كتاب الموقعنوافذ

هواء مستعمل !

هواء مستعمل !  …في الجو الخانق لغرفة اجتماعات خطيرة تقرر مصير بلد، في لحظة تاريخية، يتأفف شخص يجلس آخر الطاولة، ويقول:
ثمة هواء مستعمل في هذه الغرفه !
رئيس الاجتماع لم يعجبه المجاز المبطن في هذه الجملة…فأطلق عليه رصاصة “غير مستعمله!”
لاأدري لماذا يحضر، بصريا، مشهد قتل رفيق على طاولة اجتماعات في بغداد السبعينات……كلما رأيت دماً حتى من عنق فروج منتوف الريش في دكان الدجاج ؟ فكيف اذن وقد تكفلت الأزمة السورية بجريان نهر من الدم ، دون الكف عن قلة النزاهة في الأسئلة حول السبب والنتيجه، ومايزال السوريون عاكفين على مناقشة هذا التيه البسيط:
“هل المشكلة في” الشمال” أم “البوصله” ؟
وللغرابه …ثمة فعلا من يقول :إنه الشمال ، بوصفه جهة خرقاء! فالجهات تبدل أماكن سكنها مؤقتاً !
الذي يرى المشكلة في الشمال هو مجرد معاند بالصدفة ، كان في الارصاد الجوية، وتفسير عناده محاولة عبث مع منغولي مسكين !
هنا ، وبهذه اللغة المجازية، يمكننا أيضا رؤية المأزق السوري ، الذي يبدو معقداً… وهو غاية في البساطة. إذ ليس هناك مجتمع يتصادم، ويموج بمكونات عاصفته العميقة ، ويثور ويتصادم (مالحاً وحلواً) … بل فريقان يتصارعان على سلطة… وقد لا يحتفظ بها أي منهما: الراهنة المدافعة، والقادمة المهاجمة … لسبب بسيط: بلد مدمر…  لافائدة من البحث عن وطنيته الجديدة ! لأن الوطنية يعاد تعريفها، على أرض الانقسام ، وتصبح الأهواء والمصالح، والنفوذ، وتجارة الأزمات… هي البديل الجديد للوطنية…لكل أصنافها…تعريفاً!
الفرنسي يقول: يجب أن تدير لسانك  في فمها عشر مرات قبل أن تقول:
أنا أحبك!
ولكن في حرب كالتي في سورية …لا أحد يبلل شفتيه لثانية قبل إطلاق الرصاص باتجاه مجتمع يتحطم .
حين تصبح الأمور بهذه السهولة، فلا يتوقعن أحد من أحد الذهاب حاجّاً بتولاً الى طاولة  المفاوضات  !
إنها بيئة إقليمية للحرب المحلية أولاً، هنا وهناك، ثم هي بيئة ايديولوجية. فالزمن الراهن هو زمن طائفي ( لا بمعنى الطوائف) بل بمعنى الصراع بمضمون وفكر ديني ـ سـياسـي . ولقد بات واضحاً التوجه إلى اختراع الصبغة الموحدة، واللباس الموحد، لأحزاب الأخوان المسلمين لتغدو أحزاباً، علمانيتها الوحيدة قبول الســياحة، كنشـاط اقتصادي، تحدث على هامشـه تجاوزات شرف صغيرة… والإغضاء عن الويسكي في البارات!
غير أن استنقاع النظام العربي الحالي… ليس البديل الثابت لهذا الهبوب المتفلت لعاصفة التغيير، ينبغي أن يحدث التغيير، ولكن بين عقلاء العاصفة من يقول جملة متممة: ولكن ليس بأي ثمن!
ومصيبتنا، في تكوين الفكرة ، ورسم الخطط أن وراءها أشخاص ودول غنيّة تستطيع دائماً تحمل نفقات القيام بأمور حمقاء، وغير محسوبة بشكل عقلاني.
آخر مثال:
بعد خطاب الرئيس السوري بشار الأسد، الأسبوع الماضي ، كانت ردود فعل المعارضة مفهومة، ومتوقعة، وحادة… ولكن كانت ذات ثغرة مهمة، وهي تجاهل التعامل مع السياسة بفكر الحرب، والتعاطي مع الحرب بعقلية الدهاء السياسي…أي : طوبى لطريق الحرب في كل احتمالات انغلاقه على نهاية مستحيلة!
لا أقول أن الرئيس الأسد قدّم رأس نفسه على طبق للمعارضة، كما هي تتوقـع أحياناً وتطالب دائماً، ولكنه فتح ثغرة في جدار تشـبه الكوّة التي يعتمدها المقاتلون للنفاذ إلى نهاية النفق.
لا شيء يمكن التعاطي معه، بنظر فريق كامل من جنرالات السياسة في المعارضة. وقد يكون (معهم حق) بالنظر إلى فقدان الثقة، والمصداقية.
ولكن لا يجوز إحكام إغلاق باب… قد يكون باب الجنة عبر الجحيم!
في مثل هذه الانغلاقات… لا يمكن التوقع من مقاتلي المتاريس أن يكونوا أكثر حكمة، فيجري الموافقة على التفاوض… برفع البنادق. وهكذا يدوم العنف حتى يغدو خراباً للجميع!
…………….
الرجل نفسه، في الجو الخانق لغرفة اجتماعات خطيرة، تقرر مصير بلد، كان يهمس لنفسه وهو ينظر لرؤوس زملائه:

” ليس كل ما يدور في رأسك… أفكار
قد يكون مجرّد… قمل”!

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى