هل يكون بومبيو وزير خارجية الحرب؟

يظهر استبدال وزير الخارجية الأميركية السابق ريكس تيلرسون برجل ذي خلفية عسكرية أمنية كمايك بومبيو كتوجه نحو التشدد خاصة في ظل الأجواء المتوترة بين بلاده من جهة وكلٍّ من إيران وروسيا من جهة أخرى.

بعد إقالة وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون عبر تويتر، بطريقة غيرلائقة بوظيفته أو بمن يُمثّل أكثر منها بشخصه، ذهب الكثير من المتابعين نحو اعتبار الموضوع ، بمعزل عن الشكل غير المناسب ، بأنّه يحمل مضموناً حساساً لناحية تغيير سياسة الولايات المتحدة الأميركية من التعاطي بديبلوماسية في ملفاتٍ صاخبة و حساسة، إلى التشدّد فالجنوح نحوالتهديد بإستعمال القوة مع إعطاء الخصوم إشارات جدية بأنّها على إستعدادٍ للحرب لفرض أجندتها في تلك الملفات.

في الظاهر يبدو ذلك منطقياً، من خلال تعيين مدير وكالة الإستخبارات المركزية الأميركية مايك بومبيو بديلا لتيلرسون وحيث يمكن إعتبار بومبيو، وهو العسكري القانوني المخضرم وصاحب الخلفية العسكرية الأمنية المخابراتية، بأنّه سيقود ديبلوماسية الولايات المتحدة الأميركية بذهنية وزير خارجية الدولة الأقوى التي لديها أهم جيش على الارض و تملك اكثر من 800 قاعدة بحرية وبرية في العالم ، بمعزل عن سطوتها الإقتصادية والمالية والسياسية…الخ.

في المبدأ ومن خلال التوسع بعض الشيء في النظام السياسي للولايات المتحدة الأميركية، وخاصة في كواليس إدارة السلطة وفي صلاحية الرئيس، لا يملك أي وزير – (الخارجية او الدفاع أو غيرهم) والذي هو في النهاية ” سكرتير” للإدارة بمجاله المحدّد) أية صلاحية كاملة مستقلة ، بمعزل عن صلاحية الرئيس ، في مجال الحرب أو السلم ، أو حتى في مجال اتخاذ قرار ديبلوماسي او إداري يتعلق بملف ما، مهما كان هذا الملف ، داخلي أو خارجي، مع دولة كبرى أو مع دولة صغرى. فالوزير والمعني هنا وزير الخارجية، يحمل معطياته المقيّدة والمحدّدة من قبل الإدارة الممثلة عمليا بقرار الرئيس، وينطلق بها يتفاوض ويراجع ويستشير ويتمهل، ويقرر تماماً كما يكون قرار الرئيس.

ما هي المعطيات التي دفعت إلى هذا التبديل؟

من هنا، لا يمكن من الناحية العملية اعتبار أنّ تبديل وزير الخارجية الهادىء المُسالم صاحب الخلفية التجارية، بوزير خارجية مُتحمّس هجومي صاحب الخلفية الأمنية العسكرية ، سينقل قرار الولايات المتحدة الأميركية من السلم الى الحرب أو بالعكس. ولكن ما هي المعطيات العملية والمنطقية التي دفعت إلى هذا التبديل؟

الولايات المتحدة الأميركية هي على موعد مع إستحقاقات مهمة تتعلق بملفات صاخبة تسبب في المجال الدولي حاليا الكثير من التوتر وتثير الإهتمام الحذر والمتشائم ، وجميعها ملفات لها طابع حساس يتعلق بأسلحة نووية وبقدرات دمار شامل ، بالإضافة لملف محاربة الإرهاب، والذي تقود تحالفاً دولياً تحت شعاره ” مبدئياً” ، ناهيك عن الملف القديم الجديد المتعلق بالحرب الباردة وبسباق التسلح والدرع الصاروخية مع روسيا.

في موضوع ملف المفاوضات مع كوريا الشمالية ، صحيح أن الملف بأبعاده العميقة يستهدف كلاً من الصين وروسيا ، وأهدافُه البعيدة تدور حول السباق على النفوذ العسكري والإستراتيجي والاقتصادي مع كل من الدولتين. ولكن عملياً جميع معطيات هذا الملف هي عسكرية وأمنية، تتعلق بقدرات أسلحة الدمار الشامل التي تعمل عليها كوريا الشمالية. وتتعلق أيضاً بما يُطرح من بديل للمواجهة، من منظومات صاروخية مضادة، أو من أسلحة وقاذفات إستراتيجية. وهذا يحتاج إلى محاور وديبلوماسي خبير في تفاصيل القدرات النووية والباليستية. وبمعزل عن ان أيّ وفد ديبلوماسي بأُمرة وزير الخارجية سوف يتضمن خبراءَ واختصاصيين عسكريين. ولكن يبقى للمحاور الأساس والذي هو وزير الخارجية أن يملك خلفية خاصة تؤهله التعاطي بالملف عن فهم وعن خبرة وعن تجربة ، بطريقة مباشرة، دون الاستماع دائماً أو العودة لإختصاصيين أثناء المفاوضات .

بموضوع الملف النووي الإيراني، ربما يكون هذا الملف من أكثر الملفات حساسية لدى الإدارة الأميركية خصوصاً أنّ الوزير الجديد “بومبيو” كان دائماً ومن موقعه كمدير للاستخبارات المركزية، مُعارضاً قوياً لهذا الإتفاق مع إيران. وحيث أنّه بطبيعته العسكرية والأمنية، رأى أنّ إيران استطاعت بديبلوماسيتها الذكية والثابتة أن تنتزع الكثير من النقاط الإيجابية عبر هذا الإتفاق. خاصة أنّها إستطاعت تحييد موضوع الصواريخ الباليستية عن إلتزامات السلاح النووي. وهذا بالمبدأ صحيح لأن الامرين مختلفان. ولكن يستطيع بومبيو العسكري المخضرم أن يكتشف أنّ إيران عوّضت بالقدرات الصاروخية الباليستية نسبة كبيرة من قوة الردع، والتي كانت ستعطيها إياها القدرات النووية.

وفي موضوع الاشتباك العنيف والحساس مع روسيا حول ملفات التواجد العسكري الأميركي في سوريا والعراق ، والإشتباك بين روسيا وحلف الأطلسي بموضوع أُوكرانيا وجزيرة القرم والدرع الصاروخية في الدول الاوروبية المتاخمة لروسيا من جهة الغرب والشمال الغربي، من المستحسن أن يكون وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية متخصصاً أو مضطلعاً بالمعطيات العسكرية والتقنية عن تلك الملفات .

كل ذلك ، ومن منطلقات تقنية وعسكرية بحتة، كانت من الأسباب الحقيقية التي أسّست لتبديل وزير الخارجية الأميركية. ويبقى أنّ للأسلوب غير اللائق وللصورة غير المُستحبة ديبلوماسياً وغير المعهودة أو المُتعارف عليها، نظرة أخرى ليست بعيدة أبداً عما عوّدنا عليه الرئيس ترامب منذ استلامه مركزه كرئيس للولايات المتحدة الأميركية.

الميادين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى