والمسيئة للرسول الكريم!!!
الفيلم الذي لم، ولن أشاهده، عرض منذ سنة ولم يسمع به أحد حتى في الولايات المتحدة، وبفضل "جهادنا" و"فزعتنا" أصبح فيلما عالميا سمع به وشاهده القاصي والداني … طريقة مبتكرة ومجانية للدعاية والترويج تستغل غباءنا وتخلفنا، مع أنها ليست جديدة فقد استعملت مع رواية سلمان رشدي التافهة، والكاريكاتير الدنماركي الأسخف.. ولم نتعلم بعد كيف نواجه أعداءنا في القرن الواحد والعشرين.
الإساءة لأي إنسان مرفوضة ومدانة، فكيف إذا كانت موجهة لرسول الله محمد عليه الصلاة والسلام، لكني شعرت بالحزن والأسى وأنا أرى أبناء جلدتي يتصرفون في القرن الحادي والعشرين بهمجية الإنسان الحجري، شعرت بالخجل وأنا أرى مشاهد مخزية تحدث في مدن عريقة كالقاهرة والخرطوم وصنعاء وتونس وطرابلس وغيرها، أنتجت الحضارة للبشرية في يوم من الأيام. لم أصدق الشعارات التي رددها من يسمون نفسهم بالإسلاميين … "يا أوباما كلنا أسامة" … وكأن أسامة هو أهم رمز للإسلام وليس ابن خلدون أو ابن الهيثم أو الفارابي أو ابن سينا أو، أو، أو … ألم يجدوا غير أسامة بن لادن رمزا للمسلمين ؟؟؟
الآمال التي وضعناها على "الربيع العربي" أصيبت بضربة موجعة خلال هذه التراجيديا المخزية، التي ألفها وأخرجها ومثلها، من وضعنا آمالنا عليهم لتغيير واقعنا المتخلف. توسمنا خيرا في شباب افترضنا أنهم وصلوا إلى درجة من الوعي تجعلهم يدركون أن الصراعات في القرن الحادي والعشرين لاتحل بالغوغائية والهمجية وتغييب العقل لصالح الغريزة الحيوانية، بل بالعلم والمعرفة والثقافة والحكمة، أي بمبدأ "جادلهم بالتي هي أحسن" التي علمنا إياها الدين الحنيف الذي يدعون أنهم يدافعون عنه.
يقول سبحانه وتعالى في محكم كتابه "شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم" صدق الله العظيم، فأين أولوا العلم، اللذين كرمهم الله في آيات عديدة من الفضيحة التي تحصل؟ هل هم من قتلوا أناس أبرياء لا ذنب لهم سوى أن فيلما سخيفا أنتج في بلدهم؟ هل هم من اقتحموا سفارات دول لا علاقة لها بالفيلم لا من قريب ولا من بعيد وأحرقوا أعلامها؟ هل هم من أعطوا العالم (في عصر الإعلام) أبشع صورة عن العرب والمسلمين؟
ردة الفعل التي شهدتها مدن عربية عديدة أساءت للإسلام أكثر مما أساء الفيلم بمئات المرات، وأثبتت مرة جديدة أننا نحن أعداء أنفسنا.
في الختام: يقول بزرجمهر: "الجاهل عدو نفسه … فكيف يكون صديق غيره؟". وبزرجمهر لمن لا يعرفه كان وزيرا حكيما لدى كسرى. أعدمه، كما جميع الطغاة، بسبب حكمته، وفيه كتب جبران خليل جبران قصيدة رائعة يقول فيها:
انظر وقد قتل "الحكيم" فهل ترى
إلا رسوما حوله وظلالا
فارجع إلى الملك العظيم وقل له
مات "النصيح" وعشت أنعم بالا

مات "الحكيم"  و"النصيح" في أمتنا … ولو أنه كان بيننا اليوم ويرى أفعالنا لما اضطر أحد لقتله، لأنه ببساطة كان سينتحر بسبب يأسه من كمية الجهل التي عششت في عقولنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى