هل تبدل المبادرة معطيات الأزمة (فايز سارة)

فايز سارة

 

قدم معاذ الخطيب رئيس الائتلاف السوري المعارض عرضا لبدء حوار وتفاوض مشروط بين المعارضة والنظام حول حل الأزمة في سوريا، كان من آثارها ردود فعل متفاوتة ومتناقضة من أطراف فاعلة في الأزمة، وآخرين على ضفافها أو مصطفين بالقرب من أطراف الأزمة الأساسيين. وفي حين اتخذت السلطات السورية موقفا سلبيا من مبادرة الخطيب، قابل حلفاء دمشق في موسكو وطهران المبادرة بالترحيب، وهو موقف يقارب الموقف الإجمالي الذي اتخذته الدول الأوروبية والولايات المتحدة، وقد شجعت الأخيرة الخطيب، وأعلنت دعم مبادرته لإنهاء الأزمة، بينما ذهبت الجامعة العربية إلى الأبعد في موقفها، فدعمت المبادرة، وأبدت استعدادها لمساندة كل ما يقود لتسهيل انعقاد الحوار في إطار الاستفادة من أي فرصة متاحة لكسر دائرة العنف، وحقن دماء الشعب السوري، ووضع الأزمة المستعصية على مسار الحل السياسي.
وانقسمت بالتزامن مع المواقف السابقة مواقف المعارضة إزاء المبادرة في ثلاثة مسارات مختلفة، توزعت بين مؤيد ومتحفظ ومعارض، وكان الأخطر في الانقسام، معارضة المجلس الوطني للمبادرة، وهو مكون رئيسي في الائتلاف الوطني الذي يرأسه معاذ الخطيب.
وتستند أهمية مبادرة الخطيب إلى عدة نقاط، لعل الأهم فيها من الناحية الإجرائية ثلاث نقاط، الأولى، أنها تبدأ من مطلبين شديدي الحساسية بالنسبة للسوريين اليوم، يتمثلان في طلب الإفراج عن مائة وستين ألف معتقل في السجون السورية، وطلب تجديد جوازات سفر السوريين الموجودين في الخارج، والثانية، اعتبار الخطوتين المطلوبتين مقدمة جدية وعملية لفتح بوابة الحوار، والنقطة الثالثة فيما تستند إليه المبادرة من أهمية، أنها تمثل بداية لبحث جدي مباشر في موضوع الأزمة وبغية الوصول إلى خواتمها.
أما من الناحية السياسية، فإن للمبادرة أهمية أساسها، أنها تكسر حالة الجمود والانسداد الذي وصلت إليه الحالة السورية من المراوحة في المكان سياسيا، بينما يستمر حمام الدم والدمار السوري، ومن شأن المبادرة، أن تدفع أطرافا في الأزمة وحولها إلى إحداث تبدلات في مواقفها، أو تغيير تكتيكاتها؛ حيث إنه من الصعب تجاهل المبادرة أو التعامل معها وكأنها غير موجودة.
ولا يقل أهمية مما سبق، قول إن المبادرة تبدل موقع المعارضة في معادلة الصراع السياسي في الأزمة السورية، إذ تنقلها من طور المتلقي والمنفعل بالأحداث إلى دور المبادر واللاعب الحاضر على قدم المساواة مع الآخرين، وهو حدث جديد في مواقف المعارضة، التي اعتاد القسم الرئيسي منها، أن لا يفعل الكثير، وإن عمل فكل عمله يقتصر على رفض مواقف النظام وسياساته، وحتى مبادراته التي لا يتجاوز هدف النظام منها سوى كسب الوقت واللعب على الرأي العام الدولي بمحاولة إقناعه، أن السلطات السورية تسعى إلى حل سياسي للأزمة عبر دعوة المعارضة للحوار، لكن الأخيرة ترفض.
والحق، فإن أثر المبادرة على المعارضة، هو أكبر بكثير من مجرد تغيير موقع المعارضة في الصراع الجاري في سوريا وحولها. ذلك أن المبادرة أحدثت تبدلا جوهريا داخل المعارضة، بين نمطين وسلوكين، يجسد أحدهما المجلس الوطني السوري الذي عجز طوال نحو عام ونصف العام عن القيام بخطوات سياسية من شأنها تجسيد فعل ودور قوي ومؤثر للمعارضة في تطورات الأزمة، واقتصر سلوكه السياسي على الخطابة والشعارات، فيما يسعى الائتلاف نحو سلوك آخر من خلال مبادرة رئيسه، يكرس فيه حضورا فاعلا للمعارضة في معادلة الأزمة وتطوراتها، ولعل ذلك ما يفسر بعض سر الهجمة العنيفة للمجلس الوطني على مبادرة معاذ الخطيب.
إن مبادرة رئيس الائتلاف، لا تلقي حجرا في مياه الأزمة السورية. بل تذهب إلى الأبعد نحو معالجة جوانب مختلفة في الأزمة السورية من شأنها أن تترك أثرا على مواقف وسلوكيات المتصلين بالأزمة من النظام وحلفائه إلى المعارضة والمتعاطفين معها وصولا إلى مواقف المجتمع الدولي بدوله وهيئاته، بحيث تدفع أغلبهم إن لم نقل كلهم نحو مواقف أكثر عملية وجدية في التعامل مع الأزمة السورية، خاصة لجهة المعارضة، وهي المعنية أكثر بما فتحته المبادرة من أبواب أمامها لإعادة ترتيب أوضاع المعارضة السورية خاصة لجهة علاقاتها الخارجية والداخلية أيضا.
وعلى الرغم من ما يمكن أن تفرزه المبادرة من تأثيرات إيجابية على الأزمة وذوي العلاقة معها. فإن ثمة مخاوف من أخطار تحيط بالمبادرة، تتمثل في واحد من احتمالات ثلاثة، أولها أن يهزم خطابيو المجلس الوطني السوري معاذ الخطيب ومبادرته على نحو ما فعلوا العام الماضي، عندما الحقوا الهزيمة بجهود توافق المجلس الوطني مع هيئة التنسيق، وأجبروا الرئيس الأسبق برهان غليون على التراجع عن وثيقة القاهرة 2012، وثاني الاحتمالات أن يمتص النظام وحلفاؤه زخم المبادرة ويحولوها إلى آلية لكسب الوقت كما فعلوا من قبل مع المبادرات العربية والدولية، التي طرحت في العام الماضي، والاحتمال الثالث، أن يعجز المجتمع الدولي عن لعب دور إيجابي ومساند للمبادرة ورعايتها من أجل الوصول إلى غايتها وأهدافها.

 

صحيفة الشرق الأوسط


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى