هل انقلبت عمان على نفسها في ملف القدس؟

تنقلب عمان على “نفسها” فعلا في ملف “القدس″ بعد مراقبتها لسلسلة تطورات، أهمها وأخطرها الموقف الفلسطيني نفسه. إذ بدأت العاصمة الأردنية منذ زيارة الرئيس الفلسطيني (منتهي الولاية) محمود عباس للرياض، تنتظر تفصيلات أو شروحات رسمية من الجانب الفلسطيني، الامر الذي لم يحصل، لتتراكم بعد ذلك الملاحظات.

فقد تلا زيارة عباس للرياض، سفر عاهل الاردن الخاصة لوجهة غير معلنة (على الارجح لندن) وزيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لعمان وتفاصيل لقاء اللجنة السداسية وليس انتهاءً بمراقبة الحوارات في الكواليس الاسرائيلية عند الحديث عن الاردن والعلاقة معه.

الاحداث كلها ترصدها عمان بدقة، رغم انها قد لا تقرأها إلا في اتجاه واحد، فبالنسبة للأردن “حجب عباس″ لأي معلومات في ملف القدس والتسوية النهائية، يعني العودة للمربع صفر، اي ما قبل قرار الرئيس الامريكي دونالد ترامب اعلان القدس عاصمة للاسرائيليين، وتحديداً حين نسّق الفلسطينيون شؤونهم مع الامريكيين عبر مصر والرياض، الامر الذي ادّى لاحقا- ومن وجهة نظر عمان- لقرار الرئيس الامريكي اساساً.

قراءة عمان هنا، تضعها في موقف ملتبس، فاتخاذ اي خطوة “جريئة” من وزن استكمال قفزها على حاجز التاريخ مع المرجعية العثمانية وبالتالي الميل نحو محور تركيا- قطر- ايران، سيجعلها “خارج اللعبة” تماماً- من وجهة النظر المحلية-، ومعنى ذلك بالنسبة لها بعدها عن اي قرارات تطبخ في الرياض والقاهرة للفلسطينيين وبعيدة طبعا عن الطباخ الامريكي وطاقمه الاسرائيلي.

من هنا، يمكن فهم تمهّل العاصمة الاردنية ازاء الموقف الفلسطيني الغريب، والذي وصلتها معلومات انه مرتبط بجانبين: الاول الدعم الامريكي للسلطة الفلسطينية، والثاني “عرض مالي” تلقته السلطة من الجانب السعودي مقابل استئناف المفاوضات على الطاولة الامريكية. وهذا بالضرورة ايضا يفسر ما اعلنته فصائل فلسطينية عن مقاطعتها اجتماع المجلس المركزي لحركة التحرير- فتح.

عدم الرضا الاردني عن الموقف الفلسطيني تبلور تماما في لقاء اللجنة السداسية الذي عقد في عمان، حيث لوحظ غياب وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي من المؤتمر الصحفي وتأخره من حيث الحفاوة في لقاء الملك مع وزراء الخارجية الحاضرين.

في ذات الاجتماع والجلسة التابعة لمناقشات اللجنة السداسية كان الوزير السعودي الجبير يحمل معه رسالة تهدئة بدأت بتنقلاته في الاردن تحت قاعدة العلاقات الاجتماعية الممتدة بينه شخصيا وقبائل وعشائر الاردن، وبالتالي “نسف” تلك العلاقات المتوترة التي تصدرها السفير السعودي في عمان خالد بن فيصل خلال مرحلة ما بعد الاعلان الامريكي- وان كان النسف مجانيا ودون اي وعود ملموسة-، الامر الذي يمنح الاردن جرعة اضافية من الاسباب للتروي قبل الاندفاع نحو خيارات لا يزال يعتبرها متطرفة.

في الاثناء، وجد الاردن نفسه ابان عملية تستهدف عمقه من افراد لهم علاقة بتنظيم الدولة الاسلامية- داعش، والتي اعلنت دائرة المخابرات العامة عن احباطها، والقبض على نحو 15 شخصا متورطا فيها، مذكّرة طبعاً (أي الدائرة) بوجودها وحضورها العميق عبر انجازٍ جديد تحققه ادارتها الحديثة التي عادت لقاعدة العمل المخابراتي الهادئ دون ضجيج.

العملية المذكورة شكّلت تذكيراً لكل الاردنيين، ان عمان اليوم قد تكون في عمق الخطر والازمة في اي وقت بمجرد ان تغفل العيون والدوائر عنها، وكذلك طبعا بقية المحافظات، الامر الذي تطلب- من وجهة النظر الاردنية- استدارة نحو الداخل اكثر وجعل عاهل الاردن ينتقد الاصلاحات الداخلية في بلاده. بمعنى استشعار الخطر والتهديد ايضا يمكن فهم لقاء عاهل الاردن بالمتقاعدين العسكريين وفي الشمال (في بلدة كفر جايز بمحافظة اربد) المتوقع ان يكون اكثر من غيره مهدد من عناصر تنظيم الدولة الفارين من معارك سوريا والعراق.

يحصل كل هذا بينما يشعر الملك صاحب الوصاية الهاشمية أن الاسرائيليين باتوا يستهدفون بصورة واضحة تقويض وصايته لصالح ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان المتحمس كثيرا لتطبيع العلاقات مع اسرائيل، وبطريق سريع دون اي وساطة اردنية، الامر الذي يعني تهديدا “ثلاثي الابعاد” على الوصاية الهاشمية من الرياض والفلسطينيين والاسرائيليين معا، وهو ما يجعله امام الرهان الوحيد الذي قد يكون ناجحا وهو الرهان على المجتمع الدولي، كما اعلنه هو شخصيا.

في المقابل، لا يريد عاهل الاردن ان يتجه اليوم للرئيس التركي رجب طيب اردوغان بينما ترصد العاصمة الاردنية الازمات التي تُفتعل اليوم حول الاخير في كل دولة يتقارب معها، وهنا الحديث عن كون عمان لا تستطيع تحمل كلفة التقارب مع شخصية براغماتية “جدا” مثل اردوغان في الوقت الحالي، خصوصا مع تخوف كبير على ملفات لاحقة لملف القدس سيضعها الرئيس الامريكي على الطاولة.

بكل الاحوال، عين عمان مفتوحة تماما على ملفيّ اللاجئين الفلسطينيين والمستوطنات مع تركيز كبير على الاول، وهذا ما يمكن قراءته من لقاء وزير الخارجية ايمن الصفدي مع المفوض العام للوكالة الدولية لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الاونروا) بيير كرينبول. الا ان العاصمة الاردنية في المقابل تغضّ الطرف عن رفع السقف اكثر في ملف القدس، توخّيا لعدم اصطدامها بأي حال من الاحوال بالاجندات المتزاحمة والمتنافسة المجاورة.

خيار عمان حتى اللحظة يبدو واضحا، وان كان قد يعيد العاصمة الاردنية- وفق مراقبين- الى خانة التغييب والتجاهل في ترتيب ملفات خارطة الاقليم القادمة.

صحيفة رأي اليوم اللكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى