هل يكون الصراع على “هرمز” هو السيناريو العسكري المقبل؟ (ثناء عطوي)

ثناء عطوي

من حروب الأرض إلى حروب البحار، تتبدّل جغرافيا الحروب وأمكنتها مع اتّساع ساحات النزاع، وارتقاء فنون القتال إلى مراحل لم تعرفها البشرية.. مضيق هرمز الممرّ البحري الاستراتيجي الأهم في منطقة الشرق الأوسط، سيكون عنواناً بارزاً في حروب المياه المقبلة، إذ أصبح كلّ حديث عن إقفال هذا المضيق يُسجّل ارتفاعاً في أسعار النفط العالمية، وبات الاستعداد الدولي لمواجهة بحرية قد تكون هي الأعنف والأكثر دراماتيكية في نتائجها وتداعياتها أمراً عالي التحقّق، في ظلّ اشتداد التوتر الجيوسياسي مع تصاعد التهديدات الإيرانية بإغلاق المضيق، بهدف الضغط على أسواق النفط العالمية، وإجبار دول الاتحاد الأوروبي على التراجع عن الحظر المفروض على حكومة طهران.

اضطراب البيئة الإقليمية المحيطة بإيران على خلفية "الربيع العربي"، وسخونة الملف النووي الإيراني المتزامن مع عقوبات سياسية واقتصادية متتاليىة على إيران، وتجدّد حديث الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن "انشغال جدي" لاحتمال وجود أبعاد عسكرية لبرنامج إيران النووي، عوامل كلّها تحاصر إيران وتؤجّج الصراع على مضيق هرمز الذي سيكون أحد الأهداف الاستراتيجية للعملية العسكرية الأميركية المحتملة. ونقلت الوكالة الدولية للطاقة تراجع صادرات إيران من النفط بنسبة 40%، إذ تراجعت شحنات النفط الإيراني باطّراد مع تقليص المشترين باستثناء الصين، علماً أن إيران هي خامس أكبر مصدّر للنفط في العالم والثاني في منظمة أوبك، كما يُسهم قطاع النفط وحده بنسبة 80% من إيراداتها من العملات الأجنبية بما يعادل 100 مليار دولار سنوياً.

دور المضيق

تبرز أهمية مضيق هرمز في كونه معبراً لنحو 35 إلى 40% من النفط المنقول بحراً إلى الأسواق العالمية. تمرّ عبر المضيق ما بين 20 و30 ناقلة تحمل ما يصل إلى 18 مليون برميل من النفط يومياً، ويُنقل عبر المضيق نحو 90% من النفط السعودي و98% من النفط العراقي و99% من النفط الإماراتي و100% من النفط الكويتي والقطري. وتعتمد اليابان على المضيق في وصول 85% من حاجاتها النفطية، وكذلك تعتمد كلّ من كوريا الجنوبية والهند والصين على المضيق في وصول أكثر من 70% من احتياجاتها النفطية، بينما تعتمد عليه الولايات المتحدة في وصول 18% من احتياجاتها .

يُعتبر مضيق هرمز أحد أهمّ الممرّات المائية في العالم، ويربط بين الخليج العربي من جهة، وخليج عُمان وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخرى. وهو ممرّ حيوي لحاويات النفط السعودية والخليجية والعراقية إلى الأسواق العالمية، ومنفذ بحري رئيسي للدول المطلّة على الخليج العربي مثل العراق والكويت والبحرين وقطر. ويُعتبر المنفذ البحري الرئيسي لصادرات إيران النفطية وتجارتها عبر البحر مع الأسواق العالمية.

وتشير إحصاءات وكالة الطاقة الدولية لمتوسط كمية النفط المصدّرة عبر المضيق في العام 2011،إلى أن هذه الكمية تمثّل في المتوسط 20 % من الاستهلاك العالمي، وتتّجه 85 % منها إلى دول آسيا، وتحديداً إلى الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية، في حين تتّجه 15 % فقط من الصادرات النفطية عبر المضيق إلى الأسواق الأميركية والأوروبية. ولا تستورد أميركا النفط الإيراني ولكنها تستورد نحو 1.8 مليون برميل يومياً من احتياجاتها النفطية البالغة نحو 18 مليون برميل يومياً من دول الخليج عبر مضيق هرمز، وبالتالي فإن التأثير الأكبر لإغلاق المضيق سيكون على دول آسيا، خصوصاً الصين وليس على أميركا وأوروبا.

تؤكّد معظم التحليلات الاقتصادية أن العالم سيخسر في حال إقفال هذا الممرّ البحري الاستراتيجي 40% من كمية النفط المتوفّرة عالمياً، وهو ما حصل في اليوم الأول من العام 2012 عندما ارتفعت الأسعار بقيمة 4 دولارات من 106 إلى 110 دولارات للبرميل الواحد، إثر صدور التهديد الإيراني بإقفال المضيق، في حين توقّع المصرف الإمبريالي الكندي للتجارة صعود سعر برميل النفط إلى 225 دولاراً في العام الحالي بفعل قاعدة العرض والطلب إلى جانب المخاوف.

الأبعاد القانونية للنزاعات البحرية

الاستعداد والتنسيق الدوليان لمواجهة إقدام إيران على إغلاق المضيق وصل إلى مرحلة متقدّمة، خصوصاً بعد تصاعد التهديدات الإيرانية بإغلاق المضيق في حال تعرّضها لهجوم عسكري أميركي على خلفية تطوير برنامجها النووي، وهو ما أكدته وكالة رويترز نقلاً عن رئيس الأركان العامة للقوات المسلّحة الإيرانية حسن فيروز آبادي قوله "إن خطة إغلاق مضيق هرمز باتت جاهزة على الرغم من أن الشعب الإيراني يتصرّف بعقلانية وحكمة ولا يريد أن يسبب مشاكل للآخرين"، في حين أكّد رئيس البرلمان علي لاريجاني "حقّ النواب طرح مشروع قانون إغلاق مضيق هرمز رداً على العقوبات النفطية الغربية ضد إيران".

تثير هذه المسألة الأبعاد القانونية للموضوع من دون الخوض في التفاصيل، ولطالما بقيت فلسفة التنظيم القانوني لاستخدام البحار كطريق دولي للملاحة واستغلال الثروات الطبيعية مسألة واسعة التأويل. ووفقاً للقانون الدولي للبحار (CNUDM) الصادر العام 1982 عن منظمة الأمم المتحدة، يُعتبر مضيق هرمز "ممرّاً مائياً دولياً"، وهذا التوصيف لا يمنح الدول المطلّة على الممرّ المائي "المضيق"حقوق السيادة الكاملة، أو حقّ إغلاق الممرّ المائي أو التدخل في حرية الملاحة ومنع السفن من استخدام الممر.

تطوّر نظم التسليح البحرية

نقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية في 25 فبراير 2012 عن الكونغرس إعداده لخطط من شأنها تعزيز الدفاعات العسكرية في مضيق هرمز ومن حوله، وأشارت نقلاً عن لسان متحدثين عسكريين إلى أن التحضيرات الجديدة تشمل نشر عتاد لكشف الألغام وإزالتها، ونشر أجهزة مراقبة، إضافة إلى خطط لتعديل منظومات البوارج لتستطيع مواجهة الزوارق الحربية الإيرانية. وكانت قد عبرت الشهر الماضي المضيقَ حاملةُ الطائرات الأميركية إس إس أبراهم لينكولن بعد تهديد إيراني جديد.

في المقابل كشفت إيران خلال المناورات البحرية التي أجرتها قوات الحرس الثوري والبحرية النظامية قبل شهرين، عن عدّة تطويرات أجرتها على أنظمة التسليح البحرية، ترتبط معظمها بخطط العمليات تجاه مضيق هرمز. وتشير تقارير غربية إلى أن إيران وضعت خطة من أجل الاستيلاء على المضيق وإغلاقه في أقصر وقت ممكن إذا ما نشبت حرب بينها وبين أميركا، معتمدة في ذلك على امتلاك الحرس النووي 700 موقع ميناء ومرسى وجزيرة ونقاط مختلفة على طول الضفة الشرقية للخليج العربي، قد تستخدمها لأغراض عسكرية في اعتراض السفن الحربية والتجارية وناقلات النفط ومنعها من المرور في المضيق.

بدائل موضعية

تؤكد وكالة الطاقة الدولية أن 50 % من كمية النفط التي يتمّ تصديرها عبر المضيق يُمكن إعادة تصديرها إلى الأسواق العالمية عبر منافذ أخرى. وعلى محور آخر، اكتملت الاستعدادات الدولية لمواجهة إقدام إيران على إغلاق المضيق بين كبار المنتجين والمستهلكين، إذ أصبح هناك ملايين البراميل العائمة في البحار والمخزّنة في مناطق قريبة من أسواق الاستهلاك الرئيسية مثل جزر البهاما القريبة من السوق الأميركية وسنغافورة القريبة من الأسواق الآسيوية. كذلك فإن وكالة الطاقة الدولية وبالتنسيق مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي اعدّت خططاً جاهزة لإطلاق جزء من المخزونات الاستراتيجية في حال إغلاق المضيق.

تتعدّد بدائل التصدير عبر منافذ مختلفة، فالسعودية أعادت فتح خط أنابيب قديم كان يمرّ عبر العراق إلى البحر المتوسط ومدّته الى البحر الأحمر، وبحسب محطة روسيا اليوم فمن أهم خيارات الرياض التحوّل شرقاً باستخدام خط أنابيب الشرق-الغرب من رأس تنورة إلى ينبع، كما افتتحت الإمارات العربية خط أنابيب جديداً لنقل إنتاج النفط من أبوظبي إلى ميناء الفجيرة من دون المرور بالمضيق. وبإمكان العراق تصدير 1.6 مليون برميل يومياً عبر ميناء جيهان التركي الذي تم افتتاحه أخيراً. وقدّمت مؤسّسة البترول الكويتية اقتراحاً لمواجهة التهديدات، من بينها تصدير النفط عبر أنابيب من الكويت إلى سلطنة عمان والثاني نقل النفط الكويتي إلى ينبع في السعودية ومن ثم شحنه عبر البحر الاحمر، هذا كلّه إضافة إلى عودة إنتاج النفط الليبي إلى مستويات مقاربة لمعدل الإنتاج قبل الثورة التي أسقطت نظام القذافي، وهذا يعني أنه لن تكون هناك مشكلة في تغذية الأسواق الأوروبية والأميركية بكميات النفط التي تحتاجها، ربما يكون هنالك نقص في تغذية الأسواق الآسيوية وحسب.

لكن هل تستطيع إيران إغلاق المضيق فعلياً وهو ما لم تفعله في أثناء حربها مع العراق على الرغم من كل التهديدات التي أطلقتها، وهل سيسمح العالم بتهديد مصالحه على الرغم من أن التهديدات لا تزال نظرية إلى حدّ بعيد؟ الولايات المتحدة أكّدت مراراً أنّها ستضرب عسكرياً في حال إقدام طهران على هذه الخطوة، والأخيرة وعدت أنها ستُغلق المضيق عندما ستندلع الحرب ضدّها، فهل ستكون حرب هرمز هي السيناريو العسكري المقبل؟

 

أفق- نشرة الكترونية (مؤسسة الفكر العربي).

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى